مركز الإشعاع الإسلامي

قال تعالى على لسان النبيِّ سليمان (ع): ﴿ ... وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ فهل معنى هذا الطلب أنَّه عليه السلام لم يكن من الصالحين؟ وكذلك قوله تعالى: ﴿ ... وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ في شأن النبيِّ إبراهيم (ع)، هل معناه أنَّه لم يكن من الصالحين في الدنيا؟!

ان أولي الالباب ليعلمون بالضرورة انقطاع الشيعة الإمامية خلفا عن سلف في أصول الدين وفروعه إلى ائمة العترة الطاهرة، فرأيهم تبعا لرأيهم في الفروع والأصول، وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنة أو يتعلق بهما من جميع العلوم فكتبهم مستودع علوم آل محمد.

إن الهم في اللغة ينقسم إلى وجوه: منها العزم على الفعل كقوله تعالى: ﴿ ... إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... ﴾ 1أي أرادوا ذلك وعزموا عليه.

إن في هذه العبارة خلطاً واضحاً بين الاعتقاد وبين العلم.. فإن العلم يزيد وينقص، ويكون كثيراً وقليلاً، محدوداً بحدود، وذا أفق ضيق، أو مفتوحاً في جميع الاتجاهات بدون حدود.. وقد يتخذ الإنسان ما يعلم به معتَقَداً له.. ويعقد قلبه عليه.. وقد يجحده، تماماً كما قال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ... ﴾ 1.

• 1. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 14، الصفحة: 378.

قلنا: أما ظاهر القرآن فليس يدل على أن أيوب عليه السلام عوقب بما نزل به من المضار، وليس في ظاهره شئ مما ظنه السائل، لأنه تعالى قال:﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ 1والنصب هو التعب، وفيه لغتان بفتح النون والصاد، وضم النون وتسكين الصاد. والتعب هو المضرة التي لا تختص بالعقاب، وقد تكون على سبيل الامتحان والاختبار.

قيل له: ليس يمتنع أن يكون يعقوب (ع) لما رأى من بنيه ما رأى من الإيمان والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لأخيهم، ظن مع ذلك السلامة وغلبة النجاة، بعد أن كان خائفا مغلبا لغير السلامة.

نحن نجيب بمقتضى الآية ونبين أنه لا دلالة في شئ منها على وقوع الخطأ من داود عليه السلام، فهو الذي يحتاج إليه، فأما الرواية المدعاة، فساقطة مردودة، لتضمنها خلاف ما يقتضيه العقول في الأنبياء عليهم السلام، قد طعن في رواتها بما هو معروف، فلا حاجة بنا إلى ما ذكره. وأما قوله تعالى: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ... ﴾ 1فالخصم مصدر لا يجمع ولا يثنى ولا يؤنث.

• 1. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 21، الصفحة: 454.

الوجه في ذلك ظاهر لأن يوسف (ع) لم يفعل ذلك إلا بوحي من الله إليه، وذلك امتحان منه لنبيه يعقوب عليه السلام وابتلاء لصبره، وتعريض للعالي من منزلة الثواب، ونظير لك امتحانه له (ع) بأن صرف عنه خبر يوسف (ع) طول تلك المدة حتى ذهب بالبكاء عليه، وإنما أمرهم يوسف (ع) بأن يلطفوا بأبيهم في إرساله من غير أن يكذبوه ويخدعوه.

قلنا أما ظاهر الآية فلا يدل على إضافة قبيح إلى النبي (ع) والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية صحيحة ظاهرة، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية؟

قلنا أما من يونس عليه السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب، فقد خرج في الافتراء على الأنبياء عليهم السلام وسوء الظن بهم عن الحد، وليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من كان معاديا له وجاهل بأن الحكمة في سائر أفعاله، وهذا لا يليق باتباع الأنبياء (ع) من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله تعالى ورفع درجته، أقبح من ذلك ظن الجهال وإضافتهم إليه عليه السلام أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح بها الفعل.