حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هكذا ورث الامام الحسين (ع) كليم اللّه
السلام عليك يا وارث موسى كليم الله
ان قيام الامام الحسين (ع) ونهضته الالهية هي امتداد لرسالة الانبياء، وفي كل فصل من فصول كربلاء درس وعبرة قد استلهمت من تاريخ الرسل والانبياء والمصلحين.
بين حركة موسى وحركة الامام الحسين
وما أشبه قيام سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام برسالة موسى (ع) من عدة وجوه ومن عدة نواحي.
الوجه الأول: الانقسام والتنازع الاجتماعي
ان رسالة موسى (ع) كانت قد هبطت على قوم كانوا قد انقسموا على أنفسهم فريقين، فالفريق الاول هو فريق المستكبرين الذين يسعون في الارض فساداً، والفريق الثاني هو فريق المستضعفين الذين يقاومون ذلك الفساد بقيادة رسول الله (س)، وحسب منهج سماوي.
وهكذا كان قيام الامام الحسين (ع)، تعبيراً حقيقياً عن ضمير الجماهير المستضعفة التي حاول الفريق المستكبر الحاكم المتمثل في بني أمية، أن سلبهم حريتهم وكرامتهم ودينهم.
على الرغم من أن هناك رسالات سماوية تختلف شيئاً ما عن ثورة الامام الحسين، حيث يقف الاغلبية المضلة من الناس في مواجهة الرسالة التي جاءت لانقاذهم، ويتدخل عامل الغيب في انقاذ الاقلية المؤمنة من الاكثرية الضالة المضلة، وتنتهي حضارة تلك الاكثرية أو ينتهي مجتمعهم وتهلك قريتهم، بصورة غيبية.
بينما بعض الرسالات لها علائم في ثورة الامام الحسينعليه الصلاة والسلاملا يمكن انكارها، وسنشير اليها، ولكن الخط العام لهذه النهضة كان أكثر شبهاً بالخطوط العامة لقيام المستضعفين في عهد موسى (ع) وبقيادته الرشيدة ضد فرعون وملئه.
وحين نقرأ القرآن الحكيم بتدبر، نجد أن قصة موسىعليه الصلاة والسلامقد ذكرت حوالي سبعين مرة، وتكررت سائر القصص أقل من هذا بكثير وربما يكون سبب ذلك يتلخص في أمرين:
اولا: ذلك الذي عبر عنه الرسول (ص)، قائلا، «لتحذون حذو بني اسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه».
ان تفاصيل حياة الامة الاسلامية تشبه حياة بني اسرائيل في عدة نقاط هي التالية:
1- لانها تلك الامة التي فضلت على العالمين بأمر الله سبحانه وتعالى، في بداية نشوئها وانطلاقها كما فضلت أمة بني اسرائيل.
2- لان تلك الامة التي فضلت باذن الله على العالمين قد دب اليها الانحراف فانحرفت، وعبدت مرة العجل وطالبت ثانية بصنم، وثالثة انحرفت باختيار الادنى على اللافضل، وهكذا دبت اليها الانحرافات التي ذكرت في سورة البقرة.
الوجه الثاني: الامام الحسين (ع) والنبي موسى (ع) صرخة الضمير الانساني.
ثانياً:لاان الضمير الجماهيري كان مع الامام الحسين (ع)، وهو يعبر عن ذلك الضمير بقوة واصرار.
ولقد التقى الامام الحسين (ع)، في مسيره الى كربلاء بالشاعر الكبير [الفرزدق] وهو من بني تميم، فسأله عن الناس في الكوفة فقال: يا أبا عبد الله [قلوبهم معك وسيوفهم عليك].
ان القلوب التي لم تستطع أن تعبر عن ذاتها بحمل السيف، والارادات الضعيفة التي استسلمت للواقع الفاسد كلها كانت في جانب قيامه المقدس، ومن هنا تماثلت وتشابهت حركة الامام الحسين (ع) في وجه يزيد مع حركة النبي موسى عليه الصلاة والسلام في وجه فرعون، ونجد في سورة الشعراء التي خضعتحسب الظاهرلبيان حركة الانبياء والوضع الاجتماعي الفاسد الذي كانت هذه الحركة تسعى من أجل اصلاحه، نجد في هذه السورة، وفي بدايتها بالذات آيات كثيرة وعديدة حول قصة موسى (ع).
أنظروا وتمعنوا في معنى الجانب من هذه الآيات لنعرف المفارقات بينها وبين قيام الامام الحسين (ع) يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ﴾ 1.
في هذه الآيات نجد التأكيد على دور القائد وضرورة استقامته، وضرورة شجاعته وبطولته وارتفاع مستواه من جميع النواحي وتكاملها، وتفوقه على ضعف نفسه، النبي موسى (ع) يقول لربه هو يأمره بدعوة قومه الى التقوى: «أخاف أن يكذبون».
انه كان يخاف أن يضيق صدره بتكذيبهم، ولا ينشرح أمام تكذبيهم، ويخاف أن لا ينطلق لسانه وبالتالي لا يفقهوا قوله، ويخاف أن يحملوا عليه ويقتلونه. واذا بالجواب من الله سبحانه وتعالى، كما جاء في القرآن الحكيم بكلمة واحدة: «قال كلا فاذهبنا بآياتنا انّا معكم مستمعون».
ان من يحمل رسالة السماء، ويضع على عاتقه الدفاع عن المحرومين والمستضعفين، يجب عليه أن يكون فوق تلك المعضلات التي بينها، وأن يتكل على الله سبحانه وتعالى ويعتمد عليه، ويسير وفق هداه، ولا يخاف ولا يخشيدركاً، ولا يتعثر بعقبة.
الامام الحسين وخريطة الثورة
أنظروا الى الامام الحسين (ع) حينما يرسم خريطة نهضته وحركته، منذ البدء يقول: «خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وكأن بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواريس وكربلاء».
في مكة المكرمة كانت الاخبار آنئذ تواترت بسقوط الكوفة بيد الحركة الاسلامية، والكوفة عاصمة اسلامية شهيرة آنذاك، أولا أقل احدى الخواصر الثلاث في العالم الاسلامي التي كانت تؤثر على مصير السياسة الاسلامية آنئذ، بالاضافة الى البصرة والشام، ولكن مع كل ذلك تجد الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، يوحي الى الجماهير المؤمنة الملتفة حوله في ظلال بيت الله الحرام، يوحي اليهم بأن مصيره هو الموت، وانه سيستمر على هذه الطريق حتى اذاكان ينتهي به الى الموت هو وأولاده ونساؤه الى القتل أو السبي.
«خط الموت على ولد آدم»
يعبر الامام الحسين (ع) عن الموت بالنهاية المفضلة والسعيدة والحتمية للانسان الذي يعيش الذل والهوان: الموت زينة الانسان اذا كانت الحياة ذلة وهوان.
«مخط القلادة على جيد الفتاة».
وتعبيراً عن مدى اشتيافه الى الموت يقول: «ما أولهني الى أسلافي».
كم أنا مشتاق ووله للوصول الى الذين مضوا من آل بيتي لالحق بهم كما كان يعقوب مشتاقاً الى يوسف.
الوجه الثالث: القيادة الالهية الصحيحة
وهذه هي الصفة الاساسية المشتركة بين الحركتين وبين النهضتين، صفة ذلك القائد الذي لا يأبه بأي عقبة، ولا يتأثر بأي صعوبة في طريقه، وهذه هي الصفة المشتركة أيضاً بين حركة الامام الحسين (ع) وكل حركة رسالية تريد أن توقظ ضمير الجماهير الذي لفه الخوف والجبن والجمود، الجماهير المؤمنة التي كانت في عصر الامام الحسين (ع)، وربما حتى في عصرنا هي التي تعرف مصالحها، وتعرف ان حكامها ظلمة ومنحرفون، وتعلم بأن الطريق هو الثورة ومجابهة العنف الارهابي بالعنف الثوري، أو لا أفل مجابهة ذلك العنف بالشجاعة وبإراقة الدماء وبحمل راية المظومين.
ان الجماهير تعرف كل ذك ولكن لا تملك الشجاعة الكافية، وهنا يأتي دور القائد الذي يملك تلك الشجاعة ويقدم ويصبح رائداً في هذه
المسيرة، ويصبح طليعة الامة في هذا الطريق فيلتحق به الآخرون، بعد ما يكسر طوق الخوف والارهاب، وبعد ما يفك عن نفسه أغلال الجبن والجمود، وعندما يكون شمعاً يذوب وينير للآخرين دروب العزة والكرامة وطريق الانسانية السعيدة. وهكذا كان موسى (ع) حيث أمره الله سبحانه وتعالى بأن يصرخ ويقول بملىء فيه: كلا.
وكلمة كلا كلمة كبيرة، قلّما نجد هكذا خطاب بين الله وبين رسله. وموسى حينما يقول: «أني أخاف أن يقتلون».
ويقول كلا: «وأخاف أن يكذبون».
يقول كلا: «أخاف أن يضيق صدري».
ويقول أيضاً كلا. كل ذلك لا يكون في منطق الرسل وفي منطق أتباعهم حيث ولا وهن ولا حزن ولا خوف ولا جبن ولا تردد ولا شك، وإنما يجب أن يسير مع المناضلين في طريق الله سبحانه وتعالى، والجهاد في سبيله.
الوجه الرابع: وحدة الهدف.
عندالتتبع التاريخي والتمعن الدقيق نجد ان حركة موسى (ع) كانت تهدف انقاذ الجماهير المستضعفة، هذا هو الهدف القريب لرسالة موسى (ع)، وهكذا كان هدف الامام الحسين (ع)، وكذلك سائر الحركات التحررية الرسالية، على طول التاريخ، التي كان هدفها تحرير الانسان من الاغلال والطواغيت.
وكما قال الامام زين العابدين وهو يبين هدف الحركات الرسالية:
«اخراج الناس من عبادة العباد الى عبادة الله».
أهداف حركة الامام الحسين (ع).
ثار الامام الحسين (ع) وتحرك، ولكنه لم يخرج ليحكم، أو ليحصل على منصب ومن وراءه يأمر وينهي، كلا .. وقد قالها عندما وضع أهداف حركته الرسالية قائلا:
«ألا وأني لم أخرج بطرأ ولا أشراً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي وشيعة أبي علي (ع)».
هذا هو شعار الامام الحسين (ع) الذي لم يبدأ حركته الرسالية من أجل أن يصبح حاكماً وهو الذي كان يكرر الآية الكريمة: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 2.
لم يخرج الامام الحسين (ع) من أجل الفساد ولم يكن هدفه البغي في الارض كما أتهمه أعداؤه، كان بأمكان الامام الحسين (ع) وهو يملك تلك القوة والشجاعة، بل وتلك الشرعية أن يفعل ما فعله ابن الزبير من بعده، وما فعلته حركة القرامطة في البحرين والبصرة وما فعلته ثورة الزنج في البصرة التي كادت أن تسيطر على بغداد، وما فعله غيره من الذين حملوا راية الثورة، ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك ولم يجبر أحد بالالتحاق به، وكان الامام الحسين (ع) في مكة المكرمة أميراً الحج، ولو بقي في مكة تلك السنة مع تلك الجماهير التي كانت تلتف من حوله وتصلي وراءه، وقد كان هو القائد الروحي الذي لا يرقى اليه شك في العالم الاسلامي كله، لكن مع ذلك لم يتسلط ويتجبر على الناس بقوة السلاح، وكان بامكانه أن يفعل ذلك، ولم يجذب الناس في مكة لحركته بالقوة، ولم يخضعهم له بل بيّن لهم كل الحقيقة، حتى انه حينما جيء اليه بخبر مقتل مسلم بن عقيل، وتحوّل الكوفة من الثورة على الحكم الظالم الى الثورة المضادة حيث عمل ابن زياد في الكوفة حركة انقلابية مضادة ضد الحركة الثورية الرسالية التي قادها مسلم بن عقيل، وقتل مسلم وقتل هاني معه، وحينما وصل الامام الحسين (ع) هذا الخبر وهو في منزل بين كربلاء ومكة المكرمة اسمه «زورد» قال له ذلك الذي جاء بالخبر، يابن رسول الله أخبرك سراً أم علناً، قال دون هؤلاء من سر، وكان الامام الحسين عليه الصلاة والسلام يعرف خبر السوء في الكوفة، وكان يعرف ان هذا الركب إنما انحرف عن الطريق وتنكب عن الطريق لكي لا يلتقى به فينبأه بأخبار الكوفة، ولكن مع ذلك قال ما دون هؤلاء القوم من سر، لماذا؟
لان حركته كانت اصلاحية لا سائرة ضمن حركة الطاغوت، لم تهدف الى تحكيم طاغوت مكان طاغوت آخر، انّى كان الطاغوت الثاني وتحت أي شعار كان، وهكذا نجد الهدف المشترك بين الحركتين في التاريخ، حركة النبي موسى عليه الصلاة والسلام، وحركة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، وهذا هوالقرآن الحكيم يقول: ﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ 3.
الوجه الخامس: السلاح المشترك.
«العصا والشجاعة».
ونجد جانب آخر، حينما يقول موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون، كما جاء في القرآن الحكيم: ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ 4.
لقد كان الامام الحسين (ع) في كربلاء وفي الساعات الاواخر من حياته المباركة يقول هذه الكلمة: «يا شيعة آل أبي سفيان ان لم يكن لكم دين، ولا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم ان كنتم عرباً كما تزعمون».
ان هذه الكلمة إيحاء، بل تصريح بأن الامام الحسين (ع) إنما جاء ليكي يستنقد أولئك الذين أصبحوا شيعة لآل أبي سفيان من براثن عبودية آل أبي سفيان، وهكذا النبي موسى (ع) مقابل هذه يقول لفرعون: «وتلك نعمة تمنّها عليّ ان عبدت بني اسرائيل».
هل هذه نعمة ان أصبحت أنت رجلًا حاكماً تسيطر عليرقاب المستضفعين باسم أوبآخر، وهل كانت نعمة أن يأتي آل سفيان ليتحكموا في مصير الامة الاسلامية ويستعبدوا الناس.
ونجد عند الامام الحسين عليه الصلاة والسلام والنبي موسى (ع) ثعباناً مشتركاً فالنبي موسى (ع) زوده الله تعالى بتلك العصا التي تحولت الى ثعبان مبين، أما الامام الحسين عليه الصلاة والسلام فقد زوده الله تعالى بتلك الشجاعة والبطولة، آية النبي موسى (ع) كانت الثعبان وكانت العصا، وآية الامام الحسين (ع) كانت هي الشجاعة الحسينية التي تحدت كل الصعاب، وهي التي كانت وراء تحول الجماهير بعد الامام الحسين (ع) الى صف لحركة الثورية الرسالية.
المرحلة الجهادية للأمة الاسلامية
في عهد الرسول (ص)، كان الرجل اذا لم يتحرك في سبيل الجهاد فلابد أن يمنى نفسه أو يحدثها بهذه الحركة، ويقول: ان شاء الله ستسنح لي فرصة الجهاد في المستقبل، وان فاتني هذا الجهاد، فسوف أجاهد في المرة القادمة، والجهاد كان يملك شرعية اجتماعية وجماهيرية في عهد الرسول (ص) والى عصر الامام الحسين (ع)، ولكن الثورة التحررية لم تكن تملك تلك الشرعية، والجماهير لم تكن تحدث نفسها بأن تقتل في سبيل الدفاع عن الحرية والكرامة ولمقاومة الطاغوت، ولم تكن تمنيّ نفسها بذلك، ولكن بعد مقتل الامام الحسين (ع) نجد العكس، أي أن اية راية كانت ترفع من أجل مقاومة الحكم الاموي، كان الناس يجتمعون حول هذه الراية بشكل غريب، لذلك تجد ان حركة التوابين في الكوفة بعد أربع سنوات من مقتل الامام الحسين (في سنة 65/ هجرية) شاعت هذه الحركة بشكل غريب في الكوفة كما النار في الهشيم، وألتفت حولها الجماهير من دون أن يكون هؤلاء الناس منتمين سابقاً الى أي حزب أو منظمة أو حركة أو أي جماعة، وإنما كانوا يظهرون وكما العشب في أيام الربيع ينبت من الارض، وهكذا كان الثوريون ينبتون من الارض، وقضى جيش الارهاب على هذه الحركة، ولكن لم تلبث هذه الحركة ان تجددت لوجود المد الجماهيري، ثم قضى جيش الارهاب الذي كونه النظام لهذه الغاية على الحركة الثانية وهي حركة المختار، ثم مرة أخرى ظهرت حركة ثالثة، وحركة رابعة، وحركة خامسة، وحركات أخرى حتى أنه لم يكن الناس يفكرون في من يحمل الراية ومن هو؟ وما هي أهدافه؟ وحتى انكم تجدون ان بني العباس قد ظهروا على أعدائهم من بني أمية، وحكموا البلاد باسم الامام الحسين (ع)، وشعار بني العباس كان السواد، ولبس السواد، فلماذا كانوا يلبسون السواد؟
لانهم كانوا يدّعون بأنهم يدافعون عن الامام الحسين (ع)، هذه الكلمة كانت تلهب حماس الجماهير بشكل غريب وتثيرفيهم كل عواطف الانسانية وتشحن ضمائرهم بالارادة والعزيمة، لماذا؟
لان الامام الحسين (ع) قد أكسب الثورة شرعية، ولم تصبح الثورة ذات شرعية إلا باسم الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، ولكن الى أن تعتقد الجماهير بأن الشرعية الحقيقية في المجتمع هي شرعية الثورة، والى أن تعلم الجماهير بذلك، فالامر بحاجة الى وقت طويل.
تحول موقف البصرة
وقد وقف المؤرخون أمام ظاهرة تاريخية موقف التعجب، وهي ظاهرة تحول البصرة التي كانت منذ عهد الامام علي (ع) قد وقفت موقفاً مضاداً للثورة، ولكن حينما نزل الثائر ابراهيم الاخ الثائر محمد بن عبدالله المعروف بذي النفس الزكية تحولت بين عشية وضحاها من مدينة مضادة للثورة، ومن قلعة محصنة للانظمة الفاسدة الى قلعة من قلاع الثورة، وحاربت من أجل الثورة حتى ان كثيراً من العلماء من الائمة المعروفين قد افتوا بأن البيعة التي بايعها الناس مكرهين يمكن ابطالها، فبطلت البيعة، وبايع الناس مرة أخرى، محمداً على أساس انه الخليفة الشرعي، وحاربوا تحت لواء أخيه لماذا؟
لان الثورة قد اكتسبت شرعية جماهيرية، الجماهير قد تعودت على الانطلاق، وكما كانت الجماهير سابقاً وفي أيام الرسول (ص) تلتف حول راية الجهاد أصبحت الجماهير وبسبب حركة الامام الحسين (ع) تلتف حول راية الثورة، ان هذا هو الثعبان.
انه يشبه الثعبان الذي كان آية لموسى (ع) وانها لآية الدم وآية البطولة التي ترافق إراقة الدماء أن يصبح الانسان مظلوماً فيقتل فيثير احساساً في الناس ويشحن في عزائمهم إرادة التحدي، مثل ما حدث في ايران حينما وجدنا كيف كان الناس يتحدون الدبابات والمدافع وطائرات الهيلوكبتر العمودية المزودة برشاشات 500، كانوا يتحدونها بصدروهم العارية فيقتلون حينئذ، مما يثير في الناس جميعاً الحماس، فاذا بك ترى وكأن ظاهرة عاشوراء تبعث من جديد قبل أربع سنوات في شوارع طهران، فعدة ملايين من الناس يتظاهرون ضد الشاه المقبور.
ما الذي حرك هذه الملايين؟
لقد اكتشف هؤلاء الملايين ان لديهم سلاحاً من أنفسهم هو سلاح التحدي، وهو السلاح الذي عبر عنه الامام بالدم الذي ينتصر على السيف، وأي دم على أي سيف؟
الدم الذي ترافقه البطولة والشجاعة لا المكر والخديعة. الدم الذي أريق في أرض كربلاء كان دماً شجاعاً، والامام الحسين عليه الصلاة والسلام لم يترك استراتيجية حربية إلا واستخدمها في كربلاء، وكل طريقة ممكنة للكيد بالعدو استخدمها الامام الحسين (ع)، إلا الطرق الهابطة اللا انسانية فلم يمنع الماء عن العدو، لان منع الماء عن العدو ومنع الضرورات الحياتية وسائل سافلة ومنحطة، ولا تستعمل لإثبات حق وتأكيد مظلوميته (ع)، وما فعله من قبل والده الامام علي (ع) في حرب صفين حين سقى الجيش المعادي الذي كان بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، أما غير هذه الطرق اللانسانية، هناك طرق أخرى شريفة استخدمها الامام الحسين (ع)، لماذا؟
لان الانسان اذا أراد أن يموت فليمت بشجاعة فليمت بشرف، وزينب الكبرى (ع) قالت في الكوفة متحدية شماتة ابن زياد، قالت بلى ان أخى قد استشهد في كربلاء، ولكن متى؟
لم يستشهد إلا بعد أن أدخل في كل بيت من بيوت الكوفة العزاء وهذا هو الحق. الامام الحسين عليه الصلاة والسلام وأصحابه قد أخذوا ثأرهم من أعدائهم، وهكذا المجاهدون عبر التاريخ الذين كانوا يطلبون الموت، لان الشهادة شرف وان الموت في الله حياة، لم يكونوا يريدون أن يموتوا على فراشهم، ولا في قعر السجون أو صبراً باعدام الارهابين من أصحاب السلطات الفاسدة .. كلا، إنما اختاورا الطريق الامثل فكانوا يدخلون في ساحة المعركة بشجاعة فيقتلون ثم يقتلون، بعد أن يأخذ بثأره وثأر إمته من أعداءه، ان هذا هو الدم الذي ينتصر على السيف، وهذا بالذات كان آية الامام الحسين عليه الصلاة والسلام التي تقابل آية العصى عند النبي موسى عليه الصلاة والسلام 5.
-
ثورة الامام الحسين (ع) دروس وعبر
-
الامام الحسين (ع) وارث أنبياء الله
-
للمزيد راجع كتاب عاشورا امتداد حركة الانبياء
- 1. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآيات: 10 - 15، الصفحة: 367.
- 2. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 83، الصفحة: 395.
- 3. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 16 و 17، الصفحة: 367.
- 4. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 22، الصفحة: 368.
- 5. المصدر: الکتاب عاشورا امتداد حركة الانبياء، لآية الله السيد محمد تقي المدرسي دامت بركاته.