الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ماذا یعنی إن الله «رحمن» و«رحیم»؟

الجواب الاجمالي

إنّ صفة (الرحمن) تشیر إلى الرحمة الإلهیّة العامّة، وهی تشمل الأولیاء والأعداء، والمؤمنین والکافرین، والمحسنین والمسیئین، فرحمته تعمّ المخلوقات.
وصفة (الرحیم) إشارة إلى رحمته الخاصّة بعباده الصالحین المطیعین، قد استحقوها بإیمانهم وعملهم الصالح، وحُرِمَ منها المنحرفون والمجرمون.

الجواب التفصيلي

المشهور بین جماعة من المفسّرین أنّ صفة (الرحمن) تشیر إلى الرحمة الإلهیّة العامّة، وهی تشمل الأولیاء والأعداء، والمؤمنین والکافرین، والمحسنین والمسیئین، فرحمته تعمّ المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جمیع الموجودات، وکلّ العباد یتمتعون بموهبة الحیاة، وینالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهیة، وهذه هی رحمته العامّة الشاملة لعالم الوجود کافة وما تسبّح فیه من کائنات.
وصفة (الرحیم) إشارة إلى رحمته الخاصّة بعباده الصالحین المطیعین، قد استحقوها بإیمانهم وعملهم الصالح، وحُرِمَ منها المنحرفون والمجرمون.
الأمر الذی یشیر إلى هذا المعنى أنّ صفة (الرحمن) ذکرت بصورة مطلقة فی القرآن الکریم ممّا یدل على عمومیتها، لکنّ صفة (الرحیم) ذکرت أحیاناً مقیّدة، لدلالتها الخاصّة، کقوله تعالى:﴿ ... وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا 1 وأحیاناً اُخرى مطلقة کما فی هذه السّورة.
وفی روایة عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(علیه السلام) قَالَ: «وَالله إلهُ کُلِّ شَیْء الرَّحْمنُ بِجَمِیعِ خَلْقِهِ، الرَّحِیمُ بِالْمُؤْمِنینَ خَاصَّةً»2.

من جهة اُخرى، کلمة (الرحمن) اعتبروها صیغة مبالغة، ولذلک کانت دلیلا آخر على عمومیة رحمته. واعتبروا (الرحیم) صفة مشبّهة تدلّ على الدوام والثبات، وهی خاصّة بالمؤمنین.
وثمّة دلیل آخر، هو إنّ (الرحمن) من الأسماء الخاصّة بالله، ولا تستعمل لغیره، بینما (الرحیم) صفة تنسب لله ولعباده. فالقرآن وصف بها الرّسول الکریم، حیث قال:﴿ ... عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ 3.
وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق(علیه السلام)، فیما روی عنه: «اَلرَّحْمنُ إسْمٌ خَاصٌّ بصِفَة عَامَّة، وَالرَّحیمُ عَامٌّ بِصِفَة خَاصَّة»4.
ومع کل هذا، نجد کلمة (الرّحیم) تستعمل أحیاناً کوصف عام، وهذا یعنی أنّ التمییز المذکور بین الکلمتین إنّما هو فی جذور کل منهما، ولا یخلو من استثناء.
فی دعاء عرفة ـ المنقول عن الحسین بن علی(علیهما السلام) ـ وردت عبارة: «یَا رَحْمنَ الدُّنْیِا وَالاْخِرَةِ وَرَحِیمَهُمَا»5.
نختتم هذا الموضوع بحدیث عمیق المعنى، عن رَسُولِ اللهِ(صلى الله علیه وآله) قَالَ: «إنَّ للهِ عَزَّ وَجَلّ مائَةَ رَحْمَة، وَإنَّهُ أَنْزَلَ مِنْهَا واحِدَةً إلَى الأَرْضِ، فَقَسَّمَهَا بَیْنَ خَلْقِهِ، بِهَا یَتَعَاطَفُونَ وَیَتَرَاحَمُونَ، وَأَخَّرَ تِسْعاً وَتِسْعِینَ لِنَفْسِهِ یَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ»6 7.

  • 1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 43، الصفحة: 423.
  • 2. توحید الصدوق، ومعانی الأخبار، نقلا عن تفسیر المیزان; وأصول الکافی، ج 1، ص 114.
  • 3. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 128، الصفحة: 207.
  • 4. تفسیر مجمع البیان، ج 1، ص 21; ومصباح الکفعمی، ص 317.
  • 5. أصول الکافی، ج 2، ص 557، ح 6; ووسائل الشیعة، ج 8، ص 41، ح 10057.
  • 6. تفسیر مجمع البیان، ج 1، ص 21; وتفسیر الصافی، ج 1، ص 82.
  • 7. المصدر: كتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل‌، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.