حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
حتميّة الظهور
لا تعني حتميّة الظهور اُمنيةً مجرّدةً تُنتزعُ من دواعي الحاجة الملحّة للتغيير المجرّد، بل هي (خلاصة) الغرض الإلهي الذي من شأنه أن يخلق الخلق (ليعبدوه)، (ليوحّدوه)، (ليعرفوه)، (ليطيعوه)1، والعبادة هذه والوحدانيّة والمعرفة والطاعة لا يمكن الوصول إليها ما لم يكن هناك تبليغٌ عن الله تعالى لاُولئك الخلق الذين هم عبادهُ ومطيعوه، ولا يتسنّى ذلك إلاّ عن طريق من اصطفاهم من عباده ليكونوا الوسائط بينه وبين خلقه.
فبعث الله النبيّين، وأنزل كتبهُ منذرةً ومبشّرةً، وهاديةً وداعيةً، ولم تنطلق دعوة الهداية دونما هناك قيّمٌ عليها، متبصّرٌ بشؤونها، مسدّدٌ من قِبل الله تعالى في بيانها، وكلّ ذلك من لدن رسل الله وأوصيائهم حتّى يختمه الله بنبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ليتوارثه أوصياؤه واحداً بعد واحد مبلّغين، منذرين، داعين إلى الله وحده، وتركِ كلّ وليجةٍ دونه... ولم يئل الأمر إلى ذلك حتّى يتزايد الصراع بين الحقّ والباطل، ويسود الظلم ويعمّ الجور.
ولم تزل فوضى الإمتهان والهدر لكرامة الإنسان تتصاعد وتائرها بشكل تتفاقم معها الأزمات، وتتضاءل احتماليّة الحلول، وتُستبعد إمكانيّة الانقاذ من تلك المحن المحدقة بالوجود الإنساني فضلاً عن كرامته.
ومع هذه الانهيارات المهدِّدة لمستقبل الإنسان في ظل الاُطروحات المبثوثة في عالم الصراع السياسي، أو التنظير الحزبي، أو التصنيف الفئوي... تتزايد الحاجة الملحّة لانتشالِ العالم من ورطته، وتصبو النفوس المتطلّعة لإنقاذ الإنسان من محنته، وتتوجّه (عفويّة) الفطرة إلى الأمل المنشود بعد أن حطّت رحالها جميع تلك الاُطروحات (المدّعية) للإصلاح، وسئمت الشعوب المقهورة من محاولات الإصلاح (الماكرة) والشعارات الخادعة التي تعِدْ الشعوب بإنقاذها ممّا هي عليه من البؤس والشقاء... مع هذه الانهيارات الفكريّة، والانحرافات الأخلاقيّة، والانتهاكات الإنسانيّة التي يشهدها عالمٌ (طائشٌ) باُطروحاته التنظيريّة، وإصلاحاته الوضعيّة، تشخصُ الأبصار إلى السماء متطلّعة إلى حلٍّ ينشرُ معه السلام في ربوع هذه الأرض المقهورة... أجل تتعلّقُ هذه النفوس المنكسّرةِ بكلّ شوقٍ إلى من ينقذها... إلى منْ يصرخُ في وجوه الظلم ليزلزل عروش الطغيان... إنّه المنقذ الموعود الذي تتطلّعُ إليه كلّ الآهات وزفرات المعذّبين تحت وطأة أنظمة الجور والعدوان.
إذن لابدّ من إنقاذ هذا العالم الممتحن، وانتشال المحرومين والمستضعفين... وإذا كان الأمر كذلك فسينعم العالم بالسلام، وينتشر العدل بعد معاناة من الصراعات الدامية التي شهدتها الإنسانيّة على طول تاريخها المضرّج بالدماء، وستنتهي الفوضى ومعها أعاصير الفتن وتيّارات المحن الهائجة التي تعصفُ بكلّ ما هو جميل، وتقتلعُ كلّ خير... ومن ثَمّ تتوطّدُ قيم المحبّةِ والعدلِ والوئام، وينشد الجميع هدفاً واحداً، وهو العدل والسلام، ومن ثَمّ يتطلّعُ العالم إلى نظامٍ واحد يكفل طموحاته المشرقة بالأمن والرخاء، أي سيصبو المجتمع الإنساني إلى اتّجاهٍ واحدٍ ونظرةٍ كونيّةٍ موحّدة يضمنها دين واحد، أي الطاعة لنظامٍ واحد، وهو العبوديّة الخالصة لله تعالى، وسيكون الدين لله وحده... وبهذا سيتحقّق الهدف الإلهي لهذا الكون، والحكمة من هذا الخلق... ولا يتمّ ذلك إلاّ من خلالِ قيادةٍ عالميّةٍ موحّدة ضمن نظامٍ إصلاحيٍ عالميٍ موحّد، وهو ما يعتقدهُ المسلمون بظهور هذا المصلح، وهو المهدي من آل محمّد، الذي يملأها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً... أي نهاية كافّة مظاهر الصراع الدولي، أو الإقليمي، أو القبائلي، أو الفردي، بعد ما تسود اُطروحة الإصلاح التي سيقدّمها ذلك المصلح المنتظر 2.