الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الإسلام والخلافة

اهتم الإسلام بالخلافة اهتماماً كبيراً ، لأنّ عليها يقوم بنيانه ويبني مجتمعه ، وإنّها القاعدة الأساسية لحفظ شريعته ، وصيانة مجتمعه من الانهيار والتشتت والتفرّق ، وبدونها لا تقوم للإسلام قائمة ، «فهي ضرورة من ضروريات الحياة الإسلاميّة لا يمكن الاستغناء عنها ؛ فبها يُقام ما اعوجّ من نظام الدين ، وبها تتحقّق العدالة الكبرى التي ينشدها الله في الأرض» 1.

فلهذا نرى أنّ الرسول الأعظم قرنها ببداية التشريع الإسلامي ، وبدء نزول الوحي ، حيث أمر (صلّى الله عليه وآله) بإبلاغ دعوته أهله وعشيرته كما جاء في تاريخ الكامل لابن الأثير ، حين نزلت هذه الآية : ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 2.

فجمع النبي عشيرته على وليمة ، وخطب خطبته المشهورة : «إنّ الرائد لا يكذب أهله ، والله الذي لا إله إلاّ هو إنّي رسول الله إليكم خاصّة ، وإلى الناس عامّة ، إلى أن قال : يا بني عبد المطلب ، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟» 3.

فأحجم القوم عن الجواب إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، فقام وقال : «أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه». فأخذ (صلّى الله عليه وآله) برقبة الإمام علي وقال : «هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» 4.

ولأهميتها أيضاً أمر الله العباد بإطاعة مَنْ تسلّم قيادتها إذا كان كامل الأهلية ، حيث قال تعالى : ﴿ ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... 5.

فجعل الله طاعة الخليفة الذي يتقلّد زمام أمرها من طاعته وطاعة رسوله.

وقد أوجبها الفقهاء على اختلاف مذاهبهم شيعة وسنّة ، ولا نستطيع أن نستعرض هنا الآراء بشكل مفصّل في هذه الوريقات ، وإنّما نلمح إليها برأي واحد لكلّ من المذهبين.

الخلافة في رأي الشيعة

فالذي عليه إجماع الشيعة ، أنّ الخلافة أو الإمامة هي منصب إلهي بنصّ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) وبوحي من الله. يقول الإمام محمّد حسين كاشف الغطاء : «نحن الشيعة نعتقد أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة ، فكما أنّ الله سبحانه وتعالى يختار مَنْ يشاء من عباده للنبوّة والرسالة ، ويؤيّده بالمعجزة التي هي كالنصّ من الله عليه ، فكذلك يختار للإمامة مَنْ يشاء ، ويأمر نبيّه بالنصّ عليه ، وأن ينصّبه إماماً للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها ، سوى أنّ الإمام لا يوحى إليه كالنبي ، وإنّما يتلقى الأحكام من النبي»6.

الخلافة في نظر أهل السنّة

والذي عليه إجماع المذاهب السنّية ، من أنّها ضرورة من ضروريات الدين إلاّ مَنْ شذّ منها ، فيقول الماوردي : «الإمامة موضوعة لخلافة النبوّة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ، وعقدها ممّن يقوم بها واجب بالإجماع»7.

أهلية الخلافة

بعد أن عرفنا أهمية الخلافة في الإسلام ، بقي الآن أن نعرف هل هناك شروط فيمَنْ يتقلّد زمامها وأمرها حتّى نرى أنّ يزيد بن معاوية كان أهلاً لها أم لا؟ فالمذاهب الإسلاميّة على اختلاف آرائها وأفكارها تشترط في الخليفة شروطاً معينة لا مجال هنا لذكرها جميعاً ، ولكنّها قد اتفقت على شرطين أساسيين ؛ الإيمان والعدالة.

الخليفة ورأي الشيعة

تعتبر الشيعة في الخليفة أن يكون منصوصاً عليه من الله تعالى عن طريق النبي (صلّى الله عليه وآله) كما ذكرنا ، وأنّها تشترط في الخليفة شروطاً بالإضافة إلى إيمانه وعصمته «أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال ؛ من شجاعة وكرم ، وعفّة وصدق وعدل ، ومن تدبير عقل وحكمة وخلق»8.

وإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أوصى لعلي بن أبي طالب بالخلافة في عودته من حجّة الوداع في مكان يُقال له : (غدير خم) ، ولهم أدلّة على ذلك في كتبهم.

فعلى هذا ، فالشيعة لا ترى ليزيد ولا لأبيه معاوية أيّ حقّ بالخلافة ، بالإضافة إلى عدم توفّره على أهليتها ؛ لفسقه وفجوره ، وعدم إيمانه كما سنذكره.

الخليفة في رأي أهل السنة

أمّا أهل السنّة فالذي عليه الرأي العام منهم ، أنّ الخليفة يجب أن تتوفّر فيه العدالة. يقول ابن حزم الأندلسي : «اتّفق جميع أهل السنّة ، وجميع المرجئة ، وجميع الشيعة ، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأنّ الأمّة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يُقيم فيها أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول الله» 9.
واشترطوا في الخليفة أيضاً :
البلوغ ، والعقل ، والذكورة ، والإسلام ، والعلم بفرائض الدين ، والتقوى ، وعدم الضعف والسفاهة. ثمّ يقول ابن حزم شارحاً معنى ما تقدّم :
١ ـ على الخليفة أن يكون عالماً بما يخصّه من أمور الدين ؛ من العبادات والسياسة والأحكام.
٢ ـ أن يكون مؤدياً للفرائض كلّها ، لا يخلّ بشيء منها.
٣ ـ أن يجتنب جميع الكبائر سرّاً وجهراً.
٤ ـ أن يتستر بالصغائر ، إن كانت تصدر منه 10 11.

 

  • 1. نظام الحكم ـ باقر القرشي ص ٢١٢.
  • 2. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 214، الصفحة: 376.
  • 3. انظر تفصيل ذلك في تاريخ الكامل ـ ابن الأثير ج ٢ ص ٤٢.
  • 4. المصدر نفسه.
  • 5. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
  • 6. أصل الشيعة ـ الإمام محمد حسين كاشف الغطاء ص ٧٥.
  • 7. الأحكام السلطانية ص ٣ ، راجع نظام الحكم ـ باقر القرشي ص ٢١٣.
  • 8. عقائد الإماميّة ـ الشيخ محمد رضا المظفر ص ٦٦.
  • 9. الملل والأهواء ج ٤ ص ٨٧.
  • 10. نظام الحكم ـ باقر القرشي ص ٢٢٠.
  • 11. المصدر : الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، لسماحة العلامة السيد عبد الكريم الحسيني القزويني ( حفظه الله ).