الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

إعمار المساجد

قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ 1
من المميزات الخاصة بالمؤمنين بالله والمنطلقين من رسالته هو التردد إلى المساجد، وهي تلك الأماكن التي لها قدسيتها وموقعيتها الخاصة جداً عند هؤلاء، كون تلك الأماكن هي التي تحضنهم وتضمهم بين جنباتها من أجل التقرب إلى الله سبحانه بأصناف الطاعة من صلاة ودعاء وقراءة قرآن وتذاكر في القضايا التي تهم دين الإنسان المؤمن وتقوية روابطه وعلاقاته بالله من جهة، وللمجتمع المؤمن من الجهة الأخرى.

لهذا تعتبر هذه الآية دعوة لكل الملتزمين لكي يحققوا واقع هذا العنوان في حياتهم “إعمار المساجد” لأن ذلك من علامات المؤمن ودلائل ارتباطه بجماعة المؤمنين.

ومما لا شك فيه أن إعمار المساجد بمعنى تردد المصلين إليها والمبتهلين هو مظهر من مظاهر الأمة المتدينة والملتزمة، وهو مظهر من مظاهرقوة الأمة في وحدة توجهاتها وأهدافها، وفي مواجهة أعدائها أيضاً.

من هنا فإن التردد إلى المساجد هو الباب العريض الذي يدخل منه المؤمن الملتزم ليزداد ارتباطاً بخالقه، وليتعلم من خلاله على الكثير من المعلومات التي يحصل عليها لتحسين وضعه العلمي من جهة، ولتصحيح ما يمكن أن يكون مورد الاشتباه أو الخطأ في السلوك والتصرف، ولمعرفة ما أمكن من مجريات الأمور في الواقع الذي يعيش فيه.

فالمساجد إضافة إلى الدور العبادي الذي أنشئت من أجله، فإن لها وظيفة أخرى تؤدى فيها وهي “ربط الناس المؤمنين بكل ما يعيشونه من هموم وقضايا لأن هذا الدور لا يمكن سلخه عن تلك الأماكن التي أنيط بها عملية وصل المترددين إليها بواقعهم من خلال توضيح ذلك الواقع وتحليله لكي يعرف أولئك المؤمنون ما هو الموقف الذي عليهم اتخاذه من مجمل القضايا التي تمر بهم مما لها تأثير مباشر على حياتهم أو غير مباشر.

ولهذا فإن للمسجد دوراً رئيساً في حياة الأمة المسلمة، لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه أو التقليل من أهميته وخطورته وعن هذا صار بناء المساجد في كل منطقة يتواجدون فيها تقليداً سارياً عندهم وشعاراً لهم، ليكون المكان الذي يجمعهم على التقوى والهدى والصلاح لما فيه خيرهم في الآجل والعاجل.

ونظراً للقدسية الخاصة بالمساجد نرى أن الله يطلب من المؤمنين عندما يريدون إعمارها بطاعاتهم أن يأتوها متزينين من كل النواحي التي تعبر عن عمق ارتباطهم وعشقهم واحترامهم لها نظراً لما تشكله في حياتهم من رمز عظيم ومؤثر، وإلى هذا المعنى تشير الآية: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ... 2

مضافاً إلى كل ما سبق فإن للمسجد دوراً مهماً، في تغليب عناصر التقارب بين المؤمنين وإشاعة أجواء الرحمة والمودة والأخوة الحقيقية بينهم من خلال الترداد المستمر الذي يوفر الإلفة الناشئة من هذا التواصل المستمر فيما بين الإخوة.

لأجل ذلك كله نلمس التركيز والتأكيد على المؤمنين بأن يعمروا المساجد وأن لا يخلوها من تلك الأجواء الإيمانية التي تعود بنفع كبير على المؤمنين من كل الجوانب الإيمانية والاجتماعية والنفسية.

ومن تلك الأحاديث، حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي ذر جاء فيه: يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلّ، أو ذاكر لله، أو سائل عن علم، وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: من اختلف “تردد“ إلى المساجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو سمع كلمة تدل على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء.

من هنا ينبغي على المؤمنين أن يباشروا أو يؤكدوا على هذا التواصل المستمر مع تلك الأماكن التي شرّفها الله وقدّسها نظراً للخدمات المهمة التي تقدمها للأمة المسلمة على مستوى الآخرة والدنيا.

والحمد لله رب العالمين 3