تقيمك هو: 4. مجموع الأصوات: 26
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 8159

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اخلاق التاجر المسلم

لن يجد المرء كثير عناء ليكتشف أن للتجار في الاسلام أخلاقاً وآداباً محدَّدة، يتميَّزون بها عن غيرهم من تجَّار الدنيا، والفرق الأساس أنّ‏َ أولئك تضبطهم الأنظمة والقوانين والسلطات، وتجار الاسلام ينضبطون بالتقوى والورع، والله تعالى رقي عليهم، ويرجون تجارةً لن تبور.

<--break->

الاسلام والتجارة

فالاسلام العزيز، ومن جملة شموليَّته وإحاطته بسائر أمور الدنيا وشؤون الحياة، قنَّن ما يحتاجه التاجر في مختلف أنواع تحرُّكه وساحة عمله، لينعكس ذلك على الأمن الاقتصادي والاجتماعي في الدنيا، والسعادة والفوز في الآخرة.‏

فجعل شرائع تفصيليَّة للبيع والشراء والغَبْن والنَّقد والنَّسيئة والصلح والإجارة والمضاربة والشّركة والحوالة والكفالة والوكالة... تمتاز بالدّقة والاتقان والبركات الخاصة... فسبحان الذي وسعت رحمتُهُ كلّ‏َ شي‏ءالاسلام والتجار:‏

ولم يكتف بذلك، بل عُرف التجار المسلمون بأخلاقهم وصدقهم وأمانتهم ووفائهم، بناءً على توجيهات خاصة ومَسْلك مُعيَّن، سوف نرى بعضاً منه إن شاء الله ضمن الأسطر القليلة التي بين أيدينا.‏

لكن، هنا ملاحظتان:

1- ليس مستغرباً تميُّز التاجر المسلم عن غيره، ما دام نبيّ‏ُ الاسلام، خاتم أنبياء الله (ص)، هو التاجر الأول، الذي عُرف نتيجة تعامله التجاري بالصادق الأمين.‏

2- أنّ‏َ دين الله تعالى انتصر في كثير من بقاع الأرض بفضل التجار المسلمين المخلصين الصادقين، بحيث أنّ‏َ هذه المناطق تُشكّل اليوم الثقل البشري للأمة الاسلامية، في جنوب غرب آسيا وغيرها: في أندونيسيا وباكستان وبنغلادش والهند وماليزيا وسنغافورة. وذلك، عندما كان التجار المسلمون يعتبرون أنفسهم دعاةً ومُبلّغين، قبل أن يكونوا بائعين وشارين.. وتجاراً للآخرة قبل أن يكونوا تجاراً للدنيا.‏

فما هي آداب التجارة في الاسلام، وهل يحرص أربابُ الصناعات والتجارات اليوم على الصدق ومجانبة الغش، بدءاً من بائع الخضار والحليب والزيت، ومروراً بصاحب الدكان، وانتهاءً بتجار الجملة، وتجار البناء، وأصحاب الشركات الكبيرة والثروات الضخمة؟‏

وهل يكون التجار اليوم دعاةً بأعمالهم قبل ألسنتهم، حاملين الهمّ‏َ الرسالي كأسلافهم، داعين العالمين إلى الاسلام، والمنحرفين الى التوبة والانابة؟‏

أخلاق التاجر المسلم

أ- الأمانة: وهي الثروة الأولى التي يُعوّل عليها التجار، بل هي أهم من الثروة الماليَّة التي يختلف رصيدها ارتفاعاً وهبوطاً، بينما الأمانة لا بُدَّ لها من المحافظة على وتيرة عالية واحدة، وثقة تامة.‏

فالتاجر الأمين يقترض المال، أو يُسلَّف البضاعة، أو يشتري ما شاء من الأنواع والأصناف والكميَّات، دون حذر أو وجل، لأنّ‏َ ثروة «الأمانة» أكسبته حصانة معنوية، ورصيداً لا يُزعزع، أين منه أرصدة البنوك؟فكم من تاجر يشتري البضاعة الكثيرة بمجرد كلمةٍ أو إشارة، وكم من تاجر لا يمون على القليل ولو استعان بالأيمان المغلَّظة، والوعود الخاوية؟‏

وصدق مَنْ قال: مَنْ أدَّى الأمانة، شارك النَّاس في أموالهم1.‏

وما نفع التاجر الذي يفتقد صفة الأمانة، ولو توافرت له الأموال الكثيرة، ما دام مَنْ يتعامل معه لا يأمن من الغَدْر أو الخيانة؟‏

وماذا عن عقيدته ودينه: وهو يصلّي في مكانٍ ليس له، أو يتوضأ بماء لا يملكه، أو ينام والمظلومون يشكونه إلى الله تعالى؟‏

وصدق الله تعالى القائل:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ 2.‏

رُوي في النص المبارك عن أمير المؤمنين (ع): «الأمانة تجرُّ الرزق، والخيانة تجرُّ الفقر»3.‏

ب- الصّدق: وذلك في نوعية بضاعته وعددها وجودتها وما اتَّفق عليه مع الزبون.‏

والتاجر الصادق حري على مال إخوانه، ومجتمع المسلمين، وهو بذلك يكون على ثغر من ثغور الجهاد يُدافع عن الأمة وكيانها.. ولا مبالغة في هذا الكلام، فكما للمجاهد والشهيد أجر وثواب، كذلك للتاجر المسلم الذي يُفتن، فيثبت ويُضحي وينجح في الامتحان!‏

ورد عن مولانا رسول الله (ص): «التاجر الأمين الصّدوق المسلم، مع الشهداء يوم القيامة»4.‏

فيجب على التاجر أن يكون صادقاً إذا قال عن بضاعته أنها طازجة أو جيدة أو أصليَّة أو نقيَّة.. وذلك في اللحم والسمك والخضار والزيت والعسل وقطع الغيار الميكانيكية والكهربائية.‏

أما إذا كان من تجار البناء فالصدق ايضاً في نوعية المواد والبضاعة والأدوات الصحّية وغيرها..‏

وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله (ص)، قال: «حرمة مالِ المسلم كحرمة دمه»5.‏

ج- لا يغشّ: لأنّ‏َ الغشّ خيانة، وماله سُحْت، ولو اعتقد البعض غروراً أنّ‏َ الغشاش «ذكي» لكنَّهم نسوا أنه خائن وكاذب في النصّ عن أمير المؤمنين (ع) قال: «الغشّ من أخلاق اللّئام»6.‏

وموارد الغش كثيرة، في السوائل والزيوت... وحتى وردت الكراهية في بيع الظّلال، حيث لا يكفي النور لإظهار عيوب البضاعة أو نواقصها.‏

يقول الامام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم وقد رآه يبيع في الظّلال: «يا هشام، إنّ‏َ البيع في الظل غش، وإنّ‏َ الغشّ لا يحل»7وعن رسول الله (ص) «شرُّ النَّاس مَن يغشّ‏ُ النَّاس»8. أما قصص نهيه (ص) عن الذي يخفي البضاعة الرديئة أو يموّهها.. فكثيرة.‏

أما مَن اتَّبع طريق الغش لتحصيل المال بظنه أنه ربح، إعتماداً على تحليله المادي للأمور على الطريقة الغربية، ناسياً الآخرة والحساب.. فلا بركة في ماله ولا مهنأ.‏

وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله (ص): «مَنْ غشّ‏َ أخاه المسلم، نزع الله عنه بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته، ووكله إلى نفسه».وأيضاً عنه (ص): «من غشّ‏َ مسلماً في شراء أو بيع، فليس منَّا، ويُحشر يوم القيامة مع اليهود، لأنَّهم أغشّ الخلق للمسلمين»9.‏

د- حرصه على الحلال: والحقيقة أنّ‏َ هذه الصفة ليست مطلوبة للتاجر فقط، بل من كل مسلم يحرص على أمر آخرته، فيبتعد عن أموال السُحْت والغصب.. وعمَّا يُمكن كسبه من شبهة أو حياء. ومن أصناف المال الحرام، وهو كثير في هذه الأيام، مال الغناء والرقص والموسيقى اللَّهويَّة ومال اليتيم والغش بأنواعه..‏

وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله (ص): «لا يدخل الجنَّة مَنْ نَبت لحمُه من السُّحْت، النَّار أولى به»10.‏

وعنه (ص): «لا يقدر رجل على حرام، ثم يَدَعُه، ليس به إلاَّ مخافة الله، إلاَّ أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك»11.‏

هـ أنّ‏َ الرزق مقسوم: فلا يتحرَّى الطرق الملتوية والأساليب المنحرفة لزيادة ربحه، والله تعالى يرزق الحوت في البحر، والطير في الجو، والنملة تحت الصخرة. رُوي عن مولانا رسول الله (ص): «... لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتَّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمل أحدكم استبطاء شي‏ءٍ من الرزق أن يطلبه بغير حلّه، فإنَّه لا يُدرك ما عند الله إلاَّ بطاعته»12.

(يتبع بقسم ثانٍ إذا شاء الله جلّ‏َ جلاله)13.‏

  • 1. راجع تمام الحديث في وسائل الشيعة، ج‏13، ص‏219‏
  • 2. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 8، الصفحة: 342.
  • 3. بحار الأنوار، ج‏78، ص‏60‏
  • 4. ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏528‏
  • 5. ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏510‏
  • 6. غُرر الحكم.‏
  • 7. فروع الكافي الشريف، ج‏5، ص‏160‏‏
  • 8. ميزان الحكمة، ج‏7، ص‏221‏
  • 9. ميزان الحكمة، ج‏7، ص‏223‏
  • 10. المصدر نفسه، ج‏2، ص‏373‏
  • 11. المصدر نفسه، ج‏2، ص‏375‏
  • 12. بحار الأنوار، ج‏70، ص‏96..‏
  • 13. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).