الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الذين ينكرون الزواج المؤقت ، يقبلون بزواج المسيار

جميع علماء الإسلام يعتقدون بأنّ الزواج المؤقت كان موجوداً في عصر نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله لمدّة من الزمن. وبعضهم يقول : إنّ التحريم وقع في عصر الخليفة الثاني بأمر من الخليفة نفسه ، ويقول بعضهم : إنّ التحريم وقع في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام نعتقد بأنّه لم يحرم مطلقاً ، وهو باق على حاله (طبقاً للشروط).

وهناك مجموعة قليلة من أهل السنّة توافقنا على هذا الاعتقاد ، والأغلبية تخالفنا الرأي ، وكانوا دائماً يشكلون علينا ، وهو ليس محلاً للنقد ، بل هو نقطة قوّة لحل الكثير من المشاكل الاجتماعية.

وستقرءون شرح هذه المطالب في المباحث الآتية :

الضرورات والاحتياجات

إنّ الكثير من الناس وخصوصاً الشبّان لا يتمكنون من الزواج الدائم ، إضافة إلى أنّ الزواج الدائم يحتاج إلى مقدمات وإمكانيات وتحمل مسئوليات مختلفة ، وهي غير متوفرة لدى البعض ، وعلى سبيل المثال :

أ) إنّ الكثير من الشبّان لا يستطيعون الزواج في فترة الدراسة ـ وخصوصاً في زماننا ، حيث تستمر الدراسة لفترة طويلة ـ لعدم وجود العمل والمسكن المناسب ولا الإمكانيات الأخرى ، حتى ولو حاول الاقتصار على ما هو ضروري في حفلة الزواج (زواج بسيط) مع ذلك لا بدّ من بعض الإمكانيات كحد أدنى وهي غير متوفرة.

ب) هناك أشخاص متزوجون يتعرضون لضغوط جنسية في سفرهم للخارج ، وخصوصاً عند ما يطول بهم السفر ، وهم لا يستطيعون اصطحاب أزواجهم معهم ، وليس لهم القدرة على الزواج الدائم مرّة أخرى في تلك الديار.

ج) هناك أشخاص تعاني أزواجهم من أمراض مختلفة ومشاكل أخرى ، وليس لديهن القدرة على رفع حاجات أزواجهن الجنسية.

د) هناك جنود يذهبون في مهمّات طويلة الأمد لحفظ الحدود وغيرها ، فقد يتعرضون إلى ضغوط جنسية بسبب بعدهم عن نسائهم. كما سنرى وقوع ذلك في عصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث حصلت نفس هذه المشكلة لكثير من جنود الإسلام ممّا أدى إلى تشريع الزواج المؤقت.

ه) قد يتعرض بعض الرجال ـ وخصوصاً الشبّان ـ إلى مشاكل نفسية بسبب عدم اقترابهم من أزواجهم طيلة فترة الحمل ؛ للظروف الخاصّة التي تصاحبها عادة.

إنّ هذه الضرورات والمشاكل الاجتماعية كانت موجودة دائماً ، وستستمر ، وهي لا تختص بعصر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط ، بل قد تكون في عصرنا أشد ؛ وذلك بسبب تعدد العوامل المهيجة التي تحيط بالمجتمع الحالي.

فالأشخاص في هذه الحالات يقفون على مفترق طريقين : إمّا التورط بالفحشاء (والعياذ بالله) ، أو الاستفادة من الزواج المؤقت البسيط الذي لا يترتب عليه ما يترتب على الزواج الدائم من تكاليف ماديّة ، ويلبي الحاجات الجنسية للشخص.

واقتراح الزهد وغض النظر عن كليهما اقتراح جيد ، ولكنّه خارج عن قدرة الكثيرين ، وعلى الأقل هؤلاء الذين يرونه أمراً خيالياً.

زواج المسيار

الملفت للنظر أنّ أكثر المنكرين للزواج المؤقت من أهل السنّة ، اضطرّوا تدريجياً وبسبب وقوع بعض الضغوطات على الشبّان وغيرهم من الأشخاص المحرومين ، إلى القبول بنوع يشبه الزواج المؤقت يسمى «زواج المسيار» ومع أنّهم لم يطلقوا عليه الزواج المؤقت ، إلّا أنّه لا يوجد أي اختلاف معه ، وبالتالي فهو يجيز للشخص المضطر ، الزواج من امرأة بشكل دائم حتى وإن نوى الطلاق بعد فترة قصيرة ، واشترط سقوط النفقة وحق المبيت والإرث ، وهو في الواقع يشبه الزواج المؤقت بشكل كبير ، باستثناء الانفصال ، فإنّه هنا يتحقق بالطلاق ، وفي الزواج المؤقت يتحقق إمّا بهبة المدّة المتبقية أو انتهاء المدّة المقررة ، ولكلا النوعين من الزواج زمان محدد قد أخذ بعين الاعتبار منذ البداية.

والجميل في الأمر أنّ بعض الشبّان من أهل السنّة قاموا أخيراً وبسبب المشاكل والضغوط التي تواجههم في طريق الزواج الدائم بالاتصال بنا من خلال الشبكة العنكبوتية (الانترنيت) ووجهوا لنا هذا السؤال : هل هناك مانع في مسألة الزواج المؤقت من الأخذ بفتوى الشيعة؟

وقلنا : إنّه لا مانع أبداً.

فهؤلاء الذين ينكرون الزواج المؤقت ، يقبلون بزواج المسيار ، فهم وإن لم يقبلوا بعنوانه ، ولكنهم في الواقع قد قبلوا به.

نعم الضرورات التي تواجه الإنسان قد تجبره على قبول الأمور الواقعية ، حتى وإن اختلفت العناوين.

وبناءً على هذه النتيجة ومع إصرارهم ومخالفتهم للزواج المؤقت فهم يقومون ـ من حيث يعلمون أو لا يعلمون ـ بتمهيد الطريق للفحشاء ، إلا إذا اقترحوا نوعاً آخر مشابهاً كما هو الحال في زواج المسيار ، ولأجل هذا جاءت روايات أهل البيت عليهم‌السلام «لو لا مخالفتهم للزواج المؤقت الإسلامي لما ابتليَ أحد بالزنا»1.

ومع هذا قاموا بتشويه موضوع الزواج المؤقت الذي شرّع للضرورات وتلبية حاجة المحرومين ، وأظهروه بصورة قبيحة ، وبهذا مهدوا لانتشار الفساد بالزنا في المجتمع الإسلامي ، فهم في الواقع شركاء المذنبين في ارتكاب المعصية ؛ لأنّهم منعوا الناس من الاستفادة الصحيحة من الزواج المؤقت.

وعلى كل حال فالإسلام وضع قانوناً يتطابق مع فطرة البشر ، ليلبّي جميع الحاجات الواقعية له ، ولا يمكن أن لا تدرج مسألة الزواج المؤقت في أحكامه ، وسيتضح فيما بعد أنّ الزواج المؤقت جاء في القرآن الكريم والأخبار النبوية ، وعمل به مجموعة من الأصحاب ، إلّا أنّ مجموعة أخرى تدّعي أنّ هذا الحكم الإسلامي قد نسخ ، وسنرى أنّهم لا يملكون أي دليل مقنع على هذا النسخ2.

 

  • 1. يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «لو لا ما نهى عنه عمر ما زنى إلّا شقي» ، وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٤٠ ، ح ٢٤. وجاء هذا الحديث كثيراً في كتب أهل السنّة وهو قال الإمام علي عليه‌السلام : «لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي» ، تفسير الطبرى ، ج ٥ ، ص ١١٩ ؛ وتفسير الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ١٤٠ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ١٣٠.
  • 2. المصدر: الشيعة شبهات وردود، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.