حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
حضارة الروح تتحدى طغاة المال و القوة
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ 1.
هل للثروة والقوة والسلطة قيمة ذاتية مجردة تستحق أن يسعى الإنسان من أجلها أو يوقف حياته للوصول إليها ؟
إنك لو سألت طفلاً عن القيمة الذاتية للدرهم أو السكين ، لأجابك بكل براءة أن السكين التي تستخدمها أمه في المطبخ ، أو تلك التي قد يضطر إلى استعمالها في الدفاع عن نفسه ضد حيوان ما ، وكذلك المال الذي يشتري به ملابس المدرسة أو طعاماً يتغذى به ، مثل هذه السكين وهذا المال لهما قيمتهما الجيدة ، أما السكين التي تجرحه والمال الذي قد يشتري به أبوه المخدرات أو الخمرة ، فإنهما غير جيدين بالمرّة .
إذن ؛ فحسن الثروة والقوة يتحدد بنوعية الهدف الذي من أجله يستخدمان ، باعتبار أنهما لا قيمة ذاتية لهما .
وهنا بالذات كانت مشكلة البشرية عبر التاريخ تكمن في تحول الثروة والقوة والسلطة من كونها وسيلة إلى هدف وقيمة ذاتية ، الأمر الذي أدى بها إلى التصارع والارتطام على أعلى المستويات . . فكان الإنسان يدخل السوق وهدفه الأولوالأخير أن يصبح ثرياً ، ساحقاً كل القيم ، متجاوزاً المقدسات والمعايير الإنسانية وأصول التعامل . . فأكل أموال الناس والتهام حقوقهم وتعامل بالربا ودفع الرشوة وغش المبتاعين . . وذلك لمجرد اقتناص الدينار والدرهم . وأكثر من ذلك ،كنت ترى مثل هذا الإنسان يتجاوز حتى عواطفه ويضيق على أهله من الأبناء والزوجة ، بل وعلى نفسه أيضاً ، بداعيعلاقته بالثروة التي تعمقت ووصلت إلى حد العبادة .
وكم من رجل جمع مالاً ، ولكنه تركه لغيره ؛ وكم كان من الناس من عبد القدرة والسلطة ، تاركين المقدسات وراء أظهرهم . .
هذا ما كان على المستوى الفردي ، أما على مستوى الحضارات ، فقد عرفنا أن الكثير من المدنيات قد قامت على أساسهذا النوع من التوجه والاهتمام ، وهي الآن في عالم العدم ـ إن صح التعبير ـ إذ لا أثر لها إلاّ ما جمعته المتاحف أو حوتهالكتب في اُحدوثاتها ، لأنها بدلاً من أن تستخدم الثروة والقوة كوسيلة لما هو سامٍ من الأهداف ، اعتبرتها هدفاً ذا قيمة ذاتية ، فضاعت واندثرت أثناء سعيها وراء مثل هذا السراب المخادع ، فامتلكتهم الأموال وتسلطت عليهم القوة ، عوضاً عن أن يمتلكوها أو يمسكوا بأعنتها .
ولقد حوى التأريخ أمثلة كثيرة جداً بالنسبة للأفراد أو الحضارات التي درستها الثروة وأصبحت وبالاً عليها .
أما المثال الذي خلده القرآن الكريم في أكثر من موقع ؛ فهو مثال قارون ومثال صاحب الجنتين . .
. . كان قارون رجلاً بسيطاً من قوم النبي موسىعليه السلام ، أنعم اللَّه عليه ، فنسي نفسه ، معتمداً التآمر حتى ضد الرسالة الإلهية .
يقول تبارك اسمه : ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ... ﴾ 2، وهي أشبه ما تكون بالصندوق الأسود الذي يحمله الوفد المرافق للرئيس الأميركي ويحرسه أينما يذهب ، ولو إلى سرير النوم!!
فنصحه المؤمنون العارفون من قومه ، إذ قالوا له : ﴿ ... لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 3.
أي إن الفرح والاستعلاء والاستهتار ينتهي إلى الفساد في الأرض ، واللَّه لا يحب المفسدين ؛ لأن ذلك لا يمر في طريق وعقيدة اعتبار الثروة مجرد وسيلة إلى إحراز الفوز بالدار الآخرة ، كما أنه يشوش الصورة الحقيقية للدنيا التي أوجدها اللَّه سبحانه وتعالى كمحطة في طريق الدار الآخرة ، بالإضافة إلى أن مجرد اتخاذ اكتساب الثروة هدفاً ذاتياً يؤديبصاحبه إلى الطغيان ، فينسى أصل الإحسان ؛ هذا الأصل الإنساني الكفيل بتحقيق التكافؤ الاجتماعي والتضامن بينأفراد الأمة .
ولكن قارون ترجم طغيانه واستعلائه بعبارات لا تنم إلاّ عن الجهل وانعدام التصور الحق ، فقال لهم . . ﴿ ... إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ... ﴾ 4. أي أنه نفى حقيقة أن الرزق والإمكانات بيد اللَّه يؤتيهما من يشاء ويمنعهما من يشاء لحكمة وإرادة خاصتين به دون سواه . فقارون لم يكلف نفسه مجرد التفكير في محدوديته ، وأن علمه وأسلوبه ومجهوده في سبيلجمع الثروة ، هو نعمة من اللَّه أيضاً ، وأن من دون هذه النعمة الربانية يبقى الإنسان بلا حول ولا قوة .
ثم بدأ يتغافل عن نهاية ومصير كل إنسان ، وهو الموت والهلاك ، وتناسى كل صفحات التاريخ البشري ، وخادع نفسهبالبقاء إلى أبد الآبدين . . وقد وصف القرآن الكريم واقعه المؤسف هذا بالقول الشريف : ﴿ ... أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ 4.
تُرى هل غاب عن ذاكرة قارون مصير الأثرياء والملوك والدول والحضارات التي سبقت زمنه ؟!
أما صاحب الجنتين ، فيقول اللَّه تعالى عنه : ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ 5.
لقد تملّكه الطغيان ، وتملكته الغفلة عن القيمة الحقيقية لما أنعم اللَّه عليه ، فأصبح من النادمين على ما أشرك بربه ، إذ تفرقعنه أعوانه وحلفاؤه الذين كان قد طغى بهم . .
إن السنة الإلهية بهذا الصدد تؤكد أن المالك الحقيقي لكل شيء هو اللَّه عز وجل ، وهو صاحب الولاية الأصلية علىالمخلوقات وما في أيديهم ، وهم لا يذهبون إلاّ باطلاً في تصورهم بأنهم أصحاب ثروة أو قوة أو سلطة . . فالغرض من كلنعمة ينعمها اللَّه على عبد من عبيده ، هو الامتحان والابتلاء .
أما بالنسبة إلى تاريخ الحضارات فأقول : إن الحضارة الإسلامية التي قامت على أساس القيم والأخلاق ووعي السننالإلهية التي وضعت للتأريخ ـ رغم أن كثيراً من الحكام المسلمين كانوا حكاماً ظالمين وطغاة ـ رغم ذلك ، فإن الحضارة الإسلامية خلّفت وراءها الأخلاق والتطور والعمران لجميع الشعوب والبلدان التي لاقتها أو دخلتها . أما الحضاراتالقائمة على أساس الاستغلال والطغيان ، وآخرها الحضارة الغربية ، فصفحات التأريخ البشري الخاصة بها تشير إلى أنمثل تلك الحضارات لم تخلف سوى الجهل والتفرقة والاستغلال والدمار في الشعوب التي استولت عليها ، وأوضح دليلعلى ذلك هو ما تعانيه الشعوب الأفريقية أو الآسيوية التي أصبحت مسرحاً لفصول الاستعمار الغربي منذ قرون ، وهذا كله لم يكن له أن يحدث لو لم تكن الحضارة الغربية قائمة على أساس المادة ، ومبنية على أصل اعتبار المال والقوة هدفاً يسعى إليه . . ومثل الحضارة الغربية كانت الحضارة البابلية والمصرية وغيرهما .
لقد عدَّ المؤرخون ك( تويمبى ) و ( ابن خلدون ) وغيرهما أكثر من عشرين حضارة عبر التأريخ ،كما بينوا عوامل تفوقها وأفولها . وقبلهم كانت آيات القرآن الحكيم وروايات النبي وأهل البيتعليهم السلام قد بينت جميع السننالإلهية الثابتة في نهاية وسقوط الحضارات . . وكانت كلها قد أجمعت الرأي على أن الحضارات القائمة على أساس الطغيان والاستعلاء وعبادة المال والقوة ، محكومة بالفشل مسبقاً ؛ إلاّ أن الأمر الذي أطال عمر بعضها دون بعض هو مستوىالظلم والكبت الذي كانت تمارسه ضد شعوبها ، ولكن الأصل في ذلك هو تحقق فشلها الذريع وانكشاف الحقيقة ولو إلىحين .
ولتوضيح هذه الحقيقة القرآنية والتأريخ أضرب مثلاً بهذا الصدد فأقول : إن حركة التنمية الاقتصادية لأية حضارة كانت ، بمثابة حركة القطار الذي تسيره عربة القيادة ، وتجر عدداً من المقطورات . فقد تكون قاطرة ذات تكنولوجيا متقدمة ، ولكن في الوقت ذاته تعود بالضرر على الركاب ، مما يعني أنهم قد لا يصلون إلى النقطة المرجوّة بداعي تسرعهم ، وقد تكون القاطرة ـ عربة القيادة ـ بمحركات ذات ضجيج مرتفع جداً ، إذ لا يصل الركاب إلى هدفهم إلاّ بعد فقدهم لأعصابهم . وثمة قاطرة متفاوتة ، فهي تتصف بالاتزان والتعادل في الحركة والسلامة في نوعية الوقود أو الحمولة ، مع احتمال تأخرها في الوصول .
فقاطرة التقدم الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو التأريخي الأفضل والأرقى بحق هي تلك القاطرة التي تقود الناس وتسير بهم بوقود الإيمان والتقوى لتصل بهم إلى الاستقرار والاطمئنان . .
إن المدنية الأميركية ـ مثلاً ـ قامت على أساس اغتصاب الأرض وقتل وإبادة أصحابها من الهنود الحمر بلذة عارمة ،كما أنها قامت على أكتاف مئات الملايين من الأفارقة الذين سرقوا من قارتهم لأداء مراسم العبودية والخدمة ، فكانتهذه المدنية قائمة على الاستغلال والجشع وعبادة المال والقوة واحتكار الحريات السياسية في حزبين فقط ، وهما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي ، تحت مظلة الدعاية والإعلام الذي لا يعرض للعالم إلاّ ما يخدعهم ويصور لهم أن جنة الأرض هي الولايات المتحدة ، خافياً وراءها كل الجرائم والفساد والكبت والتدمير والنية في القضاء على طموحاتالشعوب الأخرى وتطلعاتها ومعتقداتها ، وكان آخر عمليات الإخفاء هذه ، هي محاولات الاستتار وراء إنشاء القرية العالمية الواحدة ، لتتم السيطرة على مقدرات العالم كله .
ولكن تبقى المشكلة نفسها ، وهي أن منظري الاستراتيجية الأميركية التي تمثل إلى حدود واسعة طبيعة الفكر الاستعماري الغربي عموماً ، هؤلاء يحاولون تجاوز الحقائق التاريخية الثابتة والسنن الإلهية غير القابلة للتبديل أو التحويل والتحريف ، مثل قوله سبحانه وتعالى : ﴿ ... أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ... ﴾ 4، الذي يشير بوضوح إلى أن المال والقوة وما يحتويه هذان العاملان محكومان بالفناء وعدم الخلود ، وأن الخالد فقط هو المعتقد والعمل الصالحين والقائمين على أساس الحق والإنسانية النزيهة .
وأبرز مصداق على ذلك قصة أصحاب الفيل الذين تركهم اللَّه كعصف مأكول قرب صحراء مكة ، رغم ما جمعوه من الفيلة وعوامل القوة الأخرى التي كانت تفوق كل قوة في ذلك الوقت . .
إنني لا أريد تشبيه دمار أصحاب الفيل بحادثة الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر ، التي أطاحت ببرجي التجارة العالمية في مدينة نيويورك ، لأن من قام بهذه العملية الأخيرة غير محترم من قبلنا ، كما أن هذا العمل لم يكن شريفاً ؛ ولكن بالإمكان القول بأن لكل حضارة علامة على اُفولها ، كما كانت لها علامة الطلوع والظهور . . وقد تأكد العالم بأن انهيار الاتحاد السوفياتي السابق كان له علامته ، وهي تفجر المفاعل النووي العملاق الموسوم بـ ( تشرنوبيل ) أواخر عقد الثمانيّات ، رغم أن السياسة السوفياتية بذلت مساعيها للتكتم على هذه الحادثة التأريخية . وها هم خبراء التأريخ يرسمون نفس الخط البياني ليؤكدوا أن تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك علامة انهيار النظام الرأسمالي الأميركي .
إن الحضارة التي أسلمت زمام قيادتها للثروة والقوة محكومة بالانتهاء والاُفول ، ذلك لأن قانون السماء قد جعل الموت في صميم الحياة ، إلا أن الموت والحياة يتصلان بإرادة اللَّه وتوقيته الحكيم . ولكن يبدو أن طبيعة النظام الغربي الحاكم في أميركا يستعجل الفناء ، بعدم قراءته التأريخ وعدم تصديقه للسنن الإلهية الثابتة في الحياة .
كما أود ـ ختاماً ـ لفت انتباه أنظار الشباب العربي والمسلم عموماً بألاّ ينخدعوا بمظاهر القوة من طائرات عسكرية أوسفن عملاقة أو أسلحة ذرية أميركية . . فهذه كلها عوامل فناء الصرح الأميركي نفسه ، فالحق والإنسانية هما الأمرانالوحيدان اللذان كتب اللَّه لهما البقاء والخلود ، فلا ينبغي أن نرهب بشيء فانٍ أبداً ، بل علينا تكريس توكلنا على اللَّه الباق ، وأن نثق بديننا ونتطلع إلى ذلك اليوم الذي تتسلم الحضارة الإسلامية العادلة زمام قيادة الأرض على أسس القيم المثلى ، وليس على أساس الثروة أو القوة أو الطغيان والاستعلاء ، وسبحان اللَّه الذي يأبى أن تبقى البشرية تحت وطأة الأغنياء وأقوياء المادة الزائلة . . 6 .
- 1. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآيات: 76 - 78، الصفحة: 394.
- 2. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 76، الصفحة: 394.
- 3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 76 و 77، الصفحة: 394.
- 4. a. b. c. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 78، الصفحة: 395.
- 5. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآيات: 35 - 42، الصفحة: 298.
- 6. من كتاب : الحضارة الإسلامية ، آفاق و تطلعات ، الفصل الرابع : حضارتان متقابلتان .