الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اذا كانت طاعة الرسول تكفي فلا حاجة الى الامام

نص الشبهة: 

إنّ الإيمان بِكوْن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته ، فمن ثبت عنده أنّ محمداً عليه الصلاة والسلام رسول الله ، وأنّ طاعته واجبة ، واجتهد في طاعته بحسب الإمكان ، إن قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة ، ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام . وإن قيل : لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم ، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن ، ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً؛ كمثل قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا . وقوله تعالى : ﴿ ... وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . فلو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر ، أو هي أعظم أركان الدين التي لا يقبل الله عمل العبد إلا بها كما تقول الشيعة ، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها؛ لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك . ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا : بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله وطاعة الرسول؛ لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير . بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله ، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه ، ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته ، بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله ، وطاعة الرسول) . وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة ، لأنّ الرسول مبلّغ عن الله ، ولأن طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً . ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله ، فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله ، والتزام أمره دون أمر الآخرين .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . وبعد . .

أين هي طاعة الإمام في القرآن ؟!

ذكرتم قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ 1 .
وقوله تعالى : ﴿ ... وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 2 .
وقلتم : إن من أطاع الله ورسوله دخل الجنة ، ويستغني بذلك عن مسألة الإمامة ، ولم يلزمه طاعة ما سوى الرسول « صلى الله عليه وآله » .
وإن قيل : لا يدخل الجنة إلا باتباع الإمام ، فهو مخالف للآيات القرآنية المذكورة .
ونجيب بما يلي :
أولاً : إن ما يقوله الشيعة ليس مخالفاً لقولكم هذا ، غير أنهم يقولون : إن النبي « صلى الله عليه وآله » بأمر من الله هو الذي جعل علياً إماماً وخليفة من بعده ، وجعل بعده اثني عشر إماماً ، آخرهم المهدي « عليهم الصلاة والسلام » .
ويقولون أيضاً : إن صحيحي البخاري ومسلم ذكرا : بأنه « صلى الله عليه وآله » قد صرح : بأنه يكون من بعده اثنا عشر إماماً ، أولهم علي وآخرهم المهدي .
ويقولون كذلك : إن آية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 3 . قد نزلت بهذا الخصوص ، ولذلك أخذ البيعة من الصحابة لعلي في يوم الغدير بعد حجة الوداع ، وذلك في الثامن عشر من ذي الحجة . . أي قبل استشهاده « صلى الله عليه وآله » بسبعين يوماً . فأنزل بعد هذا التنصيب قوله تعالى : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... 4 .
ويقولون : إن هذا مروي في كتب أهل السنة أنفسهم بطرق كثيرة .
كما أن أهل السنة قد رووا في كتبهم : أن الذي آتى الزكاة وهو راكع هو علي بن أبي طالب ، وفيه نزل قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 5 .
بالإضافة إلى آيات كثيرة أخرى روى أهل السنة ، فضلاً عن الشيعة : أنها نزلت في علي « عليه السلام » ، وقد بينوا أنها كلها تدلُّ على جعل الولاية لعلي « عليه السلام » بعد وفاة الرسول الكريم « صلى الله عليه وآله » .
هذا عدا عن عشرات أو مئات النصوص الأخرى الدالة على ذلك . .
فظهر : أن إمامة علي وأحد عشر من ولده « عليهم السلام » مما أمر الله ورسوله به ، ولا بد من الطاعة والقبول لهذه الأوامر الإلهية والنبوية كما قررته الآية التي ذكرتموها ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ... 6 .

لم تُذكر الإمامة في القرآن

ثانياً : قلتم : لو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر ، أو أعظم أركان الدين ، ولا تُقبل الأعمال إلا بها لذُكِرَتْ في القرآن .
ونقول :
ألف : قد ظهر الجواب على قولكم هذا مما تقدم ، فإن الشيعة يقولون : إن الإمامة قد ذكرت في القرآن . وذكرها رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وأخذ البيعة للإمام من بعده في يوم الغدير ، ويوم إنذاره عشيرته الأقربين ، وهناك آيات وروايات كثيرة أخرى تدلُّ على الإمامة .
ب : لسنا نحن الذين نقرر ما الذي يذكره الله في كتابه صراحةً ، وما الذي يذكره ضمناً . بل هو تعالى الفعال لما يشاء ، وهو العالم بما يصلح عباده ، وبالأصلح لهم . وهو من يقرر أن يذكر أو أن لا يذكر هذا أو ذاك ، وهو الذي يختار الأسلوب والكيفية والطريقة . .
ج : مع أن الصلاة عمود الدين ، فإنه لم يبين عددها ، ولا عدد ركعاتها ، ولكنه بيَّن كيفية الوضوء لها . مع أنه بيَّن أيضاً أوقاتها ، وأوقات استئذان الولد على أبويه ، وأمر الناس بأن يعتزلوا النساء في المحيض . وذكر آية كتابة الدَين ، وهي أطول آية في القرآن بالرغم من أن تلك الأمور ليست لها أهمية كأهمية الصلاة ، كما أن كتابة الدين ليست واجبة .
هذا عدا عن أنه تعالى قد فرض الزكاة ، ولم يبين أنصبتها ، ومواضعها ، وفرض الحج ولم يبين الكثير من أحكامه ، وغير ذلك . وإنما أوكل بيان ذلك إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » وأمر المسلمين بالرجوع إلىه لأخذ أحكام وتفاصيل كل ذلك منه ، وأمرهم بالرد إليه في كل ما يمكن أن يتنازعوا فيه .
وهذا أمر تنازعوا فيه ، حتى لقد قال الشهرستاني : « وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة . . إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان » 7 . فلا بد من الرجوع فيه إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » لمعرفة حكمه .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 8 .

تعليق واحد

صورة عبدالله عبدالرحيم الاسدي

اجابة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للإمام دور يؤدّيه، وهو: هداية الناس، فإذا قبلنا قولك من حصول مقصود الإمامة في حياة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكيف تفسّر لنا قولك: أنّ مقصود الإمامة يحصل بعد مماته؟
فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوصانا بالتمسّك باثنين معاً، وهما الكتاب والعترة حتّى نأمن من الضلال وعدم الهداية، فإذا خالفنا الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله هذا فهل نُعدّ نحن مطيعين له؟ وهل نأمن من الضلال وعدم الهداية؟! إنّ ما تدّعيه خلافاً لنص الحديث الصريح!!
ثمّ إنّ طاعته(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكرت في القرآن وذكرت مطلقة، فلا بدّ من إطاعته في كلّ أوامره ونواهيه اللازمة علينا حتّى تحصل الطاعة المطلقة.
أمّا أنّك تفترض حسب قولك أن تطيعه (بحسب الإمكان) أي بمقدار ما، ولا تطيعه في الباقي لعدم الإمكان وأنّ ذلك يكفي، فنحن نقول: لا، إنّ ذلك لا يكفي! لأنّ كلّ ما أمر به الله ورسوله فهو ممكن، وبالتالي وجبت طاعته(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه.
ومن ضمن ما أمر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) به هو اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ومودّتهم والتمسّك بهم، ونصب عليّاً(عليه السلام) إماماً للناس في بيعة الغدير، وقال في حقّه: (اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، فهل الذي يخذل عليّاً(عليه السلام) ويشمله دعاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالخذلان سيدخل الجنّة؟!
إذاً لا بدّ أن تقول: إنّ طاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المطلقة حسب نص القرآن هي التي ستدخل الجنّة، ونحن معك في ذلك، ولكن نقول: إنّ من ضمن أوامر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم): اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) والاقتداء بهم، وتنصيب الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للأئمّة(عليهم السلام)، وبذلك سوف تحتاج إلى الاعتقاد بالإمامة.
وأمّا وجوب اتّباع الإمام حتّى نضمن الدخول إلى الجنّة، فإنّه لا يخالف النصوص القرآنية؛ لأنّ طاعة الإمام جزء من طاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهو الذي أمرنا بطاعة الإمام، فعدم الالتزام بطاعة الإمام معناه عدم الالتزام بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونحن قلنا: لا بدّ من طاعة الرسول طاعة مطلقة حتّى نحصل على المراد من تلك الآيات القرآنية.
وإذا أبيت قبول ذلك، فإنّنا ننقض عليه بنفس أُسلوبك من القرآن الكريم، وإن كنّا لا نعتقد بصحّة ذلك؛ قال تعالى: (( يَومَ يَجمَعُكُم لِيَومِ الجَمعِ ذَلِكَ يَومُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ وَيَعمَل صَالِحاً يُكَفِّر عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدخِلهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ )) (التغابن:59)، والآية ظاهرة بأنّ المطلوب من الناس يوم الجمع، ويوم التغابن، وهو يوم القيامة: الإيمان بالله، والعمل الصالح، وأنّهما سيدخلانهم الجنّة.
فلقائل يقول لك، وعلى نسق ما قلت أنت: إن قيل: لا يدخل الجنّة إلاّ بالإيمان بالرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم؛ فإنّه سبحانه أخبر عن أنّ من يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخل الجنّة، ولم يعلّقه بالإيمان بالرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو طاعته أصلاً.
وله أن يقول لك أيضاً: ولو كانت النبوّة أصلاً من أُصول الدين ومن أعظم أركانه التي لا يقبل إيمان وعمل عبد إلاّ بالاعتقاد بها، كما يقوله المسلمون كافّة، لذكرها الله عزّ وجلّ في تلك الآية، وغيرها من الآيات، وأكّد عليها؛ لعلمه بأهميتها.. ولا نظنّك تستطيع أن تقول: أنّ الإيمان بنبوّة نبيّنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مذكورة ضمناً في هذه الآية وغيرها، لأنّ هذا سيكون تعسّفاً في التفسير..
إذا قال قائل ذلك.. فماذا ستقول، وماذا يكون جوابك؟
إنّ أيّ قولٍ وجواب منك سيكون قولنا وجوابنا في الإمامة.
وأمّا قولك: أنّ الإمامة لم تذكر في القرآن، فهذا ما لا نقبله منك.. فارجع إلى ما أجبنا عليه في عنوان (أُصول الدين).
أمّا عدم قبولك كون طاعة الإمام هي في ضمن طاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأنت تنظر إلى هذه الآية القرآنية لوحدها فقط، وتقول: أنّ طاعة الإمام غير مذكورة في الآية، ولكن ماذا تفعل بالآيات الأُخر والروايات الكثيرة التي تذكر وجوب طاعة الإمام، بعد أن يثبت وجودها ودلالتها، ألا يكون تركها ترك لطاعة الله وترك لطاعة الرسول؟!
ثمّ إنّنا نقول: إنّه لا بدّ من الإيمان بالقرآن كلّه؛ لصريح قوله تعالى: (( أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ )) (البقرة:85)، وأنت تقول: أنّ الله لم يُرجع إلى أُولي الأمر، فماذا تفعل بقوله تعالى:(( وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم )) (النساء:83)، أليس هذا ردّاً إلى أُولي الأمر؟!
ثمّ ما هي الطاعة المطلقة لأُولي الأمر المذكورة في قوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (النساء:59) التي يجب الالتزام بها؟
ألا تدلّ على عصمة أُولي الأمر؟
فإن قلت: لا، فإنّك بذلك جوّزت على الله أن يلزمنا بفعل المعاصي؛ وقد اعترف الفخر الرازي بدلالة الآية على العصمة(1) حتّى يتخلّص ويفرّ من أمر الله بالمعصية!
ودمتم في رعاية الله
(1) تفسير الرازي 10: 144 ذيل آية (59) من سورة النساء.