جئتُ من عند أكفر الناس و أخبثهم!

قال المطرّف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية ـ و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي ، فيذكر معاوية و عقله ، و يُعجب بما يرى منه ـ إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، و رأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، و ظننت أنه لأمر حدث فينا .
فقلت : ما لي أراك مغتماً منذ الليلة ؟
فقال : يا بني جئتُ من عند أكفر الناس و أخبثهم 1 !
قلت : و ما ذاك ؟!
قال : قلت له و قد خلوت به : إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا و بسطت خيراً ، فإنك قد كبرت ، و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شي تخافه ، و إن ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه .
فقال : هيهات هيهات ، أي ذكر أرجو بقاءه ! مَلكَ أخو تيم فعدل ، و فعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد و شمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : عمر ، و إن ابن أبي كبشة 2 ليُصاح به كل يوم خمس مرات " أشهد أن محمداً رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، فأيُّ عمل يبقى و أيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك ، لا والله إلاّ دفناً دفناً !! " 3 .

  • 1. يقصد معاوية بن أبي سفيان .
  • 2. يقصد به رسول الله ( صلى الله عليه و آله )
  • 3. الصحوة ، لصباح علي البياتي : 403 ، نقلاً عن الموفقيات : 577.