حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل تزوجت خديجة باحد قبل النبي ؟!
نص الشبهة:
ثم إنه قد قيل : أنه (صلى الله عليه وآله) لم يتزوج بكراً غير عائشة ، وأما خديجة ، فيقولون : إنها قد تزوجت قبله (صلى الله عليه وآله) برجلين ، ولها منهما بعض الأولاد ، وهما : عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي ، وأبو هالة التميمي .
الجواب:
أما نحن فنقول: إننا نشك في دعواهم تلك ، ونحتمل جداً أن يكون كثير مما يقال في هذا الموضوع قد صنعته يد السياسة ، ولا نريد أن نسهب في الكلام عن اختلافهم في اسم أبي هالة ، هل هو النباش بن زرارة أو عكسه ، أو هند ، أو مالك ، وهل هو صحابي أو لا ، وهل تزوجته قبل عتيق ، أو تزوجت عتيقاً قبله ؟ 1.
ولا في كون هند الذي ولدته خديجة هو ابن هذا الزوج أو ذاك، فإن كان ابن عتيق، فهو أنثى 2 وإلا فهو ذكر ، وأنه هل قتل مع علي في حرب الجمل ، أو مات بالطاعون بالبصرة 3.
لا ، لا نريد أن نطيل بذلك ، وإنما نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية :
أولا
قال ابن شهر آشوب : (وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر في التلخيص : أن النبي (صلى الله عليه وآله) تزوج بها ، وكانت عذراء .
يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع : (أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة) 4 .
ثانيا
قال أبو القاسم الكوفي : (إن الإجماع من الخاص والعام ، من أهل الأنال [الآثار ظ] ونقلة الأخبار، على أنه لم يبق من أشراف قريش، ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم، إلا من خطب خديجة ، ورام تزويجها ، فامتنعت على جميعهم من ذلك؛ فلما تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضب عليها نساء قريش وهجرنها ، وقلن لها:
خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم ، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب ، فقيراً ، لا مال له ؟!
فكيف يجوز في نظر أهل الفهم : أن تكون خديجة ، يتزوجها أعرابي من تميم ، وتمتنع من سادات قريش ، وأشرافها على ما وصفناه ؟!
ألا يعلم ذوو التمييز والنظر : أنه من أبين المحال ، وأفظع المقال) ؟! 5 .
وأما الرد على ذلك بأنه لا يمكن أن تبقى امرأة شريفة وجميلة هذه المدة الطويلة بلا زواج .
فليس على ما يرام : لأن ذلك لا يبرر رفضها لعظماء قريش وقبولهـا بأعرابي من بني تميم .
و اما كيف يتركها أبوها أو وليها بلا تزويج ؟!
فقد قلنا : إن أباها قد قتل في حرب الفجار ، وأما وليها ، فلم يكن له سلطة الأب ليجبرها على الزواج ممن أراد.
وبقاء المرأة الشريفة والجميلة مدة بلا زواج ليس بعزيز ، إذا كانت تصبر إلى أن تجد الرجل الفاضل الكامل ، الذي كان يعز وجوده في تلك الفترة .
نعم ، قد يكون من المستغرب أن لا يتقدم لخطبتها أحد ، خصوصاً من هي مثل خديجة ، في موقعها ، وفي ميزاتها . . ولكن الأمر بالنسبة لخديجة ليس كذلك ، فقد خطبها عظماء قريش كما هو معلوم .
ثالثا
كيف لم يعيِّرها زعماء قريش الذين خطبوها فردتهم ، بزواجها من أعرابي بوّال على عقبيه كعتيق أو غيره ؟!
رابعا
قد ذكروا: أن أول شهيد في الإسلام ابن لخديجة (رحمها الله)، اسمه الحارث بن أبي هالة، استشهد حينما جهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعوة 6 .
ونقول :
إن ذلك لا يمكن قبوله ، حيث قد روي بسند صحيح عندهم ، عن قتادة : أن أول شهيد في الإسلام هو سمية والدة عمار 7 ، وكذا روي عن مجاهد 8.
وعن ابن عباس : (قتل أبو عمار وأم عمار ، وهما أول قتيلين قتلا من المسلمين) 9 .
إلا أن يدَّعى : أن سمية كانت أول من استشهد من النساء ، والحارث كان أول من استشهد من الرجال .
ولكنه احتمال بعيد ، ومخالف لظاهر كلماتهم ، لا سيما وأن كلمة شهيد تطلق على الذكر والأنثى بلفظ واحد ، مثل قتيل وجريح .
فإن معنى كلمة (شهيد) : شخص ، أو ذات ثبتت لها صفة الشهادة ، لأن المشتقات تدل على ذات ثبت لها وصف ما؛ فكلمة تقي معناها : شخص له التقوى ، وقائم أيضاً كذلك .
وكلمة شخص أو ذات أو نحوها تصدق على الرجل على حدة ، وعلى المرأة كذلك ، وعلى كليهما معاً .
وعلى هذا الأساس نفسر كلمة : (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ، بحيث يشمل الرجل والمرأة معاً .
أما إذا كان المشتق فيه (أل) الموصولية ، مثل القائم والمتقي ، فإن الأمر يصبح أوضح وأجلى ، وذلك لأن (أل) بمنزلة (الذي) فالقائم معناه الشخص الذي له القيام ، فيصح أن يراد بها الرجل ، والمرأة ، وهما معاً أيضاً .
وعلى هذا الأساس جرت التعابير القرآنية ، مثل : المتقين ، المؤمنين الشاكرين إلخ . . فإنها تشمل الرجل والمرأة على حد سواء .
ولكن قد يحتاج إلى التنصيص على كلا الجنسين ، فيصرح بما يدل على مراده ، فيقول :
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ... ﴾ 10 و ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ... ﴾ 11 ونحو ذلك ، وذلك واضح لا يخفى .
فتلخص مما تقدم : أن هذا النص لا يدل على وجود ابن لخديجة ، ما دام أنه قد ثبت حصول الكذب في جزء منه .
ولعل هذا الكذب قد جاء لأجل الإيحاء بطريق غير مباشر بأن لخديجة ولداً من النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأن ذلك غير قابل للنقاش ، ولكن قد قيل : لا حافظة لكذوب .
خامساً : لقد روي أنه كانت لخديجة أخت اسمها هالة 12 ، تزوجها رجل مخزومي ، فولدت لـه بنتاً اسمها هالة ، ثم خلف عليها ـ أي على هالة الأولى ـ رجل تميمي يقال له : أبو هند؛ فأولدها ولداً اسمه هند .
وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية ، فماتت ، ومات التميمي ، فلحق ولده هند بقومه ، وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى؛ فضمتهم خديجة إليها ، وبعد أن تزوجت بالرسول (صلى الله عليه وآله) ماتت هالة ، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول (صلى الله عليه وآله) .
وكان العرب يزعمون : أن الربيبة بنت ، ولأجل ذلك نسبتا إليه (صلى الله عليه وآله) ، مع أنهما ابنتا أبي هند زوج أختها وكذلك كان الحال بالنسبة لهند نفسه 13 .
ولربما يمكن تأييد هذه الروايات بما ورد من الاختلاف في اسم والد هند ، فلتراجع المصادر التي ذكرناها ثمة 14 .
- 1. راجع الأوائل ج1 هامش ص159 .
- 2. راجع: الأوائل ج1 ص159 وقال: إن هنداً هذه قد تزوجت من صيفي بن عائذ فولدت محمد بن صيفي .
- 3. للاطلاع على هذه الاختلافات وغيرها راجع المصادر التالية، وقارن بينها: الإصابة ج3 ص611 ـ 612، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص22، والسيرة الحلبية ج1 ص140 ، وقاموس الرجال ج10 ص431، ونقل عن البلاذري وأسد الغابة ج5 ص12 ـ 13 و 71، وغير ذلك.
- 4. مناقب آل أبي طالب ج1 ص159 ، والبحار ، ورجال المامقاني ، وقاموس الرجال كلهم عن المناقب .
- 5. الإستغاثة ج1 ص70 .
- 6. الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص311 ـ 312 والإصابة ج1 ص293 عنه وعن ابن الكلبي وابن حزم ومحاضرة الأوائل ص46 .
- 7. الإصابة ج4 ص335 وطبقات ابن سعد ج8 ص193 ط ليدن .
- 8. الاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص331 .
- 9. صفين للمنقري ص325 .
- 10. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 353 .
- 11. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 353 .
- 12. لها ذكر في كتب الأنساب ، فراجع على سبيل المثال : نسب قريش لمصعب الزبيري .
- 13. راجع : الاستغاثة ج1 ص68 ـ 69 ، ورسالة حول بنات النبي (صلى الله عليه وآله) ، مطبوعة ط حجرية في آخر مكارم الأخلاق ص6 .
- 14. الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الثاني .