أطُلب لهذا الدِين من هو أفرغ مني !

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا سَرَّاجٍ ، وَ كَانَ خَادِماً لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) .
قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) فِي حَاجَةٍ وَ هُوَ بِالْحِيرَةِ أَنَا وَ جَمَاعَةً مِنْ مَوَالِيهِ .
قَالَ : فَانْطَلَقْنَا فِيهَا ثُمَّ رَجَعْنَا مُغْتَمِّينَ .
قَالَ : وَ كَانَ فِرَاشِي فِي الْحَائِرِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ نُزُولًا ، فَجِئْتُ وَ أَنَا بِحَالٍ فَرَمَيْتُ بِنَفْسِي .
فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) قَدْ أَقْبَلَ .
قَالَ ، فَقَالَ : " قَدْ أَتَيْنَاكَ ـ أَوْ قَالَ ـ جِئْنَاكَ " .
فَاسْتَوَيْتُ جَالِساً ، وَ جَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِي .
فَسَأَلَنِي عَمَّا بَعَثَنِي لَهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ .
ثُمَّ جَرَى ذِكْرُ قَوْمٍ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ : إِنَّا نَبْرَأُ مِنْهُمْ ، إِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ مَا نَقُولُ .
قَالَ ، فَقَالَ : " يَتَوَلَّوْنَا ، وَ لَا يَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ تَبْرَءُونَ مِنْهُمْ " !
قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ .
قَالَ : " فَهُوَ ذَا عِنْدَنَا مَا لَيْسَ عِنْدَكُمْ ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَبْرَأَ مِنْكُمْ " ؟!
قَالَ : قُلْتُ : لَا جُعِلْتُ فِدَاكَ .
قَالَ : " وَ هُوَ ذَا عِنْدَ اللَّهِ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا ، أَ فَتَرَاهُ اطَّرَحَنَا " ؟!
قَالَ : قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا نَفْعَلُ ؟
قَالَ : " فَتَوَلَّوْهُمْ وَ لَا تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ ، إِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَهُ سَهْمٌ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سَهْمَانِ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ صَاحِبُ السَّهْمِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ ، وَ لَا صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ ، وَ لَا صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَرْبَعَةِ ، وَ لَا صَاحِبُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْخَمْسَةِ ، وَ لَا صَاحِبُ الْخَمْسَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السِّتَّةِ ، وَ لَا صَاحِبُ السِّتَّةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّبْعَةِ .
وَ سَأَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا : إِنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ جَارٌ ، وَ كَانَ نَصْرَانِيّاً ، فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَ زَيَّنَهُ لَهُ ، فَأَجَابَهُ .
فَأَتَاهُ سُحَيْراً 1 ، فَقَرَعَ عَلَيْهِ الْبَابَ .
فَقَالَ لَهُ : مَنْ هَذَا ؟
قَالَ : أَنَا فُلَانٌ .
قَالَ : وَ مَا حَاجَتُكَ ؟
فَقَالَ : تَوَضَّأْ ، وَ الْبَسْ ثَوْبَيْكَ ، وَ مُرَّ بِنَا إِلَى الصَّلَاةِ .
قَالَ : فَتَوَضَّأَ ، وَ لَبِسَ ثَوْبَيْهِ ، وَ خَرَجَ مَعَهُ .
قَالَ : فَصَلَّيَا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ صَلَّيَا الْفَجْرَ ، ثُمَّ مَكَثَا حَتَّى أَصْبَحَا .
فَقَامَ الَّذِي كَانَ نَصْرَانِيّاً يُرِيدُ مَنْزِلَهُ .
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : أَيْنَ تَذْهَبُ ، النَّهَارُ قَصِيرٌ ، وَ الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الظُّهْرِ قَلِيلٌ ؟!
قَالَ : فَجَلَسَ مَعَهُ إِلَى أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ .
ثُمَّ قَالَ : وَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ قَلِيلٌ ، فَاحْتَبَسَهُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ .
قَالَ : ثُمَّ قَامَ وَ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى مَنْزِلِهِ .
فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَذَا آخِرُ النَّهَارِ ، وَ أَقَلُّ مِنْ أَوَّلِهِ ، فَاحْتَبَسَهُ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ .
ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى مَنْزِلِهِ .
فَقَالَ لَهُ : إِنَّمَا بَقِيَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ .
قَالَ : فَمَكَثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، ثُمَّ تَفَرَّقَا .
فَلَمَّا كَانَ سُحَيْرٌ ، غَدَا عَلَيْهِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ الْبَابَ .
فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟
قَالَ : أَنَا فُلَانٌ .
قَالَ : وَ مَا حَاجَتُكَ ؟
قَالَ : تَوَضَّأْ ، وَ الْبَسْ ثَوْبَيْكَ ، وَ اخْرُجْ بِنَا فَصَلِّ .
قَالَ : اطْلُبْ لِهَذَا الدِّينِ مَنْ هُوَ أَفْرَغُ مِنِّي ، وَ أَنَا إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ ، وَ عَلَيَّ عِيَالٌ .
فَقَالَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) : أَدْخَلَهُ فِي شَيْ‏ءٍ أَخْرَجَهُ مِنْهُ ـ أَوْ قَالَ أَدْخَلَهُ مِنْ مِثْلِ ذِهْ ، وَ أَخْرَجَهُ مِنْ مِثْلِ هَذَا ـ " 2 .

  • 1. أي وقت السَحَر .
  • 2. الكافي : 2 / 42 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .