حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الهلال الفلكي.. والهلال الشرعي..
نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم..
أرجو منكم سيدي الكريم أن تكتب لي موضوع عن الفلك، وكيف يتم أخذ مواقيت الصلاة.. هل عن الفلك والتقويم؟.. أو عن طريق الحمرة في السماء؟.. أو عن طريق شيء آخر؟.. وأيضاً عن هلال شهر رمضان المبارك، نعرف أن العلم قد تطور، وأسمع أن علم الفلك يستطيع الآن أن يعرف متى يولد الهلال، فلماذا لا نأخذ بالفلك؟ هل هناك أمور تمنع من ذلك سيدي الفاضل؟ وأيضاً سيدي الفاضل ما هو الفرق بين المنجم والفلكي؟ وهل هناك اتفاق بين جميع المراجع حول هذه القضايا من حيث التفسير؟
وفي الختام تقبلوا تحياتي..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنني أعتذر لكم عن تلبية طلبكم بكتابة موضوع عن الفلك وغيره من الموضوعات التي تضمنتها رسالتكم الكريمة، وذلك لأن الوقت لا يسمح بالتصدي لامتثال أمر كهذا، فهناك ما هو أهم، ونفعه أعم، خصوصاً ما يرتبط بشأن العقيدة، وقضايا الإيمان..
وأنا على يقين من أن طلبكم منا التصدي للبحث في موضوعات عديدة كل منها يحتاج إلى تأليف مستقل، قد جاء عن حسن نية، وسلامة طوية، ولكن قد غاب عنكم: أن تلبية هذا الطلب معناه تعطيل كل عمل وجهد، والاشتغال بالإجابة على سؤالين أو ثلاثة طيلة العام كله..
وفي جميع الأحوال، فأنا شاكر لكم هذه الثقة الغالية التي أعتز بها، غير أنني أعتذر عن قصوري أو تقصيري في تلبية مقتضياتها..
أخي الكريم:
أعود فأقول: حبذا لو اقتصرتم في رسائلكم على طرح سؤال واحد أو اثنين، مما لا يحتاج إلى بسط في القول، وتوسع في البيان، وذلك لكي نتمكن من تلبية طلبكم، وبذل المحاولة للإجابة، بحسب القدرات المتوفرة لدينا.
ولكي لا أفسح المجال لأي لبس لديكم فإنني أشير إلى بعض وجوه القول حول ما طرحتموه، فأقول:
إن الشارع المقدس، حين حدد للصلاة أوقاتاً، فإنه ترك أمر اكتشاف تلك الأوقات إلى المكلفين أنفسهم، فحد الفجر لصلاة الصبح، وزوال الشمس عن قبة الفلك للظهرين، وذهاب الحمرة المشرقية للعشاءين..
ولكنه بالنسبة للصوم قد حدد له وقتاً، وهو شهر رمضان، لكنه لم يترك أمر تحديد الشهر الذي يجب فيه الصوم إلى المكلف نفسه، بل شرط عليه أن يتحدد بشهادة رجلين مسلمين مؤمنين عدلين، أو بالعلم القطعي، أو بمضي ثلاثين يوماً من بداية الشهر، ورفض تحديده بشهادة النساء، وبشهادة العدل الواحد، حتى مع يمينه، ورفض تحديده أيضاً بقول المنجمين، وأهل الحساب، وبغيبوبته بعد الشفق، ليدل على أنه لليلة السابقة.
فلو كان المطلوب هو مجرد بداية الشهر فلكياً، فلماذا لم يكتف بشهادة مطلق الثقات، بل اشترط الإسلام، واشترط الإيمان، والعدالة، والتعدد في الشهود، ولماذا رفض شهادة النساء، وقول المنجمين، ورفض دلالة الغيبوبة بعد الشفق، فإنها من الأدلة القاطعة لدى أهل الفلك على كون الهلال لليلة السابقة؟!..
إن ذلك كله يدل على أن ولادة الهلال فلكياً، ليست هي المطلوبة، ولا توجب الصوم عند الشارع، بل المطلوب له هو ولادته ثم رؤيته بالعين، وثبوت هذه الرؤية بطريقة خاصة، لا بأي طريق كان..
وأما بالنسبة للسؤال عن المراد من المنجم، فنقول:
المنجمون هم أهل الحساب الفلكي.. وقد ورد النهي في الروايات عن الأخذ منهم في خصوص ثبوت شهر رمضان، بكلا الوصفين: أعني وصف «المنجِّمين»، ووصف «الحُسَّاب».. رغم أنهم علماء في الفلك، عارفون بحساباته..
وقد كان هؤلاء الحُسَّاب يتعاطون أيضاً الإخبار عن أمور مستقبلية، يرون أن للكواكب وحركتها، واقتراناتها تأثيراً فيها..
وقد نهى الشارع عن الأخذ منهم، من هذه الجهة أيضاً..
ولكن الشارع قد قبل منهم ما سوى ذلك، فاعتمد عليهم في تعيين أن القمر في برج العقرب الذي يكره الزواج فيه، أو في غيره فلا يكره ذلك..
وهذا معناه أن حساباتهم مقبولة في بعض الموراد، غير مقبولة في الموارد الأخرى.. وأن سبب عدم قبولها هو أن الشارع لا يريد مطلق الهلال الفلكي.
بل يريد هلالاً ذا مواصفات معينة لا تكفي فيها الحسابات..
لكن ذلك لا يعني بطلان حساباتهم الفلكية نفسها، فإن الباطل هو خصوص ما يعتقدونه وما يخبرون عنه من تأثيرات، أما الحسابات نفسها، فهي صحيحة في حد نفسها، لكن ما توصل إليه حساباتهم ليس هو المطلوب للشارع، ولا هو موضوع الحكم عنده..
بل موضوع الحكم عنده هو الهلال الذي يولد، ثم يكبر حتى يصير قابلاً للرؤية ثم يرى بالفعل، فحينئذ يصير الصوم واجباً..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 1..
- 1. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الثامنة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (460).