حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
حديث اللدود خرافة
نص الشبهة:
يقولون: إن النبي (ص) قد أمر بمجازات الأبرياء في قضية رواها البخاري وغيره، وإليك نص ما رووه في ذلك.
النصوص والآثار
1ـ ما رواه البخاري وغيره: قالت عائشة: لددناه في مرضه، فجعل يشير إلينا: أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم انهكم أن تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا انظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم (صحيح البخاري ج3 ص54، وكتاب الطب باب اللدود، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص32، ومسند أحمد ج1 ص53).
2ـ ولفظ محمد بن سعيد: كانت تأخذ رسول الله (ص) الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه فلما أفاق قال: هذا من فعل نساء جئن من هنا، وأشار إلى الحبشة، وإن كنتم ترون أن الله يسلط علي ذات الجنب، ما كان الله ليجعل لها علي سلطاناً، والله لا يبقى أحد في البيت إلا لد، فما بقى أحد في البيت إلى لد، ولددنا ميمونة وهي صائمة (فتح الباري ج8 ص112، 113).
3ـ ومن طريق أبي بكر بن عبد الرحمن: إن أم سلمة وأسماء بنت عميس أشارتا بأن يلدوه.. وفي رواية بسند صحيح رواها عبد الرزاق: إن قضية اللد قد جرت في بيت ميمونة وإن نساءه تشاورن في ذلك، فلما أفاق قال: هذا من فعل نساء جئن من ها هنا وأشار إلى الحبشة (راجع: فتح الباري ج8 ص112، ومسند أحمد ج1 ص438، لكن فيه أن الذي اتهم نساء الحبشة هو غير النبي (ص)).
4ـ قال المعتزلي: " وإن أهل داره ظنوا: أن به ذات الجنب فلدوه وهو مغمى عليه، وكانت العرب تداوي باللدود من ذات الجنب، فلما أفاق علم أنهم قد لدّوه، فقال: "لم يكن الله ليسلطها علي، لدوا كل من في الدار "، فجعل بعضهم يلد بعضاً" (شرح النهج للمعتزلي ج10 ص266).
5ـ وفي رواية عن العباس: إنه دخل على رسول الله (ص) وعنده نساؤه فاستترن مني إلا ميمونة، فقال: لا يبقى في البيت أحد شهد اللد إلا لد الخ.. (مسند أحمد ج1 ص209).
6ـ وفي رواية مطولة عن عائشة، قالت: وفزع الناس إليه، فظننا ان به ذات الجنب، فلددناه ثم سرّي عن رسول الله (ص)، وأفاق فعرف أنه قد لد، ووجد أثر اللدود، فقال: ظننتم أن الله عز وجل سلطها علي؟ ما كان الله يسلطها علي، والذي نفسي بيده، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي، فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً.
وقالت عائشة ومن في البيت يؤمئذ فتذكر فضلهم، فلد الرجال أجمعون، وبلغ اللدود أزواج النبي (ص)، فلددن امرأة امرأة، حتى بلغ اللدود امرأة منا ـ قال ابن أبي الزناد: لا أعلمها إلا ميمونة قال: وقال بعض الناس: أم سلمة ـ قالت: إني والله صائمة.
فقلنا: بئسما ظننت أن نتركك وقد أقسم رسول الله (ص)، فلددناها، والله يابن أختي، وإنها لصائمة (مسند أحمد ج6 ص118).
7ـ عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): إن خير ما تداويتهم به السعوط واللدود والحجامة، والمشي. فلما اشتكى رسول الله (ص) لده أصحابه، فلما فرغوا قال: لدوهم، قال: فلدوا كلهم غير العباس.. (صحيح الترمذي ج4 ص388، والفائق ج3 ص313، والنهاية ج4 ص245، وزاد: أنه فعل ذلك عقوبة لهم.).
وعنه أيضاً: إن رسول الله (ص) لدّه العباس وأصحابه، فقال رسول الله (ص): من لدّني؟ فكلهم أمسكوا. فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد غير عمه العباس.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور (صحيح الترمذي ج4 ص391.).
8ـ وأخيراً.. فقد روت عائشة قالت: أغمي على رسول الله (ص)، والدار مملوءة من النساء: أم سلمة، وميمونة، وأسماء بنت عميس، وعندنا عمه العباس بن عبد المطلب، فأجمعوا على أن يلدّوه فقال العباس: لا ألده، فلدوه، فلما أفاق قال: من صنع بي هذا؟ قالوا: عمك قال لنا: هذا دواء جاء من نحو هذه الأرض ـ وأشار إلى أرض الحبشة ـ قال: فلم فعلتم ذلك؟ فقال العباس: خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب، فقال: إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفني به، لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا عمي. قال: فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة لقسم رسول الله (ص) عقوبة لهم بما صنعوا.. (شرح النهج للمعتزلي ج13 ص31، 32).
الجواب:
ونحن بدورنا لا نصدق هذه الرواية
أولاً: فعدا عن المناقشة في أسانيدها. فإن الروايات فيها تناقض بعضها بعضاً، ونحن نكتفي بذكر موارد خمسة لهذه التناقضات ونترك الباقي لنظر القارئ وملاحظته، فنقول:
- واحدة تذكر: أن العباس قد لدّه. وأخرى تقول: إنه رفض أن يلدّه واكتفى بالإشارة بذلك.. وثالثة تقول: لم يشارك لا في لدّه ولا في المشورة به.
- واحدة تقول: إن صحابته قد لدوا رجلاً رجلاً حتى بلغ اللدود نساءه (ص). وأخرى تذكر: أن اللد كان للنساء فقط.. وثالثة تذكر: إن اللد كان لصحابته، ولا تشير إلى النساء أصلاً..
- ثم هناك الخلاف في من التدت وهي صائمة هل هي: أسماء بنت عميس، أو هي ميمونة..
- واحدة تذكر: أنه (ص) لم يعرف باللد إلا عندما افاق حيث وجد أثره في فمه، وأخرى تذكر أنه نهاهم عن ذلك صراحة أو بالإشارة ولكنهم لم يمتثلوا لأنهم اعتبروا: أن ذلك منه كراهة المريض للدواء..
- رواية تذكر: أن اللدود دواء جاءهم من قبل الحبشة.. وأخرى تقول: " كانت العرب تداوي باللدود من به ذات الجنب ".
وثانياً: لقد صرحت رواية المعتزلي والزمخشري وابن الأثير 1: بأن الرسول قد أراد ان يلدهم جميعاً عقوبة لهم وذلك.. " فيه نظر لأن الجميع لم يتعاطوا ذلك " 2 فلماذا يعاقب غير الجناة؟!.. ولو سلم أنهم جميعاً استحقوا العقاب لتركهم الإنكار على الفاعلين، ولاسيما مع نهيه لهم عن ذلك.. فيرد عليه سؤال: أنهم قد ظنوا أنه قد نهاهم عن ذلك كراهية المريض للدواء كما يقولون فهم معذورون في ذلك لأنهم قد انساقوا مع تأويلهم وفهمهم.. هذا كله عدا عن أن بعض الروايات تنكر أن يكون (ص) قد نهاهم عن ذلك، بل تصرح بأنه لم يعرف بالأمر إلا بعد إفاقته من إغمائه..
ولو سلم.. فإنهم في فعلهم ذلك كانوا يحسبون أنهم يحسنون له (ص) ويبّرونه ويحافظون عليه، فهل مع هذا يستحقون عقاباً أو تأديباً كما يزعمه العسقلاني؟! 3.
وهل ذلك منه (ص) لهم إلا كجزاء سنمار؟!..
ثم أليس يقولون: إنه (ص) لم يكن ينتقم لنفسه من أحد؟!.. 4 فلماذا غير عادته في هذا الوقت بالذات؟!..
ولو سلم أنه يستحقون العقاب، فهل عقابهم لابد وأن يكون على هذه الصورة؟!.
وهل كل من لدّ شخصاً مع عدم رضاه يكون عقوبة اللّد في المقابل؟!.
وكيف صار عقاب المرتكب هو نفس عقاب الراضي بالفعل، وهل كان من رضي بفعل قوم لابد وأن يتعرض لنفس العقاب الذي يتعرّضون له؟! فلو قتل رجل رجلاً ورضي به آخر، فهل يقتلان معاً: الراضي والقاتل على حد سواء؟!..
إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا تجد الجواب المقنع والمفيد..
وثالثاً: الرواية تصرح: بأنه لم يكن الله ليبتليه بذات الجنب.. ولكننا نرى أن أبا يعلى قد روى بسند فيه أن لهيعة عن عائشة نفسها: إن النبي (ص) مات من ذات الجنب 5.
قال المعتزلي: " واحتج الذاهبون إلى أن مرضه كان ذات الجنب بما روي من انتصابه وتعذر الاضطجاع والنوم عليه. قال سلمان الفارسي: دخلت عليه صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه،فقال لي: يا سلمان، ألا تسأل عما كابدته الليلة من الألم والسهر أنا وعلي؟ فقلت: يا رسول الله، ألا أسهر الليلة معك بدله؟ فقال: لا، هو أحق بذلك منك " 6.
وقال: ".. قال: (وفاضت بين نحري وصدري نفسك) يروى أنه صلى الله عليه وآله قذف دماً يسيراً وقت موته، ومن قال بهذا القول زعم أن مرضه كان ذات الجنب، وأن القرحة التي كانت في الغشاء المستبطن للإضلاع انفرجت في تلك الحال، وكانت فيها نفسه صلى الله عليه وآله.. " 7.
ورابعاً: لو سلمنا: أنه (ص) لم يمت من ذات الجنب، وإنما مات بالحمى والسرسام الحار.. فإننا لا يمكن أن نقبل أنهم ظنوا: أن به ذات الجنب، وذلك لأن الحاكم قد روى في المستدرك ان: " ذات الجنب من الشيطان.." 8.
وإذا كانت من الشيطان فلا مجال لتوهمهم أن به ذات الجنب، لأن الشيطان ليس له سلطان على عباد الله الصالحين من المؤمنين فكيف بسيد الأنبياء والمرسلين: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ... ﴾ 9كما أن الشيطان قال: ﴿ ... لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ 10.
وقول ابن حجر العسقلاني: إن ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين: الورم الحار الذي يعرض للغشاء المستبطن، والآخر ريح محتقن بين الأضلاع، والأول هو المنفي له (ص) عن نفسه 11.
لا يحل الإشكال، لأنه لو كان كذلك.. فقد كان عليه (ص): أن يبين أيهما هو المعني بكلامه نفياً وإثباتاً.. وكان على الباحثين ذكر ذلك عنه، وإذا كان كذلك ولم يبين فلابد وأن يحمل كلامه على ما هو المتعارف، والتفكيك في كلامه يحتاج إلى دليل، وليس ثمة دليل، ثم كيف يكون هذا هو المنفي في كلامه مع أنه هو الذي يقولون: إنه مات به كما تقدّم نقله عن المعتزلي؟!..
وخامساً: قول بعض الروايات: إن جميع ازواج النبي قد احتجبن من العباس سوى ميمونة غريب، فإن العباس وإن كان زوج اخت ميمونة، ولكن ذلك لا يخرجه عن كونه رجلاً كسائر الرجال الاجانب، فلماذا لا تحتجب منه ميمونة زوج النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟!!.
وأخيراً.. فقد قال المعتزلي: " وسألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد البصري عن حديث اللدود، فقلت: ألدّ علي بن أبي طالب ذلك اليوم؟ فقال: معاذ الله، لو كان لدّ لذكرت عائشة ذلك فيما تذكره وتنعاه عليه. قال: وقد كانت فاطمة حاضرة في الدار، وإبناها معها، أفتراها لدّت أيضاً؟ ولدّ الحسن والحسين؟! كلاّ، وهذا امر لم يكن، وإنما هو حديث ولّده من ولّده تقريباً إلى بعض الناس الخ.. ".
ثم يذكر أن من لدّ هو فقط أسماء بنت عميس وميمونة، وإن الدواء جاء به جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة 12. ولكن كيف ذلك ونحن نرى ابن أبي الحديد نفسه يصّرح بأن اللدود كنت تستعمله العرب لذات الجنب؟! 13 كما تقدم.
وهكذا يتضح: أن هذه الرواية لا يمكن أن تصح، وأن ذكرها في صحيح البخاري وغيره لا يبرر الالتزام بها، وتصديقها..
ولعل سر اختلاقها هو إظهار صحة نسب الهجر إلى رسول الله (ص) في مرضه. ولعل النقيب المعتزلي يشير إلى هذا في عبارته الآنفة.
وما أكثر الأكاذيب والمفتريات على نبي الأمة الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، رد الله كيد الكاذبين والمنحرفين إلى نحورهم، وعصمنا من الزلل في القول والعمل والحمد لله وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين 14
- 1. الفائق / ج3 ص313، والنهاية / ج4 ص245، وفيهما: فعل ذلك عقوبة لهم، لأنهم لدوه بغير إذنه.
- 2. فتح الباري / ج8 ص112.
- 3. نفس المصدر السابق.
- 4. المصدر السابق..
- 5. فتح الباري / ج8 ص113، وشرح النهج / ج10 ص267.
- 6. شرح النهج للمعتزلي / ج10 ص267و266 على الترتيب..
- 7. شرح النهج للمعتزلي / ج10 ص267 و266 على الترتيب..
- 8. فتح الباري / ج8 ص113.
- 9. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 42، الصفحة: 264.
- 10. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 82 و 83، الصفحة: 457.
- 11. فتح الباري / ج8 ص112 وج10 ص145.
- 12. شرح النهج للمعتزلي / ج13 ص32.
- 13. نفس المصدر / ج10 ص266.
- 14. 15 جمادى الأولى 1400ﻫ. جعفر مرتضى العاملي.