حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
شمول فاطمة الزهراء مع أهل البيت فى الايات النازلة فيهم
اشتركت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام مع أهل البيت عليهم السلام بما نزل فيهم من آيات، وكان ذلك اشتراك حجية وشمول منزلة ولزوم طاعة لولايتها عليها السلام فضلًا عما ورد من أحاديث نبوية تشير الى منزلة أهل البيت عليهم السلام وتؤكد في الوقت نفسه حجيتهم، وكان لفاطمة عليها السلام اشتراكها مع أهل البيت عليهم السلام كذلك.
واستعراض موجز لبعض ما نزل من آيات في أهل البيت عليهم السلام يمكن أن يكون أحد الشواهد على حجيتها عليها السلام منها قوله تعالى: ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 1 وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ... ﴾ 2 وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 3.
روى السيوطي في احياء الميت بفضائل أهل البيت عليهم السلام، قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال صلى الله عليه وآله: علي وفاطمة وولداهما 4.
والمتمعن في هذه الآيات وغيرها، ليجد لسان المودة هي ولايتهم عليهم السلام فالحث على مودتهم هو أجر الرسالة بمجموعها وجميع أتعابه صلى الله عليه وآله، فلم يسألهم مالًا ولاضياعاً بل سألهم التمسك بمودتهم وحبهم.
واذا كان الاجر يعني التساوي بين متبادلين، اذ لا يصح أن أحد البدلين أقل من الاخر، لئلا تكون في الاجارة غبناً لا يرتضيه العقلاء، فكذلك أجر ما طلبه صلى الله عليه وآله منهم قُبالة دعوته هذه وهي مودة أهل بيته عليهم السلام، ولا يصح أن تكون مودتهم أقل من رسالته لئلا يكون غبناً وتفريطاً لحق رسالته وهو ما لا يرتضيه أحد يخشى الله ورسوله واليوم الاخر، واذا كان الامر كذلك فانّ مودتهم عليهم السلام عِدل الدين وثمرة الرسالة.
وببيان آخر: انّ الرسالة مما قد اشتملت على التوحيد والتصديق بالنبوّة والمعاد وبقية الحقائق الحقّة وعلى أركان الدين، ولا يتصور أن يكون شيئاً عِدلًا لها إلا أن يكون على درجة من الخطورة والمنزلة بحيث لا يُقبل الإيمان بتلك العقائد والعمل بتلك الاركان إلا به، فلا يمكن أن يكون ذلك حكماً فرعياً من ذيول بعض فروع الدين، ويكون شرطاً في اعظم أصول الدين، بل الشرطية والعدلية تقتضي بالبداهةكون منزلة هذا الأمر من الأمور الاعتقادية بل من اصولها بمقتضى التناسب بين الشرط والمشروط، وبين العدل وعِدلهِ الآخر، ومن ثَم سوف لا يكون المراد من المودّة- والتي تختلف لغة عن المحبّة بزيادة شدة الوطأة- إلا فعلًا من الأفعال القلبية الاعتقادية وهي الولاية والتولي من تلك الجماعة المرادة من «القربى» ومقتضى ذلك أيضاً أن لا تكون تلك المجموعة أو الثلة إلا معصومة مطهرة اذ لايعقل أن تكون مودة وتولي والاعتقاد بشخص أو جماعة مخالطين للذنوب أوالجهل هي من أصول الدين، وعِدل للتوحيد والعقائد الحقّة، ومن ثَم جعلت هذه المودّة هي السبيل إلى اللّه والمسلك إلى رضوانه، وجُعلت في آية ثالثة فائدتها راجعة إلى المكلفين أنفسهم، أي أنّ هذا الأجر ليس من سنخ أجور النشأة الدنياوية و الانتفاعات المادية، بل أن ثمرته هو الاهتداء والرشاد بتولي ذوي القربى، كما هومفاد حديث الثقلين «ما أن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا» وما أشد مطابقة آيةالمودة مع حديث الثقلين، بل انّ الآية المزبورة هي من متون حديث الثقلين ذات السند القرآني، فليس ما قد ورد في جميع الانبياء من قولهم «لا أسألكم عليه أجراً إن أجري على اللّه» ، يغاير ما أمر اللّه تعالى ما أمر به نبي الاسلام من طلب الأجر، اذانّ هذا الأجر ليس عوض مالٍ، وانّما هو اكمال للدين و إتمام للنعمة على المسلمين ورضا الرب بذلك، اذ لا يتم الرضا إلا باستيفاء الأجر العائد نفعه للمسلمين لا له صلى الله عليه وآله و لأهل بيته المعصومين عليهم السلام.
وهذا المفاد قد ورد بعينه في الآيات النازلة في الحثّ على ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام حيث جعل عدم تبليغ ولايته مساوٍ لعدم تبليغ الرسالة، ممّا يقتضي أن ولايته هي عِدل الدين وثمرة الرسالة وتمام نعمة الإيمان ورضا الرب بالاسلام ديناً فبدونها لم يرتضِ تعالى توحيد العباد به ولا تصديقهم بنبيّه وباليوم الآخر مالم يوالوا وليه كما لا يكمل توحيد الناس واقرارهم بالبعثة والمعاد إلا بولاية وليه تعالى كما لا تتم لهم نعمة الايمان لهم إلا بذلك، فليتدبر الناظر وفاق هذه الآيات بعضهابعضاً مع حديث الثقلين ليتجلى له وحدة المضمون كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ﴾ 5 فلما بلّغ في علي ولايته وامامته نزل قوله تعالى: ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... ﴾ 6 وهو تصريح بأن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام تعني كمال الدين وتمام الايمان وعِدل الرسالة، كما أن المودة تُعطي مفهوم الولاية أيضاً، فلا ولاية دون مودة فانّ مفهومي الولاية والمودة تعنيان تمام الدين كلّه، وبتلك الدرجة وجبت ولايتهم ومودتهم وقدّمنا أن آيات المودة كانت تشترك فيها فاطمةعليها السلام مع أهل البيت الذين نزلت فيهم والتي هي أسبق في صدق العنوان، وبما أن مودتها واجبة فانّ ولايتها واجبة للتقريب المتقدم بين مفهومي المودة والولاية.
وبذلك تثبت وجوب ولاية فاطمةعليها السلام ومودتها لنفس الغرض. وبمقتضى أنها عليها السلام من العترة كما في آية التطهير والمودة وغيرهما، فهي من الثقل الثاني، عدل القرآن الكريم الواجب على الامة التمسك به، فالتمسك بها شرط الهداية والأمانمن الغواية والضلالة، ولا يخفى أن مقتضى حديث الثقلين عصمة العترة وحجيتهم و احاطتهم بالكتاب كله، وانهم القيمون على تفسير كتاب الله وبيان دلالاته، كما أنهاشاهدة على أعمال العباد وداخلة في قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ... ﴾ 7 لما تقدم من انها من عباد الله كما في سورة الدهر الذين لهم مقام الاشراف على الابرار، فهم المقربون الذين يشهدون كتاب الابرار في عليينكما في سورة المطففين.
كما أنها الوسيلة والسبيل الى الله تعالى لقوله تعالى ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 1 وقوله تعالى ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 3 فهي الوسيلة والسبيل الى الله والمسلك الى رضوانه، كما أنها المصطفاة لوراثة كتاب الله كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ... ﴾ 8 حيث أن المورث المصطفى لكتاب الله هو السابق بالخيرات لما تقدم من أن المطهر هو الذي يمس الكتاب كما في سورة الواقعة ومن ثم هي عليها السلام من الذين أوتوا العلم الذين في صدورهم الكتاب آيات بيّنات كما في قوله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ... ﴾ 9 وهي كلمات الله التامات وأسمائه الحسنى التي اليها الاشارةفي قوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ... ﴾ 10 وقوله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ... ﴾ 11 وقوله تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ 12 وقوله تعالى في ابراهيم: ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ 13 اذ هي من العاليين الذين هم الانوار الخمسة التي تعلّمآدم أسمائها، وبمعرفتها تأهل آدم لمقام خلافة الله في أرضه والتي أشير اليها باسم الاشارة العاقل في سورة البقرة، وضمير الجمع العاقل كما في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 14 وبهذا التنبيه والاشارة يتفطن اللبيب الى اشتراكها عليها السلام مع أهل البيت بل سائر ما ثبت لهم من منازل ومراتب ومقامات قرآنية 15.
- 1. a. b. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
- 2. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 47، الصفحة: 433.
- 3. a. b. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 57، الصفحة: 365.
- 4. احياء الميت بفضائل أهل البيت عليهم السلام للسيوطي: 35، دار الثقلين-بيروت.
- 5. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 67، الصفحة: 119.
- 6. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
- 7. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 105، الصفحة: 203.
- 8. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 32، الصفحة: 438.
- 9. القران الكريم: سورة العنكبوت (29)، الآية: 49، الصفحة: 402.
- 10. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 37، الصفحة: 6.
- 11. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 124، الصفحة: 19.
- 12. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 115، الصفحة: 142.
- 13. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 28، الصفحة: 491.
- 14. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 31، الصفحة: 6.
- 15. المصدر: كتاب مقامات فاطمة الزهراء تحرير سماحة السيد محمد علي الحلو رحمه الله.