حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
ما المقصود بـ ظلم النفس الوارد في القران الكريم؟
الظلم في اللغة هو الجور و تعدي الحدود المشروعة و تجاوز الحق.
قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ ... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ 1 .
معنى ظلم النفس
أما ظلم النفس فهو إساءة الإنسان إلى نفسه نتيجة لقولٍ أو فعلٍ خارج عن حدود الشرع أو الاخلاق لما في ذلك صَدٌّ لها عن الرقي أو سبب في تنزلها عن مرتبتها الحالية، و من الواضح أنه كما أن التعدي على مصالح الآخرين و حقوقهم ظلم فإن التعدي على النفس أيضاً بإرتكاب المعاصي و الذنوب و التي منها ظلم الآخرين هو من مصاديق الظلم و من مصاديق ظلم النفس أيضاً.
قال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿ ... وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ... ﴾ 2.
و قال جل جلاله: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ 3.
و قال سبحانه و تعالى: ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ 4.
و قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ﴾ 5 فإنه ظلم نفسه باستجابته لاهوائها و شهواتها فسبب هلاكها.
و قال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ 6، أما الظالم لنفسه فهو من رجحت سيئاته على حسناته، و السابق بالخيرات فهو من لا سيئات له و كذلك من رجحت حسناته على سيئاته ، و المقتصد هو الذي يكون بينهما أي الذي استوت حسناته و سيئاته.
و قال جل جلاله: ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ 7.
ظلم بلقيس لنفسها
قال عَزَّ و جَلَّ في قصة بلقيس: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 8 فبلقيس ظلمت نفسها بالكفر، ثم تابت و أسلمت بعد ما ظهرت لها البينات، و حسن إسلامها.
ظلم النبي موسى لنفسه
قال الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 9.
قال العلماء: كل تقصير في حق اللّه تعالى ينسبه الأنبياء و الأولياء إلى أنفسهم فهو دعاء و خشوع للّه سبحانه، و لا دلالة فيه على الذنب و التقصير، لأن العارف باللّه حقا يتهم نفسه بالتقصير في طاعة اللّه و عبادته، و من أجل هذا يسأله العفو و الصفح عن الذنب 10، و لهذا فقد قيل: حسناتُ الأبرار سيئاتُ المقربين.
و من هذا القبيل ما جاء في قصة النبي يونس عليه السلام في القرآن الكريم: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ 11 12.
و منه أيضاً ما جاء في دعاء كميل بن زياد: " ... سُبْحانَكَ وَ بِحَمْدِكَ، ظَلَمْتُ نَفْسي، وَ تَجَرَّأْتُ بِجَهْلي، وَ سَكَنْتُ إلى قَديمِ ذِكْرِكَ لي وَ مَنِّكَ عَلَيَّ" 13 .
انواع الظلم
رُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنهُ قَالَ: "الظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ: ظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَ ظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَ ظُلْمٌ لَا يَدَعُهُ اللَّهُ.
فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ، وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَدَعُهُ اللَّهُ فَالْمُدَايَنَةُ 14 بَيْنَ الْعِبَاد" 15.
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 229، الصفحة: 36.
- 2. القران الكريم: سورة الطلاق (65)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 558.
- 3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 54، الصفحة: 8.
- 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 57، الصفحة: 8.
- 5. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 35، الصفحة: 298.
- 6. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 32، الصفحة: 438.
- 7. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآية: 113، الصفحة: 450.
- 8. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 44، الصفحة: 380.
- 9. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 16، الصفحة: 387.
- 10. أنظر: تفسير الكاشف: 6 / 55، للعلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله.
- 11. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 87، الصفحة: 329.
- 12. يونس النبي: هو ذو النُّون عليه السلام، والنّونُ هو الحوت، و قد سُمِّي بذلك لالتقام الحوت إيّاه في قصته المعروفة و التي أشار إليها القرآن الكريم في سورة الانبياء الآية 87 و 88، و يُعرف أيضاً بصاحب الحوت، قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾
- 13. دُعاء كُميل من الأدعية المشهورة و المعروفة جداً لدى أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، و هم يحرصون على قراءته في كل ليلة جمعة، و في ليلة النصف من شهر شعبان، تبعاً للروايات الواردة في فضله و أثره البالغ في تربية النفس، و لما يحتويه من المعاني الرفيعة، و هو كنزٌ من الكنوز الثمينة جداً، لأنه يزخر بالدروس العقائدية و التربوية، و يقوي في الإنسان المؤمن روح العبودية و التوجه إلى الله عَزَّ و جَلَّ. و هو دُعاء الخضرعليه السَّلام و قد عَلَّمه إياه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السَّلام .
- 14. المداينة من الدين أي ظلم العباد عند المعاملة.
- 15. تحف العقول : 293 ، لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من فقهاء القرن الرابع الهجري / باب ما روي عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام.