الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ثورة الامام الحسين (ع) دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم

«كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء»

 

انها كلمة تعبّر عن حقيقة تاريخية هامة لا مجال فيها للشك والارتياب، كما انها قابلة للتكرار دوماً في كل واقع وزمان .. وهذا ما أثبته لنا التاريخ.

فلقد تحولت ملحمة كربلاء الى مسيرة ثورية امتدت مع الزمن، كما أمتدت الى آفاق بعيدة، وذلك لان لكل شعب أو أمة رموزاً في مختلف مرافق حياتها .. وكل رمز من هذه الرموز يقوم بوظيفة تجميع وتركيز التجربة في المرفق الخاص به. وملحمة كربلاء تحولت الى رمز للثورة الأصيلة التي جمعت في واقعها كل شروط وعوامل وخصائص الثورة الاسلامية، بل لقد استوعبت هذه التجربة كل دروس الرسالة السماوية عبر التاريخ، حتى في غير مجال الثورة فيما يتعلق بسائر مجالات الحياة، والسبب في ذلك بسيط وواضح جداً، وهو أن قلم الصراع هو أفضل قلم يكتب بحبر الدم على لوح الزمن ما لا يمكن للمتغيرات أو تصفيها أو أن تنال منها شيئاً.

وحينما يترسخ مبدأ وتتكرس عقيدة تتجذر قيمه بدماء الشهداء في أوج المعركة بين الجاهلية والاسلام، فلابد أن يبقى ذلك المبدأ وتبقى تلك العقيدة راسخة شامخة دائماً.

وكربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وانما هي أيضاً مدرسة لبطولة الانسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضيقة ليملأ الدنيا شجاعة وبطولة .. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب والتضحية، مدرسة العلم والتقوى، بالإضافة الى أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.

وبالتالي فان كربلاء رمز لكل ملحمة .. وبذلك أصبحت مسيرة. إذ أننا حينما نجدد ذكرى الامام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه المستشهدين في أرض كربلاء في سنة (61) من الهجرة، فاننا نتذكر ايضاً ملحمة مسلم بن عقيل في الكوفة، وملحمة الحسين الشهيد، صاحب فخ بين مكة والمدينة، وجهاد الابطال من أبناء الامام الحسين، وأبناء زيد بن علي بن الحسين، وبالتالي فاننا نتذكر مكابدة كل الثائرين عبر تاريخنا المليء بدم الثوار، والمضوّع بأجساد شهدائنا الطاهرة.

من هنا أصبحت [كل أرض كربلاء] و [كل يوم عاشوراء]، لان كليهما قد استوعب تجربتنا. وتعظيمنا نحن الامة الاسلامية الثورية وتقديرنا وتكرينما لهذه الملحمة، انما هو تكريم لكل ثورة رسالية أصيلة، ولكل دم زكي طاهر أريق في أية ثورة.

ولذلك وفي بداية هذه السنة الهجرية الثامنة بعد الاربعمائة والالف نعزي أمتنا الاسلامية تعزية تحمل في طياتها البشارة بالنصر، فبكاونا ليس وسيلة للعجز. وحزننا ليس يأساً وأداء للانطواء إنما هو أمل يفتح لنا الطريق واسعاً، ويسد أمامنا أبواب الخزي والتخاذل والغرور والخداع الذاتي. وتجديدنا لذكرى الشهداء ليس طريقاً للتعويض بهم عن شهادتنا وعن تضحياتنا .. ان بكاءنا تنديد بالظلم، وعويلنا وصراخنا انما هو صراخ الضمير الحر والحي النابض في وجدان أمنتا، وصراخ النفس الابية ضد العبودية والطغيان. وبالتالي هو وسيلتنا للتعبير عن سخطنا وأعتراضنا المغلف بالحزن والاسى على الفساد المنتشر في أنحاء الارض .. وتكريمنا للشهداء معراجنا الى ذلك المستوى الاسمى الذي بلغه هؤلاء الابرار.

انهم مدرّسونا، فنتعلم منهم كيف ننتصر على ذواتنا، ونصل الى مستوى آبائنا وأسلافنا الذين ذهبوا شهداء في طريق الحق.

وهنا ألخّص بعض العبر والدروس التي نستوحيها من هذه الذكرى العظيمة .. ذكرى عاشوراء الدم والتضحية:

أولًا: خط الثورة والنظام المضاد

خط الثورة كان أبداً قاطرة التقدم للامم، وطريقاً لتبديد سبات الانسان، وخروجاً عن الجمود، وانطلاقاً نحو بناء المستقبل، بينما كان خط الانظمة الفاسدة خطاً مضاداً لهذه الحركة التقدمية عبر التاريخ، ومن هنا فإن هناك ثقافتين تتراوحان في الحركة الاجتماعية ..

ثقافة الانظمة التي تتمحور حول شرعية المؤسسات الجامدة الرجعية القائمة، وثقافة الشعوب .. ثقافة الثورة التي تعطي الشرعية لبناء المستقبل. وعاشوراء في تاريخنا الاسلامي تؤكد شرعية الثورة، وتعطينا بداية للعمل الثوري كون الحق لا يبتدأ مرحلته بالاستسلام والسكوت، والذل والخنوع، وانما يبدأ بالرفض .. كلمة التوحيد تبدأ بحرف [لا]

ونقول: «لا إله إلا الله».

هذه العبارة التي تجسد تكريساً للرسالات السماوية، فكل الانبياء عليهم صلوات الله قد جاءوا لكي يكرسوا خط الحنفية البيضاء. أي: الرفض لكل ما هو شرك وفساد وانحراف، وخط الرفض هذا الذي انبعث في الامة الاسلامية كان موجهاً ضد الخارج، أي ضد من سموا بالكفار والمشركين والجاهلين، لان حركة الفتح الاسلامي المتصاعدة منذ بداية الهجرة تقريباً وحتى سنة (61) والتي كانت كأمواج البحر تتوسع في سرعة هائلة، وجهت رفض الامة وتمرد الجماهير وثورة الشعب ضد الاجنبي، ولذلك كانت كل البطولات التي سجلت في تاريخنا الاسلامي قبل ملحمة كربلاء موجهة لاعداء الامة الخارجيين، وليس ضد الانحراف الداخلي الذي كان ينخر في أعماق الامة الاسلامية، وفي نفس الوقت كانت النفوس الابية والروح المتعطشة للشهادة والقلوب الملتهبة ايماناً وحماساً من أجل الدين، كانت تترك داخل البلاد وتتوجه الى الفتوحات الاسلامية خارج البلاد حتى أصبح المثل الاعلى للشهيد هو أن يقتل في حدود الامة الاسلامية، أما داخل الدولة فكانت عربدات معاوية ومفاسد يزيد، وجرائم زياد وابن زياد، وتحريفات سمرة بن جندب، ومن أشبه هي

الرائحة، وبلغ الانحراف الذروة داخل كيان الأمة الاسلامية العملاق والعظيم حتى يكاد يسقط بسبب تلك الارضة التي كانت تنخر في العصى التي تعتمد وتتكيء عليها لولا ملحمة الامام الحسين وشرعية الثورة.

بلى لولا أبوا الشهداء الامام الحسين بن علي الذي بعث من وادي كربلاء صرخة دوت عبر التاريخ الاسلامي، وصنعت بطولة من نوع جديد جسدت فلسفة الشهادة وروح الرسالة وحماس التضحية من أجل الله في الثورة التحررية داخل الامة الاسلامية في مقاومة الانحراف الداخلي. وبالتالي حافظت على عمق هذه الشجرة. لذلك لو قيل أن شجرة الاسلام قد سقيت بدم الشهيد وأبي الشهداء الامام الحسين بن علي (ع)، فان ذلك ليس جزافاً، فلولا هذا الدم لما قام للاسلام عود، وبيد ان الشجرة قد نمت بدماء الشهداء الاولين كجعفر بن أبي طالب وحمزة سيد الشهداء في عصرهم، إلا ان أرضة الفساد في هذه الامة كاد يؤدي بهذه الشجرة الى السقوط، فجاء دم الامام الحسين ليصحح هذا الخلل.

البطولة الاسلامية وملحمة كربلاء

من هنا جاءت ملحمة كربلاء لتقسم البطولة الى قسمين:-

النوع الاول: البطولة في الدفاع عن الثغور:

الدفاع عن الامة الاسلامية خارجياً حيث صبغت البطولات الافق بالدم لتحرر البشرية من نير الاستعباد وتدافع عن نبتة الاسلام الوليدة،

وكانت هذه التضحيات تقع على تخوم ومشارف وثغور الدولة الاسلامية.

النوع الثاني: بطولة التصحيح الداخلي:

التضحية لزرع الثقافة الرسالية الثورية في العمق الاسلامي.

فبطولة من أجل تحرير الآخرين. وبطولة أخرى من أجل حرية الامة الاسلامية ذاتها.

ومن هنا نستطيع ان نؤكد بأن ملحمة كربلاء أعطت شرعية للثورة ولبطولاتها وللشهادة من أجلها. وبعد كربلاء وجدنا بأن كل الحركات التحررية بلا أستثناء من الخوارج الى حركة الزيدية، الى حركة الاسماعيلية والى حركة القرامطة والى كل الحركات داخل الامة الاسلامية كانت تحاول أن ترتبط بخيط يمدها الى كربلاء. وأن تستلهم من معركة الامام الحسين (ع) دروسها. وأن تغذي أبناءها بروح البطولة المنبعثة من وادي كربلاء، هكذا كانت ثورة الامام الحسين تمتاز بصفة العطاء وهكذا أصبحت مسيرة ثورية أخترقت حاجزالزمان والمكان.

ثانياً: الضغوط الحضارية على الامة الاسلامية

على طول تاريخ الامة الاسلامية التي دخلت الآن في السنة الثامنة بعد الاربعمائة والالف من بداية انطلاقها بعد الهجرة، على طول هذه الحقبة الزمنية تعرضت أمتنا لضغوط حضارية شديدة جداً كادت تذوب بسببها.

إن هذه الضغوط الحضارية لم تكن خطيرة في الجانب العسكري، لان أمتنا قد تحصنت منذ البدء بفلسفة الشهادة التي لا يخشى عليها من الذوبان العسكري، ولم تكن اقتصادية الاتجاه، لان أمتنا لم تعتمد على محور المال والثروة والاقتصاد. بل تمحورت حول قيمة الحق. لذلك لم تكن الضغوط الاقتصادية قادرة على تذويب أمتنا عبر التاريخ، ولم تكن الضغوط الاجتماعية كذلك، لان امتنا تدرعت بدرع حصين من الروابط الاجتماعية المتينة. بل كانت تلك الضغوط ثقافية، الثقافة التي تتسرب كالماء تدخل في عمق القواعد الارضية للامة، وتفسد جماهيرها ثقافياً وفكرياً بطريقة أو بأخرى. هذا الضغط كان أشد خطراً من ألف سيف بل مئة ألف سيف بل مليون سيف.

إذن كيف نحافظ على أمتنا من خطر الغزو الثقافي عبر التايخ. امتداداً من حركة الترجمة اليونانية في البلاد الاسلامية ايام يزيد بن معاوية أول من حاول أن يترجم الكتب الفلسفية الالحادية الى اللغة العربية، امتداداً من ذلك اليوم وانتهاءاً بانتشار الافكار الديصانية، والافكار الافلاطونية الحديثة، والافكار الهندوكية والافكار المجوسية!!

الجواب: هو مجالس الذكر.

لا ريب ان العلماء الأمناء على حلال الله وحرامه هم أول من حافظ على هذه الثقافة، وأول من ضحى من أجلها.

فحينما كانت ورقة الكتاب تهمة تكفي لاعدام كاتبها، وحينما كانت الدنيا تضيق بأهل العلم الحقيقيين ولا تزال. حينئذ كان المنبر

الحسيني وجلسات الذكر ومواكب العزاء ومسيرات التعزية، كلها كانت أداة لتزريق الجماهير بثقافة رسالية حية صافية نقية بعيدة عن الرواسب الجاهلية وعن الافكار المستوردة.

لقد قلتآنفاًأن كربلاء ليست ملحمة للبطولة، وانما هي مدرسة لرسالة كلها بما فيها البطولة وبما فيها سائر عناوين الحياة. وحين دخلت ملحمة عاشوراء وعي الامة الاسلامية، فاننا لم نكن نخشى من انهيار ثقافي لان ركيزة ثقافية قوية قد تركزت في عمق الانسان المسلم بسبب كربلاء المقدسة، كون كل انسان مسلم لا سيما الفرد الرسالي يعيش في قلبه خريطة مصغرة لكربلاء ومنذ نعومه أظفاره. ويحمل في قلبه شخصية الامام الحسين عليه السلام، ليس الامام الشهيد فقط وانما كبار أصحابه وابناءه، فالعباس له مكانة خاصة في قلوب الموالين .. وعلي الاكبر، وحتى ذلك الطفل الرضيع الذي أعدم رمياً بالسهام في أرض كربلاء بعد أن ذاق الامرين من العطش والحر، انه هو الآخر يعيش مثلًا للبراءة .. ومثلًا للبطولة في قلب كل انسان مسلم، أليس كذلك؟!

فكيف يمكن لهذا المسلم الذي يعيش كربلاء ويذوب في ملحمة الحسين عليه السلام وتبقى مأساة أطفال الامام الحسين عليه السلام في قلبه أن ينسى رسالة الاسلام؟ رسالة هذه رموزها هل تنسى؟! وأساساً هناك ما يدغدغ حلم الانسان ويحرك أطيب مشاعره اذا لم تدغدغها ملحمة كربلاء؟!

الجواب: كلا.

ومن هنا أصبح المنبر الحسيني وما يرافقه من وسائل اعلامية - وأستخدم هنا كلمة المنبر بمفهومه الشامل- أصبح درعاً للامة الاسلامية من الهجمات الثقافية الخطيرة ولا يزال. وهنا نتسائل على ماذا تعتمد ثقافة أمتنا الاسلامية اليوم في العراق؟

فهل تعتمد على الصحافة التي تسود الاوراق كما تسود وجه التاريخ ووجه الانسانية البيضاء، حيث تراها كل صباح ومساء تمجد خطوات كل مجرم وكل سفاك معتد أثيم، وكل زنيم، هذه الصحف التي يكتب فيها المرتزقة أقاويل ملفقة. فقد كنت أقرأ العدد الاخير الذي سجل بتاريخ [30/ أكتوبر] من مجلة الحوادث احدى المجلات السائدة في فلك الرجعية السعودية وقرأت الواقفين ببلاط الرجعية السعودية [كالخدم المهنيين قرأتها فلم أجد كلمة واحدة عن الحج، بالرغم من أن الحج كان أقوى حدث وبارز وأكبر مؤتمر واعمق مسيرة وأشد تأثيراً وفعاليه، ولكن مع ذلك نرى بوضوح مرتزقة الرجعة السعودية] تدعي أنها حامية الحرمين الشريفينلم يكتبوا ولا كلمة واحدة عن الحج. لانهم قد نذروا أنفسهم للفساد وللجريمة ولبيان كل فكرة ملتوية رجعية متوغلة في التبعية والعبودية للغرب ولاميركا بالذات، وهم نظراً لذلك لا يسجلون تطلعات الامة، ولا يكتبون مسيرتها الحقيقية لا يوضحون الوحدة الاسلامية في الحج، وبدلًا من ذلك يذهبون ويسجلون مؤتمر الشمال والجنوب في المكسيك، ويكتبون تقريراً عن جنازة السادات صاحب معاهدة الكامب الخيانية، كل هذا يسجلونه في عشرات صفحات الصحف التابعة للرجعية السعودية .. هذه الأدارة العميلة التي عبئت لذلك الهجوم البربري الثقافي من قبل الغرب ضد أصالة امتنا الاسلامية وضد كرامة أمتنا الانسانية!! ومقابل ذلك يأتي المنبر الحسيني، وبطل عاشوراء الحسين، ليزود الامة بالطاقة والحيوية والاندفاع والحماس، وأيضاً بالفكر الاسلامي، الثوري الرصين والتقدمي.

ثالثاً: الثورة انتفاضة انسانية وحقيقة تاريخية

ان قيمة كربلاء وملحمتها الثورية ليست فقط في انها كانت ثورة، بل لانها ثورة في ثورة، وتغيير وتصحيح لمسار الثورات وحركات التغيير، انظروا الى التاريخ الاسلامي لتجدوا كم من ثورة انحرفت الى فوضى، وكم من ثورة تحولت الى حزبية ضيقة، والى ديكتاتورية ارهابية، وكم من ثورة نسيت أهدافها وتحولت الى ثورة مضادة حينما وصلت الى السلطة.

ضمانات استقامة الثورة

أولًا: الابتعاد عن الانحرافات النفسية والأهداف الدنيوية:

انني أدين وبشدة ما فعلته القرامطة في العالم الاسلامي، إذ انهم كانوا ثوريين، لكن ثورتهم انطلقت من دوافع الثأر والانتقام والبغضاء والحقد، ولكن أنظروا الى الامام الحسين عليه السلام في كربلاء، كيف يعلمنا دروس الثورة، قل لي أيها الانسان: أصحيح انك تثور لكرامتك دون أن تحقد؟!

يأتي الامام الحسين (ع) في كربلاء ويبكي بكاءاً عالياً وينشج بصوت رفيع، فيسأله أحد أصحابه، يابن رسول الله لماذا تبكي هذا البكاء

العالي وأنت أنت الحسين بن علي البطل الشجاع الذي خططت من أجل أن تستشهد في سبيل الله؟

قال: نعم ليس بكائي لنفسي ولا لاهل بيتي، وليس لهؤلاء القتلى من حولي. وإنما بكائي لأجل هؤلاء القوم الذين سيدخلون النار بسببي!!

كان يبكي لاعداءه، ويحاول قدر جهده أن ينصحهم ويهديهم طريق السبيل والرشاد، وكان من أجلهم يحارب، ولو تسنى للحسين (ع) أن ينتصر لفعل بهم ما وعد والده الامام علي بن أبي طالب (ع) أن يفعل بمن أرادقتله وهو «ابن ملجم» قال اذا أنا شفيت من هذه الضربة فسوف أعفو عنك.

الثورة يحب أن تكون بعيدة عن الحقد الاسود، وإلا فانها تتحول الى ثورة مضادة، لان الثورة يجب أن تقوم على منهج الله الحكيم، وإلا ستصبح شركاً!! الثورة يجب ان تكون من أجل الله لا من أجل الذات ولا من أجل الشهوات.

ثانياً: الهدف الأخروي:

الامام الحسين عليه السلام سار وهو يعلم انه سيقتل، ومن كان هذا أصلًا من أصول مسيرته، فإن ثورته لم تكن طلباً للمنصب. ولا بحثاً عن سلطان ولا من أجل العلو في الارض، وهو الذي كان يكرر قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 1.

خرج الامام الحسين عليه السلام، من مكة المكرمة الى أرض كربلاء كان يذّكر من حوله بقصة النبي يحيى، ويؤكد ويقول: «من هوان الدنيا على الله أن يهدى رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل».

لماذا؟

لكي يذّكر من حوله ويؤكد لهم ان حركته ليست لتنصيبه على رأس السلطة، أو للحصول على شهرة، وإنما كان يريد الآخرة وان الدنيا هينة، ولذا يسعى الى ما سوف يسبب ذبحه كما ذبح يحيى بن زكريا، ونحن هنا نتعلم من ثورة الامام الحسين عليه السلام ليس درساً واحداً فقط، وانما درسين:

1- درساً في أصل الثورة.

2- درساً في منهجها الرسالي.

رابعاً: الثقافة الرسالية قاعدة الثورة

ان الثقافة الرسالية التي حاول الامام الحسين عليه السلام وسعى من أجل بثها في الامة الاسلامية عشر سنوات قبل قيامه عليه الصلاة والسلام بثورته المباركة. كانت القاعدة التي يجب أن تنبعث منها الثورة. ولو انبعثت من غيره هذه الثقافة الرسالية لتعرضت لانحرافات ونكسات خطيرة.

جاء شمربن ذي الجوشن يقود حملة ضد الامام الحسين عليه السلام في عشية يوم تاسوعاء .. فبعث الامام الحسين أخاه العباس ليستكشف أهدافهم؟

فاذا هم يريدون قتله فاستمهلهم سواد تلك الليلة فقال بعض أصحاب الامام الحسين (ع) يابن رسول الله ولماذا؟

الحرب هي الحرب سواءاً اليوم أو غد. قال: لا، أريد أن اجدد ذكراً مع ربي له هذه اليلة، وأسكنه بقراءة القرآن.

لماذا؟

لا لكي يرتاح .. أو يكتب وصاياه الاخيرة .. كلا وانما ليزداد قرباً الى الله سبحانه وتعالى، وهذا درس في أن للثقافة الرسالية ضرورة قصوى في الثورة الصحيحة.

قبل فترة أكد الامام الخميني (حفظه الله) لوفد من قادة الحرس الثوري زاروه: (على الحركات التحررية في العالم ان تتعمق في الثقافة الرسالية) والواقع أنها وصية حسنة لكي نتحصن ضد مخاطر تحول الثورة الى الثورة المضادة، وان هذه المخاطر لا ينفعها سوى التحصن بالثقافة الرسالية الاصيلة.

ومن هنا تجد في خطب الامام الحسين (ع) وأدعيته يوم عاشوراءقد كررها أكثر من خمس مراتانه لم يكن يتحدث عن القضايا السياسية فحسب، وانما كان يركز على القضايا الايدلوجية، وعن التوحيد، وعن الاتصال بالله سبحانه وتعالى .. لان هذا هو الاساس وهذا هو الهدف.

خامساً: تجديد ذكر الامام الحسين (ع)

اننا يجب أن نحيي ذكر الامام الحسين، لان اية أمة اذا أرادت النجاح والانتصار، فلابد أن تحضر في تاريخها، وأن يكون تاريخها حاضراً في واقعها.

يحب أن نكون نحن في تاريخنا، لنكتب بروح عصرنا بمشاكلنا وبأوضاعنا وبتطلعاتنا السامية، وبمعنى نكتب من جديد، ونكتب حياتنا به.

لذلك نحيي ذكر الامام الحسين (ع) لتكون نوراً على مر كل السنين، ولتكون بطولاته نبراساً مضيئاً ولتكون حياتنا اليوم ومشاكلنا طريقاً لفهم ثورة الامام الحسين عليه السلام وحياته وثورته.

انك لا تستطيع أن تفهم ثورة الامام الحسين إلا بعد أن تفهم شبكات المؤامرات التي أحاطت اليوم بنا، لان هذه الظروف هي التي توضح لنا كيف قام الامام الحسين (ع)، كما أننا لا نستطيع ان نكسر الطوق المحيط بنا إلا اذا عرفنا كيف نستطيع تجديد وأعادة ملحمة كربلاء الى واقعنا .. نحن اليوم في عالمنا الاسلامي وبالذات في العراق نحتاج الى ملحمة من نوع ملحمة كربلاء، وإلا فان هذا الارهاب ووسائل القوى الوحشية ستنال من ثورة هذا الشعب.

وإن لم تكن الضربة من النظام العراقي، فانها ستكون من التكاتف الاستكباري ضد عموم الحركات الاسلامية، وقد أكد هذا التوجه التقريرات الخاصة التي رفعت الى رئيس الطغيان العالمي ريغان تدعوه فيها الى الاخذ بزمام المبادرة في ضرب حركات التحرر الاسلامية.

وخوفاً من المعادلة الجديدة التي سوف يسطرها الاسلامين بسواعدهم العاملة، فإنهم دأبوا على تزويد بعض الانظمة العربية بالسلاح لإرهاب واخماد هذا الصوت المعارض فبعثوا بالاواكس الى مصر من أجل مراقبة الخطوط الداخلية في مصر، ووافق مجلس الكونغرس الامريكي على بيع السعودية طائرات أواكس لذات الهدف. ثم يؤكد ريغان بكل صراحة: [انها لمصلة أمريكا]!! وما هي مصلحة أمريكا في الجزيرة العربية؟

بالطبع، ان مصلحتها في الجزيرة العربية هي منع تغيير النظام الحليف والصديق لهم!

إن شياطين الارض تجتمعالآنمن أجل محاصرة الثورة الاسلامية، ومن أجل تصفية الحركات الاسلامية. هذه الحركات المستضعفة النابعة من وضع اقتصادي، ثقافي، اجتماعي، سياسي، عسكري .. متخلف، فكيف يمكن لهذه الحركات أن تنتصر على تلك المؤامرات، وتلك الشبكة الواسعة من الخطط الاستعمارية؟

انها تستطيع الانتصار فقط بالطريقة الحسينية.

ان شعبنا في العراق الذي يتجدد حزننا في كل سنة جديدة، تتوالى عليه صنوف الويلات والمآسي خوفاً من أن يجدد ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) ويعلنها تجربة حية في أرض كربلاء بأرض العراق وفي أيام عاشوراء.

1- السبيل الوحيد للتخلص من قبضات الكبت والارهاب الوحشية، انما يتسنى بتفجير ثورة دائمة .. هي الثورة الحسينية ..

يجب أن يضحي اثنان وسبعون انسان من أجل بقاء «14» مليون يخرجون الى الشوارع ويكسرون طوق الارهاب، فيهب الجنود البواسل للانتفاضة والتمرد على القرارات العسكرية التي تأمرهم بالذهاب الى الجحيم.

اننا نستطيع أن نكتشف في يوم عاشوراء المؤمن الحقيقي الصادق الذي يذرف دمعه للحسين عليه السلام احتجاجاً على يزيد العراق صدام، وباكتشافنا لهذا المؤمن يجب أن نلتحق به، إذ ليس كل انسان في العراق مخبراً بعثياً كما يشيع البعثيون .. المباحث قليلون .. والأمن كذلك، وانما هذه خطة ارهابية من قبل صدام لزرع الشك بين المسلم وأخيه، ألا فليلتحم المسلمون في العراق! ألا فليتخذوا من ثورة الامام الحسين (ع) درساً في الالتحام البطولي الثوري، وليكونوا خلايا المقاومة الرسالية .. ألا فليتكل كل خمسة رجال أمثال أصحاب الامام الحسين (ع) أنى تسنى لهم في تأسيس حركتهم المستقلة من أجل تحريرالعراق. وبامكان كل انسان أن يتحرك اذا أراد، وبالتالي تستطيع كل خلية أن تقوم بدور نضالي في ضد هذه الطغمة الحاكمة، والى متى تبقى هذه الاصنام فوق رؤوسنا؟

ليتخذ الخطباء والقراء من الاماكن الحسينية في كل مكان، وليتخذ أصحاب المجالس، بل أقول لتتخذ الامهات الحواضن في البيوت والآباء والاخوات من قضية الامام الحسين (ع) منبراً ومنطلقاً لتعميق جذور الثورة في نفوس الابناء. لنقل لأولادنا: الامام الحسين (ع) قتل في ثورته ضد يزيد، ويزيدنا صدام الطاغية، فأين هو حسيننا؟

نقول ذلك للطفل لينشاً حسينياً، أولا أقل يحتذي بعلي الاكبر .. العباس .. حبيب ابن مظاهر. أو ليمثل الطفل دور عبدالله بن الحسن الذي قتل على جسد عمه الحسين (ع)، وكان آخر من استشهد من آل بيت رسول الله (ص) في واقعة الطف.

لنقل ونبين هذه الدروس لأولادنا، لاننا مسؤولون عن ذلك أمام الله سبحانه وتعالى ان لم نوضح هذه الحقائق لابنائنا، ونخلق منهم جيلا ثورياً يحمل مشعل الثورة من بعدنا. ولنتخذ من ملحمة عاشوراء درساً ونبراساً نستضيء به في ظلمات العصر اليزيدي الصدامي 2.

 

 

  • 1. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 83، الصفحة: 395.
  • 2. المصدر: الکتاب عاشورا امتداد حركة الانبياء، لآية الله السيد محمد تقي المدرسي دامت بركاته.