نشر قبل 6 سنوات
مجموع الأصوات: 75
القراءات: 8278

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اردت ـ اردنا ـ اراد الله

نص الشبهة: 

ورد في الآيات التي تتحدث عما جرى بين النبي موسى (عليه السلام) والعبد الصالح، ثلاثة تعابير مختلفة. فإنه حين تحدث عن خرق السفينة، قال العبد الصالح:﴿ ... فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ... وحين تحدث عن الغلام وقتله، قال:﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ ... وحين تحدث عن الجدار والكنز، قال :﴿ ... فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ... فما هذا التنويع في التعبير، والعدول في كل مورد إلى صيغة تختلف عن الصيغة التي استفيد منها في المورد السابق؟!

الجواب: 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فربما يكون السبب في هذا التنويع هو الإلماح إلى:
1 ـ إنه حين خرق السفينة، فإنما كان ذلك بقرار شخصي منه، فإن التكليف بحفظ أولئك المساكين من ذلك الظالم تكليف عام لجميع الناس، والخضر واحد منهم، ولكن المكلف هو الذي يختار الكيفية والطريقة المجدية، والموجبة لسقوط ذلك التكليف، فالخضر (عليه السلام) قد بادر إلى هذا الأمر من حيث هو إنسان مكلف، لا بصفته نبياً حاكماً.. وهذا نظير قول الله سبحانه:﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ... 1 فإن التحيات هي من اختراع الناس، والرد عليها أيضاً هو من اختراعهم..
وكذلك الحال في قولهم (عليهم السلام): أحيوا أمرنا. فإنه أمر عام، نحن نخترع مصاديقه فننشد الشعر فيهم تارة، ونعلق اللافتات المعبرة عن منزلتهم، ومقامهم أخرى، وننظم المسيرات ثالثة، وقد نؤلف كتاباً، أو نكتب ونخرج مسرحية أو فيلماً عنهم.. وما إلى ذلك..
2 ـ وحين قال (عليه السلام) عن قتله للغلام:﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ ... 2 فإنه قد تحدث عن أمر ذي جنبتين:
إحداهما: ترتبط بالله سبحانه، من حيث إنه تعالى هو الذي حدّد حكم من يعتدي على والديه، ويظلمهما ظلماً فاحشاً، يصل بهما إلى حد إرهاقهما بالطغيان والكفر الذي لا يطيقانه﴿ ... فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا 3
فإن حكم إنسان كهذا هو القتل، خصوصاً إذا كان المستهدف بظلمه وطغيانه هو والديه.
فالحكم بقتل إنسان كهذا لا شك في أنه صادر من الله سبحانه، وهو قرار إلهي بكل ما لهذه الكلمة من معنى..
وثانيتهما: ترتبط بالخضر نفسه (عليه السلام) فإنه المكلف بإجراء هذا الحكم وتنفيذه من موقع الولاية والحاكمية والسلطة المجعولة له من قبل الله، وقد أطلعه الله على هذا الطغيان والكفر، بالوسائل التي تخوله إجراء حكم الله سبحانه بالفاعل..
فصح نسبة الإرادة إليه، لأنه هو المتصدي لإجراء حكم الله، ونسبته أيضاً إلى الله لأن القرار قرار إلهي لا مجال للتردد فيه، ولا للتخلف عنه..
3 ـ وحين قال الخضر في قصة إقامة الجدار:﴿ ... فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ... 4 فإنه قد نسب الإرادة إلى الله سبحانه، وأن الله سبحانه هو الذي أخبره بهذا الكنز الذي هو عبارة عن لوح مكتوب فيه عبارات شريفة تشير إلى كلمة التوحيد، وإلى مسألتي الموت والقدر.. وقد أراد الله سبحانه حفظ اليتيمين ـ في بلد ظهر حال أهله الفاسد من موقفهم من النبي موسى (عليه السلام) والخضر (عليه السلام)، حيث إنهما استطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما، ومن كان كذلك فهل يرحم هذين اليتيمين ؟! اللذين استحقا الرعاية الإلهية وفاءاً لأبيهما الذي كان صالحاً.. ـ فأمر وليه بحفظ الكنز لهما، بإقامة الجدار.
فالله إذن هو الذي أراد حفظ الكنز لليتيمين، فأجرى الخضر الإرادة الإلهية، مستنداً فقط إلى الأمر الإلهي، وإلى ما أطلعه الله عليه من غيبه في أمر الغلامين، وأبيهما والكنز ولزوم حفظه لهما..
وقد صرح الخضر (عليه السلام) بهذا الأمر بالذات، حين قال:﴿ ... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ... 4
والحمد لله رب العالمين 5.