الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الزواج المؤقت في الكتاب والسنّة وإجماع الأمة

جاء الزواج المؤقت في كتاب الله العزيز بلفظ «المتعة» حيث يقول :﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ... 1.

والنقطة المهمّة هنا أن هناك روايات كثيرة تنقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء فيها لفظ المتعة بمعنى الزواج المؤقت ، وسنعرض على القارئ المحترم هذه الروايات في الأبحاث الآتية. إضافة إلى أنّه جاء في كتب فقهاء الإسلام ـ أعم من الشيعة والسنّة ـ التعبير عن الزواج المؤقت بالمتعة. وإنكار هذا الموضوع من قبيل إنكار المسلّمات وسنعرض لكم مجموعة من كلمات الفقهاء في البحوث التالية أيضاً.

ومع هذا يصرّ بعضهم على تفسير «الاستمتاع» في الآية بالتلذذ ، وقالوا : إنّ معنى الآية هو إعطاء المهر للمرأة التي يراد الاستمتاع بها جنسياً.

وهنا نذكر ردّان على هذا القول :

أولاً : إنّ وجوب دفع المهر هو مقتضى العقد ، بمعنى : أنه بمجرد تحقق العقد يمكن للمرأة المطالبة بالمهر كاملاً ، حتى وإن لم يتحقق الدخول ، أو قبل حصول أي ملاعبة. نعم لو وقع الطلاق قبل الدخول ، يصبح المهر نصفاً بعد الطلاق. فتأمل.

ثانياً : إن مصطلح «المتعة» كما ذكرنا في العرف الشرعي وكلمات الفقهاء من الشيعة والسنّة وما جاء في الروايات هو بمعنى العقد المؤقت ، وسنرى كثرة الأدلة المؤيدة لذلك.

فهذا المرحوم الشيخ الطبرسي المفسّر المعروف صاحب تفسير «مجمع البيان» في تفسيره لهذه الآية يصرح بأنّ هناك نظريتين في تفسير هذه الآية :

أ) نظرية من فسر الاستمتاع هنا بمعنى التلذذ ، وذكر مجموعة من الصحابة والتابعين وغيرهم.

ب) نظرية من فسّر الاستمتاع بعقد المتعة والزواج المؤقت ، وهذا رأي ابن عباس والسدي وابن مسعود وجماعة من التابعين.

ويستمر الشيخ في حديثه ويقول : والنظرية الثانية واضحة ؛ لأنّ لفظ المتعة والاستمتاع في العرف الشرعي يعني الزواج المؤقت ، إضافة إلى أنّ وجوب المهر للمرأة غير مشروط بالتلذذ2.

وهذا القرطبي في تفسيره قال : المقصود من الآية في نظر الجمهور هو النكاح المؤقت الذي كان موجوداً في صدر الإسلام3.

وأشار كل من السيوطي في الدر المنثور وأبي حيان وابن كثير والثعالبي في تفاسيرهم إلى هذا المعنى.

إنّ مسألة وجود الزواج المؤقت في عصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله مسلّم به بين جميع علماء الإسلام ، سواء كانوا شيعة أم سنّة ، ولكن هناك مجموعة من فقهاء أهل السنّة يعتقدون بأن هذا الحكم قد نسخ فيما بعد ، وهناك اختلاف شديد فيما بينهم في تحديد زمان نسخه ، ومنها :

ما قاله العالم المعروف «النووي» في شرحه لصحيح مسلم :

١. البعض يقول : إنها كانت حلالاً في غزوة خيبر الأولى ، وحرّمت فيما بعد.

٢. كانت حلالاً في عمرة القضاء فقط.

٣. كانت حلالاً في اليوم الأول لفتح مكة ، وحرّمت فيما بعد.

٤. حرّمت في غزوة تبوك من السنة الثامنة للهجرة.

٥. كانت مباحةً في معركة أوطاس من السنة الثامنة للهجرة فقط.

٦. كانت حلالاً في حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة4.

والملفت للنظر أنّه نقل في هذا الموضوع روايات متناقضة ومتعارضة ، وخصوصاً روايات التحريم في خيبر ، وروايات التحريم في حجة الوداع المعروفة ، حيث بذل مجموعة من فقهاء أهل السنّة جهداً في الجمع بين هذه الروايات ، ولكن لم يقدموا حلاً مناسباً5.

والأجمل من هذا ما نقل من كلام عن الشافعي ، حيث يقول : «لا أعلم شيئاً أحلّه اللهُ ثمّ حرّمه ثمّ أحلّه ثمّ حرّمه إلّا المتعة»6.

ونقل في نفس الوقت ابن حجر عن السهيلي : إنّه لم ينقل أحد من أرباب التاريخ ورواة الأخبار أنّ تحريم المتعة وقع في يوم خيبر7.

٧. وهناك قول آخر يقول : إنّ المتعة كانت حلالاً في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ذلك نهى عمر عنها ، كما نقرأ ذلك في صحيح مسلم الذي يعد من أكثر الكتب اعتباراً عند أهل السنّة : عن «أبي نضرة» قال : «كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : إنّ ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما»7.

فهل يمكن القول مرة أخرى مع هذا النص الصريح والموجود في صحيح مسلم إنّ المتعة قد حرمت في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله8.

 

  • 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
  • 2. أنظر مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٦٠.
  • 3. أنظر تفسير القرطبى ، ج ٥ ، ص ١٢٠ ؛ وفتح الغدير ، ج ١ ، ص ٤٤٩.
  • 4. أنظر شرح صحيح مسلم ، ج ٩ ، ص ١٩١.
  • 5. أنظر نفس المصدر.
  • 6. المغني لابن قدامة ، ج ٧ ، ص ٥٧٢.
  • 7. a. b. فتح الباري ، ج ٩ ، ص ١٣٨.
  • 8. المصدر: الشيعة شبهات وردود، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.