حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
- الاصوات - الانغام - الصوت - القرآن - القرآن الكريم - القران - المعجزة - الموسيقى - النغم - النغمة - معجزة القران - موسيقى القرآن
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الدلالة الصوتية في القرآن
مظاهر الدلالة الصوتية
انصبت عناية القرآن العظيم بالاهتمام في إذكاء حرارة الكلمة عند العرب ، و توهج العبارة في منظار حياتهم ، و حدب البيان القرآني على تحقيق موسيقى اللفظ في جمله ، و تناغم الحروف في تركيبه ، و تعادل الوحدات الصوتية في مقاطعه ، فكانت مخارج الكلمات متوازنة النبرات ، و تراكيب البيان متلائمة الأصوات ، فاختار لكل حالة مرادة ألفاظها الخاصة التي لا يمكن أن تستبدل بغيرها ، فجاء كل لفظ متناسباً مع صورته الذهنية من وجه ، و مع دلالته السمعية من وجه آخر ، فالذي يستلذه السمع ، و تسيغه النفس ، و تقبل عليه العاطفة هو المتحقّق في العذوبة و الرقة ، و الذي يشرأب له العنق ، و تتوجس منه النفس هو المتحقق في الزجر و الشدة ، و هنا ينبه القرآن المشاعر الداخلية عند الإنسان في إثارة الانفعال المترتب على مناخ الألفاظ المختارة في مواقعها فيما تشيعه من تأثير نفسي معين سلباً و إيجاباً .
و بيان القرآن المجيد تلمح فيه الفروق بين مجموعة هذه الأصوات في إيقاعها ، و التي كونت كلمة معين في النص ، و بين تلك الأصوات التي كونت كلمة أخرى ، و تتعرف فيه على ما يوحيه كل لفظ من صورة سمعية صارخة تختلف عن سواها قوة أو ضعفاً ، رقةً أو خشونة ، حتى تدرك بين هذا و ذاك المعنى المحدد المراد به إثارة الفطرة ، أو إذكاء الحفيظة ، أو مواكبة الطبيعة بدقة متناهية ، و يستعان على هذا الفهم لا بموسيقى اللفظ منفرداً ، أو بتناغم الكلمة وحدها ، بل بدلالة الجملة أو العبارة منضمّة إليه .
إن إيقاع اللفظ المفرد ، و تناغم الكلمة الواحدة ، عبارة عن جرس موسيقى للصوت فيما يجلبه من وقع في الأذن ، أو أثر عند المتلقي ، يساعد على تنبيه الأحاسيس في النفس الإنسانية ، لهذا كان ما أورد القرآن الكريم في هذا السياق متجاوباً مع معطيات الدلالة الصوتية : " التي تستمد من طبيعة الأصوات نغمتها وجرسها " 1 . فتوحي بأثر موسيقي خاص ، يستنبط من ضم الحروف بعضها لبعض ، و يستقرأ من خلال تشابك النص الأدبي في عبارته ، فيعطي مدلولاً متميزاً في مجالات عدة : الألم ، البهجة ، اليأس ، الرجاء ، الرغبة ، الرهبة ، الوعد ، الوعيد ، الإنذار ، التوقع ، الترصد ، التلبث . . . إلخ .
و لا شك أن استقلالية أية كلمة بحروف معينة ، يكسبها صوتياً ذائقة سمعية منفردة ، تختلف ـ دون شك ـ عما سواها من الكلمات التي تؤدي المعنى نفسه ، مما يجعل كلمة ما دون كلمة ـ و إن اتحدا بالمعنى ، لها استقلاليتها الصوتية ، إما في الصدى المؤثر ، و إما في البعد الصوتي الخاص ، و إما بتكثيف المعنى بزيادة المبنى ، و إما بإقبال العاطفة ، و إما بزيادة التوقع ، فهي حيناً تصك السمع ، و حيناً تهيئ النفس ، و حيناً تضفي صيغة التأثر : فزعاً من شيء ، أو توجهاً لشيء ، أو طمعاً في شيء ، و هكذا .
هذا المناخ الحافل تضفيه الدلالة الصوتية للألفاظ ، و هي تشكل في القرآن الوقع الخاص المتجلي بكلمات مختارة ، تكونت من حروف مختارة ، فشكلت أصواتاً مختارة ، هذه السمات في القرآن بارزة الصيغ في مئات التراكيب الصوتية في مظاهر شتى ، و مجالات عديدة ، تستوعبها جمهرة هائلة من ألفاظه في ظلال مكثفة في الجرس و النغم و الصدى و الإيقاع .
قال الخطابي ( ت : 383 ـ 388 هـ ) إن الكلام إنما يقوم بأشياء ثلاثة : " لفظ حاصل ، و معنى به قائم ، و رباط لهما ناظم ، و إذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف و الفضيلة ، حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ، و لا أجزل ، و لا أعذب من ألفاظه " 2 .
و هذا مما ينطبق على استيحاء الدلالة الصوتية في القرآن بجميع الأبعاد ، يضاف إليه الوقع السمعي للفظ ، و التأثير النفسي للكلمة ، و المدلول الانفعالي بالحدث ، و تلك مظاهر متأنقة قد يتعذر حصرها ، و قد يطول الوقوف عند استقصائها .
و كان من فضيلة القرآن الصوتية أن استوعب جميع مظاهر الدلالة في مجالاتها الواسعة ، و تمرس في استيفاء وجوه التعبير عنها بمختلف الصور الناطقة ، و قد يكون من غير الممكن استحضار جميع الصيغ في استعمالات منها ، أو ما يبدو أنه مهم في الأقل ، و ذلك باستطراد بعض النماذج النابضة فيما أخال و أزعم ، و قد يعبر كل نموذج منها عن مظهر فني ، ليقاس مثله عليه ، و شبيهه به ، و بذلك يتأتى للباحث و المتلقي إلقاء الضوء الكاشف على أبعاد دلالة القرآن الصوتية ، في تشعب جوانبها ، و عظمة انطلاقها ، مما يكوّن معجماً لغوياً خاصاً بمفرداتها ، و قاموساُ صوتياً حافلاً بإمكاناتها .
سيقتصر حديثنا عن مظاهر الدلالة في مجالات قد تكون متقابلة ، أو متناظرة ، أو متضادة ، أو متوافقة ، و هي بمجموعها تكون أبعاد الدلالة الصوتية في القرآن ، و هذا ما تتكفّل بإيضاحه المباحث الآتية .
دلالة الفزع الهائل
استعمل القرآن طائفة من الألفاظ ، ثم اختار أصواتها بما يتناسب مع أصدائها ، و استوحى دلالتها من جنس صياغتها ، فكانت دالة على ذاتها بذاتها ، فالفزع مثلاً ، و الشدة ، و الهدة ، و الاشتباك ، و الخصام ، و العنف ، دلائل هادرة بالفزع الهائل و المناخ القاتل .
1 ـ قف عند مادة " صرخ " في القرآن ، و صرخة : الصّيحة الشديدة عند الفزع ، و الصراخ : الصوت الشديد 3 . لتلمس عن كثب ، و بعفوية بالغة : الاستغاثة بلا مغيث ، في قوله تعالى : ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ... ﴾ 4 . مما يوحي بأن الصراخ قد بلغ ذروته ، و الاضطراب قد تجاوز مداه ، و الصوت العالي الفظيع يصطدم بعضه ببعض ، فلا أذن صاغية ، و لا نجدة متوقعة ، فقد وصل اليأس أقصاه ، و القنوط منتهاه ، فالصراخ في شدة إطباقه ، و تراصف إيقاعه ، من توالي الصاد و الطاء ، و تقاطر الراء و الخاء ، و الترنم بالواو و النون يمثل لك رنة هذا الإصطراخ المدوي " و الإصطراخ : الصياح و النداء و الاستغاثة ، افتعال من الصراخ قلبت التاء طاءً لأجل الصاد الساكنة قبلها ، و إنما نفعل ذلك لتعديل الحروف بحرف وسط بين حرفين يوافق الصاد في الاستعلاء و الإطباق ، و يوافق التاء في المخرج " 5 .
و الإصراخ هو الإغاثة ، و تلبية الصارخ ، و قوله تعالى : ﴿ ... مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ... ﴾ 6 .تعني البراءة المتناهية ، و الإحباط التام ، و الصوت المجلجل في الدفع ، فلا يغني بعضهم عن بعض شيئاً ، و لا ينجي أحدهما الآخر من عذاب الله ، و لا يغيثه مما نزل به ، فلا إنقاذ و لا خلاص و لا صريخ من هذه الهوة ، و تلك النازلة ، فلا الشيطان بمغيثهم ، و لا هم بمغيثيه .
و الصريخ في اللغة يعني المغيث و المستغيث ، فهو من الأضداد ، و في المثل : عبدٌ صَريخُه أمة ، أي ناصره أذل منه 7 . و قد قال تعالى : ﴿ ... فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ 8 . فيا له من موقف خاسر ، و جهد بائر ، فلا سماع حتى لصوت الاستغاثة ، و لا إجارة مما وقعوا فيه .
و الاستصراخ الإغاثة ، و استصرخ الإنسان إذا أتاه الصارخ ، و هو الصوت يعلمه بأمر حادث ليستعين به 7 .
قال تعالى : ﴿ ... فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ... ﴾ 9 . طلب للنجدة في فزع ، و محاولة للإنقاذ في رهب ، و الاستعانة على العدو بما يردعه عن الإيقاع به ، و ما ذلك إلا نتيجة خوف نازل ، و فزع متواصل ، و تشبث بالخلاص.
2 ـ و ما يستوحى من شدة اللفظ في مادة " صرخ " يستوحى بإيقاع مقارب من قوله تعالى : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ ... ﴾ 10 . لتبرز " متشاكسون " و هي تعبر لغة عن المخاصمة و العناد و الجدل في أخذ و رَدٍّ لا يستقران ، و قد تعطي معناها الكلمة : متخاصمون ، و لكن المثل القرآني لم يستعملها حفاظاً على الدلالة الصوتية التي أعطت معنى النزاع المستمر ، و الجدل القائم ، و قد جمعت في هذه الكلمة حروف التفشي و الصفير في الشين و السين تعاقباً ، تتخللهما الكاف من وسط الحلق ، و الواو و النون للمد و الترنم ، و التأثر بالحالة ، فأعطت هذه الحروف مجتمعة نغماً موسيقياً خاصاً حمّلها أكثر من معنى الخصومة و الجدل و النقاش بما أكسبها أزيزاً في الأذن ، يبلغ به السامع أن الخصام ذو خصوصية بلغت درجة الفورة ، و العنف و الفزع من جهة ، كما أحيط السمع بجرس مهموس معين ذي نبرات تؤثر في الحس و الوجدان من جهة أخرى .
3 ـ و تأمل مادة " كبّ " في القرآن ، و هي تعني إسقاط الشيء على وجهه كما في قوله تعالى : ﴿ ... فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ... ﴾ 11 . فلا إنقاذ و لا خلاص و لا إخراج ، و الوجه أشرف مواضع الجسد ، و هو يهوي بشدة فكيف بباقي البدن .
و الإكباب جعل وجهه مكبوباً على العمل ، قال تعالى : ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ ... ﴾ 12 .
و الكبكبة تدهور الشيء في هوة 13 . قال تعالى : ﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ﴾ 14 .
و هذه الصيغة قد حملت اللفظ في تكرار صوتها ، زيادة معنى التدهور لما أفاده الزمخشري ( ت : 538 هـ ) بقوله : " إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى " 15 .
و قال العلامة الطيبي ( ت : 743 هـ ) : " كرر الكب دلالة على الشدة " 16 .
و من هنا نفيد أن دلالة الفزع فيما تقدم من ألفاظ أريدت بحد ذاتها لتهويل الأمر ، و تفخيم الدلالة ، و هذا أمر مطرد في القرآن ، و قد يمثله قوله تعالى : ﴿ ... فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾ 17 . و المادة نفسها قد توحي بشدة الإتيان والتوقع عند النوائب .
الإغراق في مدّ الصوت و استطالته :
هنالك مقاطع صوتية مغرقة في الطول و المد و التشديد و بالرغم من ندرة صيغة هذه المركبات الصوتية في اللغة العربية حتى أنها لتعدّ بالأصابع ، فإننا نجد القرآن الكريم يستعل أفخمها لفظاً ، و أعظمها وقعاً ، فتستوحي من دلالتها الصوتية مدى شدّتها ، لتستنتج من ذلك أهميتها و أحقيتها بالتلبث و الرصد و التفكير .
من تلك الألفاظ : الحاقّة ، الطّامة ، الصّاخة . و قد تأتي مجّردة عن التعريف فتهتدي إلى عموميتها ، مثل : دابّة . كافة .
هذه الصيغة صوتياً تمتاز بتوجه الفكر نحوها في تساؤل ، و اصطكاك السمع بصداها المدوي ، و أخيراً بتفاعل الوجدان معها مترقباً : الأحداث ، المفاجئات ، النتائج المجهولة .
الحاقة الطامة و الصاخة : كلمات تستدعي نسبة عالية من الضغط الصوتي ، و الأداء الجهوري لسماع رنتها ، مما يتوافق نسبياً مع إرادتها في جلجلة الصوت ، و شدة الإيقاع ، كل ذلك مما يوضع مجموعة العلاقات القائمة بين اللفظ و دلالته في مثل هذه العائلة الصوتية الواحدة ، فإذا أضفنا إلى ذلك معناها المحدد في كتاب الله تعالى ، و هو يوم القيامة ، خرجنا بحصيلة علمية تنتهي بمطابقة الشدة الصوتية للشدة الدلالية بين الصوت و المعنى الحقيقي ، فقوله تعالى : ﴿ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ﴾ 18 . إشارة إلى يوم القيامة ، و علم عليها فيما أفاد العلماء ، قال الفرّاء ( ت : 207 هـ ) : " الحاقة : القيامة ، سميت بذلك لأن فيها الثواب و الجزاء " 19 .
و قال الطبرسي ( ت : 548 هـ ) " الحاقة اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسرين ، و سميت بذلك ، لأنها ذات الحواق من الأمور ، و هي الصادقة الواجبة الصدق ، لأن جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع ، صادقة الوجود . و قيل سميت القيامة الحاقة لأنها تحق الكفار من قولهم : " حاققته فحققته ، مثل : خاصمته فخصمته " 20 .
و قيل : لأنها تحق كل إنسان بعمله . و يقال : حقّت القيامة : أحاطت بالخلائق فهي حاقة 21 . فإذا رصدت الصاخة ، رأيتها القيامة أيضاً ، و به فسّر أبو عبيدة ( ت : 210 هـ ) قوله تعالى : ﴿ فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ﴾ 22 . فأما أن تكون الصاخة اسم فاعل من صخَّ يصخُّ ، و إما أن تكون مصدراً و قال أبو اسحق الزجاج : الصاخة هي الصيحة تكون فيها القيامة تصخ الأسماع ، أي : تصمها فلا تسمع .
و قال ابن سيده : الصاخة : صيحة تصخ الأذن أي تطعنها فتصمها لشدتها ، و منه سميت القيامة .
و يقال : كأن في أذنه صاخة ، أي طعنة 23 .
و قال الطريحي ( ت : 1085 هـ ) الصاخة بتشديد الخاء يعني القيامة ، فإنها تصخ الأسماع ، أي تقرعها و تصمها ، يقال : رجل أصخ ، إذا كان لا يسمع 24 . و المعاني كلها متقاربة في الدلالة ، إلا أن الراغب ( ت : 502 هـ ) يعطي الصاخة دلالة أعمق في الإرادة الصوتية المنفردة فيقول : الصاخة شدة صوت ذي المنطق 25 .
فيكون استعمالها حينئذ في القيامة على سبيل المجاز . فإذا وقفنا عند الطامة ، فهي القيامة تطم على كل شيء 26 . و إليه ذهب الزجاج : الطامة هي الصيحة التي تطم على كل شيء 27 . و تسمى الداهية التي لا يستطاع دفعها : طامة 28 . قال تعالى : ﴿ فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾ 29 .قال الطبرسي ( ت : 548 هـ ) " و هي القيامة لأنها تطم كل داهية هائلة ، أي تعلو و تغلب ، و من ذلك قيل : ما من طامة إلا وفوقها طامة ، و القيامة فوق كل طامة ، فهي الداهية العظمى " 30 .
و لعل اختيار الطبرسي للداهية في تفسير الطامة باعتبارها داهية لا يستطاع دفعها ، و لأن القيامة تطم كل داهية هائلة ، لا يخلو من وجه عربي أصيل ، فالعرب استعملت الطامة في الداهية العظيمة تغلب ما سواها ، و أية داهية أعظم من القيامة لاسيما و هي توصف هنا بالكبرى .
إن موافقة أصوات الحاقة و الصاخة و الطامة لمعانيها في الدلالة على يوم القيامة ، من أعظم الدلالات الصوتية في الشدة و الوقع و التلاؤم البنيوي و المعنوي لمثل هذه الصيغة الحافلة .
و دلالة هذه الصيغة في : دابة ، و كافة ، على الشمول و الكلية المطلقة يوحي بالمضمون نفسه في الإيقاع الصوتي ، قال تعالى : ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ 31 ، فشمل الخلائق كلها ، و أصناف الأجناس المرئية و غير المرئية مما يدب أدركناه أو لم ندركه ، علمنا طبيعة رزقه أو لم نعلم ، و قوله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ... ﴾ 32 . يدل أن هذا الرسول العربي الأمين ، لم يختص بزمنية ، و لم يبعث لطبقة خاصة ، فتخطى برسالته حدود الزمان و المكان ، فكانت عالمية السيرورة ، إنسانية الأحياء ، البشارة في يد ، و النذارة في يد ، لينقذ العالم أجمع من خلال هاتين.
الصيغة الصوتية الواحدة
و ظاهرة أخرى جديرة بالعناية و التلبث ، هي تسمية الكائن الواحد ، و الأمر المرتقب المنظور ، بأسماء متعددة ذات صيغة واحدة ، بنسق صوتي متجانس ، للدلالة بمجموعة مقاطعة على مضمونه ، و بصوتيته على كنه معناه ، و من ذلك تسمية القيامة في القرآن بأسماء متقاربة الصدى ، في إطار الفاعل المتمكن ، و القائم الذي لا يجحد .
هذه الصيغة الفريدة تهزك من الأعماق ، و يبعثك صوتها من الجذور ، لتطمئن يقيناً إلى يوم لا مناص عنه ، و لا خلاص منه ، فهو واقع يقرعك بقوارعه ، و حادث يثيرك برواجفه . . الصدى الصوتي ، و الوزن المتراص ، و السكت على هائه أو تائه القصيرة تعبير عما ورائه من شؤون و عوالم و عظات و عبر و متغيرات في :
الواقعة | القارعة | الآزفة | الراجفة | الرادفة | الغاشية ، و كل معطيك المعنى المناسب للصوت ، و الدلالة المنتزعة من اللفظ ، و تصل مع الجميع إلى حقيقة نازلة واحدة .
1 ـ الواقعة ، قال تعالى : ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ 33 .
و قال تعالى : ﴿ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ 34 .
قال الخليل : وقع الشيء يقع وقوعاً ، أي : هوياً .
و الواقعة النازلة الشديدة من صروف الدهر 35 .
و قال الراغب ( ت : 502 هـ ) الوقوع ثبوت الشيء و سقوطه ، و الواقعة لا تقال إلا في الشدة و المكروه ، و أكثر ما جاء في القرآن من لفظ وقع : جاء في العذاب و الشدائد 36 .
و قال الطبرسي ( ت : 548 هـ ) في تفسيره للواقعة : " و الواقعة اسم القيامة كالآزفة و غيرها ، و المعنى إذا حدثت الحادثة ، و هي الصّيحة عند النفخة الأخيرة لقيام الساعة . و قيل سميت بها لكثرة ما يقع فيها من الشدة ، أو لشدة وقعها " 37 . و قال ابن منظور ( ت : 711 هـ ) الواقعة : الداهية ، و الواقعة النازلة من صروف الدهر ، و الواقعة اسم من أسماء يوم القيامة 38 .
و باستقراء هذه الأقوال ، و مقارنة بعضها ببعض ، تتجلى الدلالة الصوتية ، فالوقوع هو الهوي ، و سقوط الشيء من الأعلى ، و الواقعة هي النازلة الشديد ، و الواقعة هي الداهية ، و هي الحادثة ، و هي الصيحة ، و هي اسم من أسماء يوم القيامة ، و أكثر ما جاء في القرآن من هذه الصيغة جاء في الشدة و العذاب ، و صوت اللفظ يوحي بهذا المعنى ، و أطلاقه بزنة الفاعل ، و إسناده بصيغة الماضي ، يدلان على وقوعه في شدته و هدته ، و صيحته و داهيته .
2 ـ القارعة ، قال تعالى : ﴿ الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ 39 .
و قال تعالى : ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴾ 40 .
قال الخليل ( ت : 175 هـ ) : و القارعة : القيامة . و القارعة : الشدة .
و فلان أمن قوارع الدهر : أي شدائده . و قوارع القرآن : نحو آية الكرسي ، يقال : من قرأها لم تصبيه قارعة .
وكل شيء ضربته فقد قرعته . قال أبو ذؤيب الهذلي 41 .
حتى كأني للحوادث مروة *** بصفا المشرق كل يوم تقرع
قال الطبرسي : و سميت القارعة ، لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة إلى أن يصير المؤمنون إلى الأمن 42 . و القارعة اسم من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع ، و تقرع أعداء الله بالعذاب 43 .
و أنما حسن أن توضع القارعة موضع الكناية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة 44 .
و بمقارنة هذه المعاني ، نجدها متقاربة الدلالة ، فالقارعة الشدة ، و قوارع الدهر شدائده ، و كل شيء ضربته فقد قرعته ، و القارعة تقرع القلوب بالفزع ، و قلوب العباد بالمخافة ، و أعداء الله بالعذاب ، و هي في موضع كناية للتعبير عن القيامة ، من أجل التذكير بصفة القرع ، و كلها مفردات إيحائية تؤذن بالقرع في الأذن ، و تفزع القلوب بالشدة ، تتوالى خلالها المترادفات و المشتركات ، لتنتقل بك إلى عالم الواقعة ، و هي مجاورة لها في الشدة و الهول و الصدى و الإيقاع .
3 ـ الآزفة ، قال تعالى : ﴿ أَزِفَتْ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ 45 .
و قال تعالى : ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ 46 .
قال الراغب : معناه : أي دنت القيامة ... فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها و ضيق وقتها 47 .
و قال الطبرسي : ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ... ﴾ 48 . أي الدانية . و هو يوم القيامة ، لأن كل ما هو آت دان قريب 49 .
قال الزمخشري : و الآزفة ، القيامة لأزوفها 50 .
و في اللغة : الآزفة القيامة ، و إن استبعد الناس مداها 51 .
و الآزفة : الدانية من قولهم أزف الأمر إذا دنا وقته 49 .
و رقة الآزفة في لفظها بانطلاق الألف الممدودة من الصدر ، و صفير الزاي من الأسنان ، و انحدار الفاء من أسفل الشفة ، و السكت على الهاء منبعثة من الأعماق ، كالرقة في معناها في الدنو و الاقتراب و حلول الوقت ، و مع هذه الرقة في الصوت و المعنى ، إلا أن المراد من هذا الصفير أزيزه ، و من هذا التأفف هديره و رجيفه ، فادناء يوم القيامة غير إدناء الحبيب ، و اقتراب الساعة غير اقتراب المواعيد ، أنه دنو اليوم الموعود ، و الحالات الحرجة ، و الهدير النازل ، إنه يوم القيامة في شدائده ، فكانت الآزفة كالواقعة و القارعة .
4 ـ الراجفة و الرادفة ، قال تعالى : ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ 52 و تبدأ القيامة بالراجفة ، و هي النفخة الأولى ( تتبعها الرادفة ) و هي النفحة الثانية 53 .
و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و الحسن و قتادة و الضحاك 54 .قال الزمخشري ( ت : 538 هـ ) " الراجفة : الواقعة التي ترجف عندها الأرض و الجبال و هي النفحة الأولى ، وصفت بما يحدث بحدوثها ( تتبعها الرادفة ) أي الواقعة التي تردف الأولى ، و هي النفحة الثانية ، أي القيامة التي يستعجلها الكفرة ، إستبعاداً لها و هي رادفة لهم لاقترابها . و قيل الراجفة : الأرض و الجبال من قوله : ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ ... ﴾ 55 و الرادفة : السماء و الكواكب لأنها تنشق و تنتثر كواكبها إثر ذلك " 56 . و قال الطبرسي ( ت : 548 هـ ) الراجفة : يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق ، و الراجفة صيحة عظيمة فيها تردد و اضطراب كالرعد إذا تمخض ( تتبعها الرادفة ) يعني النفخة الثانية تعقب النفخة الأولى ، و هي التي يبعث معها الخلق 57 .
و بمتابعة هذه المعاني : النفخة الأولى ، النفخة الثانية ، الصيحة ، التردد ، الاضطراب ، الواقعة التي ترجف عندها الأرض و الجبال ، الواقعة التي تردف الراجفة ، انشقاق السماء ، انتثار الكواكب ، الرعد إذا تمخض ، بعث الخلائق و انتشارهم . . إلخ .
بمتابعة أولئك جميعاً يتجلى العمق الصوتي في المراد كتجليه في الألفاظ دلالة على الرجيف و الوجيف ، و التزلزل و الاضطراب ، و تغيير الكون ، و تبدل العوالم ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ 58 .
فتعاقبت معالم الراجفة و الرادفة مع معالم الواقعة و القارعة و الآزفة ، و تناسبت دلالة الأصوات مع دلالة المعاني في الصدى و الأوزان .
5 ـ الغاشية ، قال تعالى : ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ 59 . و هو خطاب للنبي صلى الله عليه و آله و سلم يريد قد أتاك حديث يوم القيامة بغتة عن ابن عباس و الحسن و قتادة 60 .
قال الراغب ( ت : 502 هـ ) الغاشية كناية عن القيامة و جمعها غواش 61 .
و قال الزمخشري ( ت : 538 هـ ) : الغاشية الداهية التي تغشى الناس بشدائدها و تلبسهم أهوالها ، يعني القيامة 62 .
و قال ابن منظور ( ت : 711 هـ ) الغاشية القيامة ، لأنها تغشى الخلق بأفزاعها ، و قيل الغاشية : النار لأنها تغشى وجوه الكفار . و قيل للقيامة غاشية : لأنها تجلل الخلق فتعمهم 63 .
و بمقارنة هذه الأقوال ، و ضم بعضها إلى بعض ، يبدو أن الغاشية كني بها عن القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها ، و تعم الخلق بأفزاعها ، فهي تجللهم الإحاطة من كل جانب ، و قد تكون هي النار التي تغشى وجوه الكفار ، و هي الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، و تلبسهم أهوالها . . إلخ .
إذن ، ما أقرب هذا المناخ المفزع ، و الأفق الرهيب لمناخ الواقعة و القارعة و الآزفة و الراجفة و الرادفة ، إنه منطلق واحد ، في صيغة واحدة ، صدى هائل تجتمع فيه أهوالها ، و صوت حافل تتساقط حوله مصاعبها ، تتفرق فيه الألفاظ لتدل في كل الأحوال على هذه الحقيقة القادمة ، حقيقة يوم القيامة برحلتها الطولية ، في الشدائد ، و النوازل ، و القوارع ، و الوقائع ، لتصور لنا عن كثب هيجانها و غليانها ، و شمولها و إحاطتها :
﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾ 64 .
دلالة الصدى الحالم
تنطلق في القرآن أصداء حالمة ، في ألفاظ ملؤها الحنان ، تؤدي معناها من خلال أصواتها ، و توحي بمؤداها مجردة عن التصنيع و البديع ، فهي ناطقة بمضمونها هادرة بإرادتها ، دون إضافة و إضاءة ، و ما أكثر هذا المنحنى في القرآن ، و ما أروع تواليه في آياته الكريمة ، و لنأخذ عينة على هذا فنقف عند الرحمة من مادة " رحم " في القرآن الكريم بجزء من إرادتها ، و لمح من هديها .
قال تعالى : ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ... ﴾ 65 .
و قال تعالى : ﴿ ... لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ 66 .
و قال تعالى : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ... ﴾ 67 .
و قال تعالى : ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ 68 .
و قال تعالى : ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ... ﴾ 69 .
و قال تعالى : ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ 70 .
فأنت تنادي من صدى " الرحمة " بأزيز حالم ، و تحتفل من صوتها بنداء يأخذ طريقه إلى العمق النفسي ، يهز المشاعر ، و يستدعي العواطف ، ناضحاً بالرضا و الغبطة و البهجة ، رافلاً بالخير و الإحسان و الحنان ، فماذا يرجو أهل الإيمان أكثر من اقتران صلوات ربهم برحمته بهم و عليهم ، و لمغفرة من الله تعالى و رحمة خير مما تجمع خزائن الأرض و كنوزها ، و هذا محمد صلى الله عليه و آله و سلم ذو الخلق العظيم ، و المخائل الفذة ، لولا رحمة ربه لما لان لهؤلاء القوم الأشداء في غطرستهم و غلظتهم ، و هذا زكريا تتداركه رحمة من الله و بركات في أوج احتياجه و فزعه إلى الله عزَّ و جلَّ : ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾ 71 .
فيهب له يحيى ﴿ ... وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء ... ﴾ 72 .
و وقفة مستوحية عند الأبوين الكريمين ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ 70 . فستلمس صيغة الرحمة قد تجلت بأرق مظاهرها الصادقة و أرقاها ، توجيه رحيم ، و استعارة هادفة ، و عاطفة مهذبة ، فقد اقترنت الرحمة بالاسترحام ، و خفض الجناح بتواضع بل بذل إشفاقاً و حنواً و حدباً ، فكما يخفض الطائر الوجل أو المطمئن السارب جناحيه حذراً أو عطفاً أو احتضاناً لصغاره حباً بهم ، أو صيانة لهم من كل الطوارئ ، أو هما معاً ، فكذلك رحمة الولد البار بوالديه شفقة و رعاية ، مواساة و معاناة ، في حالتي الصحة و السقم ، الرضا و الغضب ، و الدعة والاحتياج ، يضاف إلى ذلك الدعاء من الأعماق " وقل رب ارحمها " مجازاة على تربيته صغيراً ، و الرحمة ، و ارحمها ، لفظان متلازمان في بحة الحاء المنطلقة من الصدر فهي صوتياً مثلها دلالياً من القلب و إلى القلب ، و من الشغاف إلى الشغاف ، و هنا يظهر أن الرحمة ظاهرة واقعية تنبعث من داخل النفس الإنسانية ، فيتفجر بها الضمير الحي النابض بالطهارة و النقاء و الحب السرمدي ، فهي إذن لا تفرض من الخارج بالقوة و القهر و الإستطالة ، و إنما سبيلها سبيل الماء المتدفق من الأعالي لأنها صفة ملائكية ، تمزج الإنسانية بالصفاء الروحي .
" و الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، و قد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، و تارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رحم الله فلاناً . و إذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة ، و على هذا روي أن الرحمة من الله إنعام و إفضال ، و من الآدميين رقة و تعطف " 73 .
فالله تعالى تفرد بالإحسان في رحمته إلى رعيته ، فجاء له الحمد مساوقاً لهذه الرحمة ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 74 . و نشر الرقة بين البشر في الطباع ﴿ ... لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء ... ﴾ 75 .
و لو تابعنا أصل المادة لغوياً لوجدنا ملائمتها للمعنى صوتياً في الرقة و اللحمة و التناسب ، فالرحم رحم المرأة ، قل تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ... ﴾ 76 . و منه استعير الرحم للقرابة لكونهم من رحم واحدة نسبياً ، لذلك قال تعالى : ﴿ ... وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ... ﴾ 77 . و لولا قرابتهم لما كانت الولاية بينهم .
فكان الالتصاق في الرحم قد نشر الالتصاق بالولاية من جهة ، و جدد الرحمة بالرقة و المودة و العطف الكريم .
دلالة النغم الصارم
أصوات الصفير في وضوحها ، و أصداؤها في أزيزها ، جعل لها وقعاً متميزاً ما بين الأصوات الصوامت ، و كان ذلك ـ فيما يبدو لي ـ نتيجة التصاقها في مخرج الصوت ، و اصطكاكها في جهاز السمع ، و وقعها الحاصل ما بين هذا الالتصاق و ذلك الاصطكاك ، هذه الأصوات ذات الجرس الصارخ هي : الزاي ، السين ، الصاد ، يلحظ لدى استعراضها أنها تؤدي مهمة الإعلان الصريح عن المراد في تأكيد الحقيقة ، و هي بذلك تعبر عن الشدة حيناً ، و عن العناية بالأمر حيناً آخر ، مما يشكل نغماً صارماً في الصوت ، و أزيزاً مشدداً لدى السمع ، يخلصان إلى دلالة اللفظ في إرادته الإستعمالية ، و مؤداه عند إطلاقه في مظان المعنى .
و سأقف عند ثلاث صيغ قرآنية ختمت بحروف الصفير ، لرصد أبعادها الصوتية ، هي : " رجز " و " رجس " و " حصحص " .
1ـ الرجز ، في مثل قوله تعالى : ﴿ ... أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ 78 .
و قوله تعالى : ﴿ ... لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ... ﴾ 79 .
و قوله تعالى : ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ ... ﴾ 80 .
و يظهر في أصل الرجز الاضطراب لغة ، فتلمس فيه الزلزلة في ارتجاجها ، و الهدة عند حدوثها ، و النازلة في وقوعها ، و لما كان القرآن العظيم يفسر بعضه بعضها ، فإننا نأنس على هذه المعاني في كل من قوله تعالى : ﴿ ... فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ 81 .
و قوله تعالى : ﴿ ... فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ﴾ 82 .
و قوله تعالى : ﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ 83 . و نستظهر في الرجز الإرسال و الإنزال من السماء بضرس قاطع و أمر كائن باعتبار آخر العلاج بعد التحذير و الإنذار .
2 ـ و حينما نقارن لفظ " الرجز " بمثيله معنى و مبنى " رجس " و هي مكونة كتكوينها في الراء و الجيم ، و السين كالزاي من حروف الصفير شديدة الاحتكاك في مخرج الصوت ، و لها ذات الإيقاع على الأذن ، حينما نقارن صوتياً و دلالياً بين الصوتين نجد المقاطع واحدة عند الانطلاق من أجهزة الصوت ، و نجد المعاني متقاربة في الإفادة ، فقد قيل للصوت الشديد : رجس و رجز ، و بعير رجاس شديد الهدير ، و غمام راجس ، و رجاس شديد الرعد .
قال تعالى : ﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ... ﴾ 84 .
و قال تعالى : ﴿ ... وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ 85 .
كل هذه الاستعمالات متواكبة دلالياً في ترصد العذاب و صبّه و إنزاله ، و هذا لا يمانع من أن تضاف للرجس جملة من المعاني الأخرى لإرادة الدنس و القذارة و مرض القلوب ، و حالات النفس المتقلبة ، نرصد ذلك في كل من قوله : ﴿ ... إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ 86 .
و قال تعالى : ﴿ ... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ... ﴾ 87 .
و قال تعالى : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 88 .
و قال تعالى : ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ 89 .
فالصوت في المعاني كلها الصوت نفسه ، والصدى ذات الصدى ، و من هنا أورد الراغب ( ت : 502 هـ ) : أن الرجس يقع على أربعة أوجه : إما من حيث الطبع ، و أما من جهة العقل ، و إما من جهة الشرع ، و إما من كل ذلك . و الرجس من جهة الشرع الخمر و الميسر ، و قيل : إن ذلك رجس من جهة العقل ، و جعل الله تعالى الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء 90 .
3 ـ و حينما نقف عند الصاد في مثل قوله تعالى : ﴿ ... قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ... ﴾ 91 . فإننا نستمع إلى الصوت المدوّي ، إذ كانت الصاد واضحة الصدور من المخرج الصوتي . فكانت " حصحص " واضحة الظهور بانكشاف الأمر فيما يقهره على الإذعان ، و هنا قد يمتلكك العجب لدى اختيار هذا اللفظ في أزيزه ، و وضوح أمره مع القهر ، فلا تردّ دلائله ، و لا تخبو براهينه .
فإذا شددت الصاد كانت دلالتها الصوتية ، و إرادتها المعنوية ، أوضح لزوماً ، و أشد استظهاراً ، و أكثر إمعاناً كما في قوله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾ 92 .
فالتحصيل إخراج اللب من القشور ، كإخراج الذهب من حجر المعدن ، و البر من السنابل ، فهو إظهار لما فيها كإظهار اللب من القشر ، أو كإظهار الحاصل من الحساب 93 .
و الصوت في صيغة الإرعاب ، و في سياق الوعيد ، قد تلمس فيه نزع ما في القلوب من أسرار ، و استخراج ما فيها من خفايا ، دون طواعية من أصحابها ؟؟ .
و قد يعطي دوي العبارة ، و هيكل البيان ، صيغة الإنذار ، و أنت تصطدم بالوقوف عند السين من حروف الصفير في قوله تعالى : ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ 94 .
الصوت بين الشدة و اللين
و لا نريد بهذا الملحظ المظاهر الصوتية للحروف الشديدة أو حروف اللين ، و إنما نريد الدلالة الأصواتية للكلمات و هي تتشكل في سياق يمثل الشدة حيناً ، و الرقة حيناً آخر ، في دلالة تشير إلى أحدهما أولهما في ذات اللفظ ، أو جملة العبارة .
و من فضيلة النظم القرآني أن تنتظم هذه الظاهرة في الصوائت و الصوامت من الأصوات ، و الصوائت ما ضمت حروف العلة عند علماء الصرف ، و هي : الألف و الياء و الواو ، و الصوامت بقية حروف المعجم ، و هي الصحيحة غير المعتلة .
و يبدو أن الأصوات الصائتة بعد هذا هي الأصوات المأهولة بالانفتاح المتكامل لمجرى الهواء ، فتنطلق دون أي دوي أو ضوضاء ، و تصل إلى الأسماع مؤثرة فيها تأثيراً تلقائياً في الوضوح و الصفاء ، و علة ذلك انبساطها مسترسلة دون تضيق في المخارج .
و يتضح من هذا أن الأصوات الصامتة ما كانت بخلاف ذلك فهي تتسم بتضيّق مجرى الهواء و اختلاسه ، فتنطلق أصواتها بأصداء مميزة تختلف شدة و ضعفاً بحسب مخارجها فتحدث الضوضاء من خلالها نتيجة احتباس الهواء بقدر ما .
ففي الصوائت نلحظ قوله تعالى : ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ 95 . في اقتران الواو و الألف في موضع واحد من سوى و تقوى ، كما نلحظ اقتران الياء و الألف في سقيا من قوله تعالى : ﴿ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾ 96 .
فتجد استطالة هذين الحرفين في كلا الموضعين ، لا يصدهما شيء صوتياً ، و هما يتراوحان دلالياً في ألفاظ تحتكم الشدة و اللين ، فالتذكير بخلق النفس الإنسانية قسماً إلى جنب عملها بين الفجور و التقوى ، و التحذير من الناقة إلى جنب التحذير من منع السقيا .
و في الصوامت تجد مادة " مسّ " قي القرآن بأزيزها الحاكم ، و صوتها المهموس ، و نغمها الرقيق ، نتيجة لتضعيف حرف الصفير ، أو التقاء حرفيه متجاورين كقوله تعالى : ﴿ ... وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ... ﴾ 97 .
هذه المادة في رقتها صوتياً ، و شدتها دلالياً ، تجمع بين جرس الصوت الهادئ ، و بين وقع الألم الشديد ، فالمس يطلق ـ عادة ـ و يراد به كل ما ينال الإنسان من أذى و مكروه في سياق الآيات التالية :
قال تعالى : ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ... ﴾ 98 .
و قال تعالى : ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم ... ﴾ 99 .
و قال تعالى : ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ... ﴾ 100 .
و قال تعالى : ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ... ﴾ 101 .
و قال تعالى : ﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ ... ﴾ 102 .
و قال تعالى : ﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 103 .
و قال تعالى : ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ 104 .
فهذه الصيغ المختلفة من المادة ، أوردناها للدلالة على شدة البلاء ، و وقع المصاب ، و فرط الأذى ، و اللفظ فيها رفيق رقيق ، و لكن المعنى شديد غليظ .
و للدلالة على هذا الملحظ ، فقد وردت المادة في صوتها الحالم هذا مقترنة بالمس الرفيق لاستخلاص الأمرين في حالتي ، السراء و الضراء ، الشر و الخير ، كما في كل من قوله تعالى :
أ ـ ﴿ ... وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء ... ﴾ 105 .
ب ـ ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ 106 .
فالضراء تمسهم إذن ، و السراء تمسهم كذلك ، و الشر يمسهم و الخير كذلك ، و لم يشأ القرآن العظيم تغيير المادة بل اللفظ عينه في الحالتين ، و ذلك للتعبير عن شدة الملابسة و الملامسة و الالتصاق .
و كما ورد اللفظ في مقام الضر منفرداً في أغلب الصيغ ، و ورود مثله جامعاً لمدركي الخير و الشر ، فقد ورد للمس الجميل خاصة في قوله تعالى : ﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ... ﴾ 107 .
و قد ينتقل هذا اللفظ بدلائله إلى معان آخر ، لا علاقة لها بهذا الحديث دلالياً ، و إن تعلقت به صوتياً ، كما في إشارة القرآن إلى المس بمعنيين مختلفين أخريين.
الأول : كنى فيه بالمس عن النكاح في كل من قوله تعالا :
أ ـ ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ... ﴾ 108 .
ب ـ ﴿ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ ... ﴾ 109 .
الثاني : و قد عبر فيه بالمس عن الجنون كما في قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... ﴾ 110 .
و قد اجتمعت كلها في طبيعة الصوت .
الألفاظ دالة على الأصوات
توافرت طائفة من الألفاظ الدقيقة عند إطلاقها في القرآن ، و تتميز هذه الدقة بكون اللفظ يدل على نفس الصوت ، و الصوت يتجلى فيه ذات اللفظ ، بحيث يستخرج الصوت من الكلمة ، و تؤخذ الكلمة منه ، و هذا من باب مطابقة الألفاظ للمعاني بما يشكل أصواتها ، فتكون أصوات الحروف على سمت الأحداث التي يراد التعبير عنها .
و نضع فيما يأتي أمثلة لهذا الملاحظ في بعض ألفاظ القرآن العظيم :
1- مادة " خر " توحي في القرآن بدلالتها الصوتية بأن هذا اللفظ جاء متلبساً بالصوت على سمت الحدث في كل من قوله تعالى :
أ ـ ﴿ ... وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء ... ﴾ 111 .
ب ـ ﴿ ... فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ ... ﴾ 112 .
ج ـ ﴿ ... فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ... ﴾ 113 .
د ـ ﴿ ... فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ 114 .
فإن هذا اللفظ و قد جاء بصيغة واحدة في عدة استعمالات ، يدل بمجمله على السقوط و الهُوي ، و هذا السقوط ، و ذلك الهُوي : مصحوبان بصوت ما ، و هذا الصوت هو الخرير ، و الخرير هو صوت الماء ، أو صوت الريح ، أو صوتهما معاً ، فالحدث على هذا مستلٌّ من جنس الصوت ، و من هنا يستشعر الراغب ( المتوفى : 502 ه ) دلالة اللفظ الصوتية فيقول : " فمعنى خرّ سقط سقوطاً يُسمع منه خرير ، و الخرير يقال لصوت الماء و الريح و غير ذلك مما يسقط من علو ...
و قوله تعالى : ﴿ ... خَرُّوا سُجَّدًا ... ﴾ 115 فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط ، و حصول الصوت منهم بالتسبيح ، و قوله من بعده ﴿ ... وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... ﴾ 115 . فتنبيه أن ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لا بشيء آخر " .
2- مادة " صرّ " في كلمة " صر " من قوله تعالى :
( كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ) .
أو كلمة " صرصر " في كل من قوله تعالى :
أ ـ ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ 116 .
ب ـ ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ﴾ 117 .
هذه المادة في هذه الصيغ الثلاث : مرفوعة ، مجرورة ، منصوبة ، وردت في القرآن و أنت تلمس فيها اصطكاك الأسنان ، و ترديد اللسان ، فالصاد في وقعها الصارخ ، و الراء المضعّفة ، و التكرار للمادة في " صرصر " ، قد أضفى صيغة الشدة ، و جسّد صورة الرهبة ، فلا الدفء بمستنزل ، و لا الوقاية متيسرة ، و ذلك ما يهد كيان الإنسان عند التماسه الملجأ فلا يجده ، أو النجاة فلا يصل شاطئها ، أو الوقاية من البرد القارس فلا يهتبلها.
في لفظ " الصر " ذائقة الشتاء ، و نازلة الثلوج ، و أصوات الرياح العاتية ، مادة الصر إذن : كما عبر عنها الراغب ( المتوفى : 502 ه ) : " ترجع إلى الشدة لما في البرودة من التعقد " .
و الذكر الحكيم حافل بالألفاظ دالة على الأصوات ، جرياً على سنن العرب في تسمية اللفظ باسم صوته .
والله تعالى أعلم .
اللفظ المناسب للصوت المناسب
كل لفظ في القرآن الكريم أختير مكانه و موضعه من الآية أو العبارة أو الجملة فإن غيره لا يسد مسدّه بداهة ، فقد اختار القرآن اللفظ المناسب في الموقع المناسب من عدة وجوه ، و بمختلف الدلالات ، إلا أن استنباط ذلك صوتياً يوحي باستقلالية الكلمة المختارة لدلالة أعمق ، و إشارة أدق ، بحيث يتعذر على أية جهة فنية استبدال ذلك بغيره ، إذ لا يؤدي غيره المراد الواعي منه ، و ذلك معلم من معالم الإعجاز البياني في القرآن .
1ـ في قوله تعالى : ﴿ ... يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ... ﴾ 118 . جرس موسيقي حالم ، و صدى صوتي عميق ، و إطلاق للأصوات من أقصى الحلق و ضمها للشفة ثم إعادة إطلاقها ، فيما به يتعين موقع " أوبي " بحيث لا يسدّ مسدّها غيرها من الألفاظ ، فالمراد بها ترجيع التسبيح من آب يؤوب ، على جهة الإعجاز بحيث تسبح الجبال ، و هو خلاف العادة ، و خرق لنواميس الكون في ترديد الأصوات من قبل ما لا يصوت ، و لو استبدل هذا اللفظ في غير القرآن لعاد النظر مهلهلاً ، و الدلالة الصوتية منعدمة .
قال الزمخشري ( ت : 538 هـ ) : " فإن قلت : أي فرق بين هذا النظم و بين أن يقال : و آتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال معه و الطير ؟ قلت : كم بينهما ؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى من الدلالة على عزة الربوبية ، و كبرياء الألوهية ، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا و أذعنوا ، و إذا دعاهم سمعوا و أجابوا ، أشعاراً بأنه ما من حيوان و جماد ، و ناطق و صامت إلا و هو منقاد إلى مشيئته ، غير ممتنع عن إرادته " 119 .
و تقرأ الآية : ﴿ ... يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ... ﴾ 118 . بالتشديد ، وتقرأ بالتخفيف ، فمن قرأ ( أوبي ) بالتشديد فمعناه : يا جبال سبِّحي معه ، و رَجِّعي التسبيح لأنه قال : سخرنا الجبال معه يسبحن ، و من قرأ ( أوبي ) بالتخفيف ، فمعناه : عودي معه بالتسبيح كلما عاد فيه 120 .
فالنظام الصوتي بهذا هو الذي يحقق المعنى الجملي ، فإن كانت ( أوبي ) بالتشديد ، و هي القراءة المتعارفة ، فالمراد : التسبيح في ترديده و ترجيعه ، و إن كانت بالتخفيف ، فتعني الرجوع و الأوبة ، و عليه فالمراد إذن : العودة إلى التسبيح كلما عاد :
2 ـ في قوله تعالى : ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ 121 . تبرز كلمة " أوهن " لتعطي معنى الضعف ، و قد تحقق هذا المعنى كلمة ( أوها ) و لكن القرآن الكريم استعمل أوهن دون أوها ، و ذلك لما يفرزه ضم حروف الحلق ، و أقصا الحلق إلى النون من التصاق و غنة لا تتأتى بضم الألف المقصورة إليها صوتياً ، و حينئذ تصل الكلمة إلى الأسماع ، و تصك الآذان ، و هي تحمل لوناً باهتاً للعجز مؤكداً بضم هذه النون ـ من ملحظ صوتي فقط ـ إلى تلك الحروف لتحدث واقعًا خاصاً يشعر بالضعف المتناهي لا بمجرد الضعف وحده . و كان هذا بتأثير مباشر من دلالة اللفظ الصوتية ، إذ أحدثت فيها النون و هي من الصوامت الأنفية صدى و إيقاعاً لا تحدثه الألف المقصورة و هي صوت حلقي خالص ، لا غنة معه ، و لا ضغط ، و لا إطباق .
و هذا التشبيه باختيار هذا اللفظ صوتياً ، يجمع إليه إيحائياً دلالة أن الأصنام و الأشخاص و القيم اللاإنسانية . . واهنة متداعية عاجزة حتى عن حماية كيانها ، و صيانة وجودها ، لأنها في تكوين رخو واهن ، و بناء تتداعى أركانه ، و مثل هذا التكوين و ذلك البناء لا اعتماد عليهما ، و لا اعتداد بهما ، إنما القوة بالله ، و الحماية من الله ، و الالتجاء إلى الله فهو وحده الركن القويم .
قال الزمخشري ( ت : 538 هـ ) : " و قد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، و كما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون " 122 .
و إذا كان القرآن الحكيم قد امتاز بتخير الألفاظ و انتقائها ، فإنه يرصد بذلك ما لهذه الألفاظ دون تلك :
" من قوة تعبيرية ، بحيث يؤدي بها فضلاً عن معانيها العقلية ، كل ما تحمل في أحشائها من صور مدخرة ، و مشاعر كامنة ، لفّت نفسها لفاً حول ذلك المعنى العقلي " 123 .
و هو ما تنبّه إليه الزمخشري في تعليله ذلك من ذي قبل .
3 ـ و في قوله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ 124 .
تنهض كلمة " كل " و هي صارخة مشرأبة ، لتوحي عادة بمعنى العالة في أبرز مظاهرها ، و قد استعملها القرآن لإضاءة المعنى بما فيها من غلظة و شدة و ثقل ، لهذا الصدى الصوتي الخاص المتولد من احتكاك الكاف و إطباق اللام على اللهاة ، و ما ينجم عن ذلك من رنة في الذاكرة ، و شدة على السمع ، فصوت الكاف في العربية ، و هو من حروف الإطباق ، شديد انفجار مهموس ، و صوت اللام في العربية ، و هو من حروف الأسنان و اللثة ، مجهور متوسط بين الشدة و الرخاوة 125 .
و قد اجتمع المهموس و المجهور معاً في هذا اللفظ ، فإذا علمنا أن المهموس هو الصوت الذي يظل النفس عند النطق به جارياً لا يعوقه شيء ، و أن المجهور هو الصوت الذي يمتنع النفس عن الجريان به عند النطق أدركنا سر اجتماع الكاف المهموسة و اللام المجهورة في هذا اللفظ ، و ما في ذلك من عسر في اللفظ دال على المعنى و غلظته .
يقول أستاذنا المخزومي : " فإذا اجتمع صوت مجهور ، و آخر مهموس ، فقد اجتمع صوتان مختلفان لكل منهما طبيعة خاصة ، و الجمع بين هذين الصوتين يقتضي عضو النطق أن يعطي كل صوت منهما حقه ، و في ذلك عسر لا يخفى ، فإذا تألفت كلمة و قد تجاور فيها صوتان ، أحدهما مجهور ، و الآخر مهموس ، فما يزال أحدهما يؤثر في الآخر حتى يصيرا مجهورين معاً ، أو مهموسين معاً " 126 .
لقد ظل النفس جارياً مستطيلاً في اللام عند مجاورتها للكاف ، و زاد التشديد في استطالتها ، لتوحي الكلمة بأبعادها الصوتية : بأن هذا العبد شؤم لا خير معه ، و بهيمة لا أمل بإصلاحه ، فهو عالة وزيادة ، بل هو " كل " بكل التفصيلات الصوتية لهذا اللفظ .
لقد كان اختيار اللفظ المناسب للصوت المناسب حقلاً يانعاً في القرآن لا للدلالة الصوتية فحسب ، بل لجملة من الدلالات الإيحائية و اللغوية و الهاميشية ، و تلك ميزة القرآن الكريم في تخير الألفاظ 127 .
- 1. إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : 46 .
- 2. الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : 27 .
- 3. ظ : ابن منظور ، لسان العرب : 4|2 .
- 4. القران الكريم : سورة فاطر ( 35 ) ، الآية : 37 ، الصفحة : 438 .
- 5. الطبرسي ، مجمع البيان : 4|410 .
- 6. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 258 .
- 7. a. b. ابن منظور ، لسان العرب : 4|3 .
- 8. القران الكريم : سورة يس ( 36 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 443 .
- 9. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 387 .
- 10. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 461 .
- 11. القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 90 ، الصفحة : 385 .
- 12. القران الكريم : سورة الملك ( 67 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 563 .
- 13. الراغب ، المفردات : 420 .
- 14. القران الكريم : سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 94 ، الصفحة : 371 .
- 15. الزمخشري ، الكشاف : 1|41 .
- 16. الطيبي ، التبيان في علم المعاني و البديع و البيان : 474 .
- 17. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 78 ، الصفحة : 317 .
- 18. القران الكريم : سورة الحاقة ( 69 ) ، الآيات : 1 - 3 ، الصفحة : 566 .
- 19. الفراء ، معاني القرآن : 3|179 .
- 20. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|342 ـ 343 .
- 21. ظ : الطريحي ، مجمع البحرين : 5|147 .
- 22. القران الكريم : سورة عبس ( 80 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 585 .
- 23. ابن منظور ، لسان العرب : 4|2 .
- 24. الطريحي ، مجمع البحرين : 2|437 .
- 25. الراغب ، المفردات : 275 .
- 26. الفراء ، معاني القرآن : 3|234 .
- 27. ابن منظور ، لسان العرب : 15|263 .
- 28. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|433 .
- 29. القران الكريم : سورة النازعات ( 79 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 584 .
- 30. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|434 .
- 31. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 222 .
- 32. القران الكريم : سورة سبأ ( 34 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 431 .
- 33. القران الكريم : سورة الواقعة ( 56 ) ، الآية : 1 و 2 ، الصفحة : 534 .
- 34. القران الكريم : سورة الحاقة ( 69 ) ، الآية : 15 ، الصفحة : 567 .
- 35. الخليل ، العين : 2|176 .
- 36. الراغب ، المفردات : 530 .
- 37. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|214 .
- 38. ابن منظور ، لسان العرب : 10|285 .
- 39. القران الكريم : سورة القارعة ( 101 ) ، الآيات : 1 - 3 ، الصفحة : 600 .
- 40. القران الكريم : سورة الحاقة ( 69 ) ، الآية : 4 ، الصفحة : 566 .
- 41. الخليل ، العين : 1|156 .
- 42. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|342 .
- 43. المصدر نفسه : 5|532 .
- 44. المصدر نفسه : 5|343 .
- 45. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 57 و 58 ، الصفحة : 528 .
- 46. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 469 .
- 47. الراغب ، المفردات : 17 .
- 48. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 469 .
- 49. a. b. الطبرسي ، مجمع البيان : 4|518 .
- 50. الزمخشري ، أساس البلاغة : 5 .
- 51. ابن منظور ، لسان العرب : 1|346 .
- 52. القران الكريم : سورة الإنسان ( 76 ) ، الآية : 6 و 7 ، الصفحة : 579 .
- 53. الفراء ، معاني القرآن : 3|231 .
- 54. ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم : 4|467 .
- 55. القران الكريم : سورة المزمل ( 73 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 574 .
- 56. الزمخشري ، الكشاف : 4|212 .
- 57. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|430 .
- 58. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 48 ، الصفحة : 261 .
- 59. القران الكريم : سورة الغاشية ( 88 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 592 .
- 60. الطبرسي ، مجمع البيان : 5|478 .
- 61. الراغب ، المفردات : 361 .
- 62. الزمخشري ، الكشاف : 4|246 .
- 63. ابن منظور ، لسان العرب : 19|362 .
- 64. القران الكريم : سورة القيامة ( 75 ) ، الآيات : 5 - 12 ، الصفحة : 577 .
- 65. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 157 ، الصفحة : 24 .
- 66. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 157 ، الصفحة : 70 .
- 67. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 159 ، الصفحة : 71 .
- 68. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 1 و 2 ، الصفحة : 305 .
- 69. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 151 ، الصفحة : 169 .
- 70. a. b. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 24 ، الصفحة : 284 .
- 71. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 305 .
- 72. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 105 ، الصفحة : 16 .
- 73. الراغب : المفردات : 191 .
- 74. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 1 و 2 ، الصفحة : 1 .
- 75. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 25 ، الصفحة : 514 .
- 76. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 50 .
- 77. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 418 .
- 78. القران الكريم : سورة سبأ ( 34 ) ، الآية : 5 ، الصفحة : 428 .
- 79. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 134 ، الصفحة : 166 .
- 80. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 135 ، الصفحة : 166 .
- 81. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 9 .
- 82. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 162 ، الصفحة : 171 .
- 83. القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 400 .
- 84. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 71 ، الصفحة : 159 .
- 85. القران الكريم : سورة يونس ( 10 ) ، الآية : 100 ، الصفحة : 220 .
- 86. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 90 ، الصفحة : 123 .
- 87. القران الكريم : سورة الحج ( 22 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 335 .
- 88. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
- 89. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 125 ، الصفحة : 207 .
- 90. ظ : الراغب ، المفردات : 188 .
- 91. القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 51 ، الصفحة : 241 .
- 92. القران الكريم : سورة العاديات ( 100 ) ، الآية : 9 و 10 ، الصفحة : 599 .
- 93. ظ : الراغب ، المفردات : 121.
- 94. القران الكريم : سورة التكوير ( 81 ) ، الآيات : 15 - 18 ، الصفحة : 586 .
- 95. القران الكريم : سورة الشمس ( 91 ) ، الآية : 7 و 8 ، الصفحة : 595 .
- 96. القران الكريم : سورة الشمس ( 91 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 595 .
- 97. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 354 .
- 98. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 140 ، الصفحة : 67 .
- 99. القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 408 .
- 100. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 49 ، الصفحة : 464 .
- 101. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 222 .
- 102. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 46 ، الصفحة : 326 .
- 103. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 68 ، الصفحة : 185 .
- 104. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 329 .
- 105. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 95 ، الصفحة : 162 .
- 106. القران الكريم : سورة المعارج ( 70 ) ، الآيات : 19 - 21 ، الصفحة : 569 .
- 107. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 120 ، الصفحة : 65 .
- 108. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 20 ، الصفحة : 306 .
- 109. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 236 ، الصفحة : 38 .
- 110. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 275 ، الصفحة : 47 .
- 111. القران الكريم : سورة الحج ( 22 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 336 .
- 112. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 26 ، الصفحة : 269 .
- 113. القران الكريم : سورة سبأ ( 34 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 429 .
- 114. القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 24 ، الصفحة : 454 .
- 115. a. b. القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآية : 15 ، الصفحة : 416 .
- 116. القران الكريم : سورة الحاقة ( 69 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 566 .
- 117. القران الكريم : سورة القمر ( 54 ) ، الآية : 19 ، الصفحة : 529 .
- 118. a. b. القران الكريم : سورة سبأ ( 34 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 429 .
- 119. الزمخشري ، الكشاف : 3|281 .
- 120. ظ : ابن منظور ، لسان العرب : 1|212 .
- 121. القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 41 ، الصفحة : 401 .
- 122. الزمخشري ، الكشاف : 3|206 .
- 123. تشارلتن ، فنون الأدب : 76 .
- 124. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 76 ، الصفحة : 275 .
- 125. ظ : ابن جني ، سر صناعة الأعراب : 1|69 .
- 126. مهدي المخزومي ، في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : 8 .
- 127. هذا المقال الشيق هو الفصل السادس من كتاب : " الصوت اللُّغوي في القرآن " للدكتور محمد حسين علي الصغير أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الكوفة .
5 تعليقات
ğeyyd
أضافه kadir في
ğeyyd
شكر
أضافه عبد الرحيم في
كتب الله أجركم وغفر ذنبكم ووفقكم لكل خير
الدلالة الصوتية في القرآن
أضافه عزيز في
شكر الله لكم
أبحث عن الدلالة الصوتية في سورة الإنسان
أضافه سيف الدين ضياء عبود في
الدلالة الصوتية في سورة الإنسان
بارك الله لكم وفيكم . هل من بحث عن الدلالات الصوتيه لسورة النازع
أضافه احمد عبد المعبود في
اللهم ارزقنا فهم القرآن والعمل به