مجموع الأصوات: 31
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1553

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كربلاء والانتصار على الذات

النفس البشرية جزء لا تتجزء، والحقول المختلفة للحياة تتفاعل مع بعضها لتكوّن حياة واحدة ممزوجة من كافة العوامل.

ماذا تعني الثورة؟

الثورة هي نتاج كل العوامل التي تتفاعل في الحياة، وكل الضغوط اتي تؤثر على النفس، والثورة الرسالية هي التي تستلهم قيمها من قيم الله، كثورة سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام.

ان هذه الثورة سوف تؤثر في الحياة الاجتماعية بقدر انعكاسها على النفس البشرية، فالنفس تصفو بالثورة، والثورة هي نتيجة الصفاء النفسي، وكما أن الثورة تهدف ازالة النفاق والفساد من النفس البشرية.

ان الذين ينتصرون على أنفسهم وعلى ضعفهم، وعلى ما فيها من ازدواجية وخداع ذاتي، وعجزهم البشري في داخل أنفسهم، ويتغلبون على ترددهم ورهبتهم من الحياة، يكتشفون ما أودع الله في كيانهم من كنوز، من العقل والارادة والضمير الحي النابض، ان أولئك هم الذين سينتصرونبأذن اللهعلى قوى الشرك والضلالة والجهالة في المجتمع.

فوائد الصراع

ان الصراع الاجتماعي النابع من إرادة حرة، وضمير انساني وعقلية واعية .. ان هذا الصراع سوف يبلور شخصية الانسان، ويثير دفينة عقله، ويفجر مخزون انسانيته، بل سوف يهديه الى الصراط المستقيم، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ... 1

ان عملية الجهاد، أو عملية الصراع، هي عملية مواجهة الفساد الاجتماعي، هذه المواجهة التي سوف تقتلع من النفس البشرية جذور الفساد والنفاق والانحراف، ذلك لان الانسان قوة خارقة في الخداع الذاتي، أكد ربنا سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: ﴿ ... إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 2

بالرغم من انه تحمل مسؤولية رفضت السموات والارض والجبال تحملها، وأشفقن منها ولكن تحمّلها الانسان ولكن بنفسية ظلومة كفارة، تحاول أن تسير وتحجب الحقيقة عن ذاتها، بأن تخدع نفسها ومن حولها، ولذلك فانّ كل انسان ينطوي في داخله على نسبة كبيرة من النفاق.

ان موعظة الناصحين وهدى المؤمنين وتلاوة آيات القرآن بل وحتى صدمات المآسي الحياتية لا تستطيع أن تنتزع من النفس البشرية جذور النفاق، فيبقى الانسان منافقاً لذاته ولغيره. وتبقى جذور الانحراف حيّة في نفسه فأنّى عادت اليه الحياة الطيبة عاد منحرفاً عن طريقه.

وأكثر من هذا تعالوا بنا لنرى أولئك الذين ركبوا في البحر وجرت بهم ريح طيبة وفرحوا بها، ثم أحاطت بهم العواصف والامواج من كل مكان فتساقطت أمام أعينهم الاوهام ولم يعودوا يشركون بالله شيئاً ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ 3

فالى ساعات قريبة كانت نفوسهم وقلوبهم، وكل وجودهم متوجهاً الى الله سبحانه وتعالى يستمدون منه العون ويدعونه مخلصين، ولكن سرعان ما نسوا أو تناسوا كل عهودهم، ومواثيقهم، وعادوا يشركون!.

وأعظم من هذا يبين لنا القرآن الحكيم صفة الانسان بعد ما رأى بأم عينيه أهوال الموت، وفضائع القبر، ثم عذاب الله في يوم القيامة، رأى بأم عينيه نعيم الجنة وعذاب الجحيم. يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا الانسان أنه لو أعيد الى الدنيا لعاد الى ما كان يفعله سابقاً، بالرغم من أنه رأى كل شيء، وهو يطالب ربه في يوم القيامة بأن يعديه الى الدنيا ليحسن عملًا ولكن يقول: ﴿ ... وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 4

إذن لو أعادهم الله سبحانه وتعالى الى الدنيا وأعطاهم فرصة الحياة من جديد. لعادوا الى ما كانوا يقترفونه من آثام ومعاصي .. نعم هذه هي النفس البشرية وهذا هو الطغيان البشري.

فكيف يمكننا القضاء على النفاق والخداع أو الطغيان النفسي؟

لا يمكننا ذلك إلا بعملية الصراع، الجهاد لانه عن طريق الجهاد وعن طريق المحاولات المتكررة والصعبة يتم تغيير الحياة واصلاحها، ويصلح الانسان نفسه ويتغلب على طغيانها.

الملاحظ ان الناس كلما أسقطوا صنماً حجرياً قائماً في الحياة الاجتماعية فانهم يسقطون بموازاته صنماً في الاخلاق الفاسدة في أنفسهم.

اننا حينما نحارب طاغوتاً، ونظاماً فاسداً أو مؤسسة اجتماعية منحرفة، فاننا إنما نحارب بقدرها وبموازاتها طغياناً وانحرافاً في أنفسنا وصنماً قائماً في ذواتنا.

الجهاد .. عملية تفاعليه مزدوجة

لا يستطيع الانسان أن يقول في البدء ان عليّ اصلاح نفسي، وأن اسقط الطواغيت المتراكمة داخل ذاتي، مثل الخوف، الكسل، الفشل، الجبن، ومن ثم أقضي على طاغوت الالحاد والفساد في المجتمع!! كلا.

ان العملية تفاعلية. ففي كل خطوة يجب أن تقضي على طاغوت في ذاتك وطاغوت في المجتمع.

من معطيات الثورة الحسينية

حينما نجلس في مأتم أو في محفل من محافل ذكر الامام الحسين (ع) وثورته الخالدة .. التي هي خلاصة لثورات الانبياء عليهم الصلاة والسلام وامتداد لرسالات الله. فإننا نفعل ذلك لتصفية أنفسنا وتزكية ذواتنا.

ان هذه الدموع التي تجري على مصاب الشهيد السبط تغسل قلب الانسان، وتقلع الصفات السيئة من نفسيته، فتراهم يلتحم عن طريق الدموع وبسبب هذه التزكية مع روح أبي عبد الله الحسين (ع) صاحب البطولات النادرة، أي مع تلك النفسية التي انتصرت على كل عوامل الضعف البشري.

ان هذه الدموع هي وسيلة تلاحمنا، وأسلوب تفاعلنا واتصالنا بينبوع فيض الحسين (ع) وفيض أهل بيت النبوة وأصحابه سلام الله عليهم جميعاً، وكذلك كل نوع من أنواع تجديد ذكرى أبي عبد الله الحسين (ع)، يجعلنا أكثر تفاعلًا مع هذه المأساة وبالتالي أكثر استيعاباً لدروسها وللقضاء على النفاق والخداع الذاتي.

نحن في قفص الاتهام

الامام الحسين عليه الصلاة والسلام حجة الله علينا يوم القيامة وكل امام حجة.

فماذا تعني الحجة؟

الحجة تعني ان الله سبحانه وتعالى الذي خلقك، خلق الامام الحسين (ع)، والذي أعطي الامام الحسين تلك المواهب فان رحمته واسعة، وهو قادر أن يتفضل بلطفه بمثل تلك المواهب عليك، ان الذي أعطى الامام الحسين (ع) هذه المقدرة حتى أنه كلما أصيب في يوم عاشوارء بمصيبة جلّل وجهه الكريم غيمة من البشارة والانشراح.

لماذا؟

لانه كان متصلًا بقدرة الله ويتجلى ذلك في مصيبة أبنه علي الاكبر وهي المصيبة الصعبة الاليمة، وتتمثل أيضاً في فاجعة الطفل الرضيع الذي ألهب قلبه الصغير الجوع والعطش والحر الشديد، فيطلب الامام الحسين (ع) لهذا الطفل شربة من الماء واذا بالاعداء يمرونه بوابل من السهام الغادرة فيذبحونه على صدر أبيه، فهل يوجد هناك قلب بشري قادر على أن يتحمل مرارة هذه المصيبة وألمها، كلا. ولكن مع ذلك الامام الحسين (ع) يمسك بالدم ويرمي به نحو السماء ويقول: «هوّن عليّ ما نزل بعين الله».

لان ما يجري إنما كان بعين الله، وتحت سمعه وبصره وبأحاطة علمه فان ذلك سيهون عليّ، وانني أحب ربي، ومن يحب أحداً فلابد أن يضحي من أجله. وهنا أسأل الانسانلا أقول: أيها المسلم أو الموالي كلاإنما أقول أيها الانسان!

كيف انتصر الامام الحسين عليه الصلاة والسلام على عوامل الضعف البشرية في ذاته؟

كيف انتصر على حبه العميق أوبالاحرى على شفقته الشديدة تجاه ابنه الرضيع، تجاه نجله الشاب الوسيم الذي رآه أمامه مقطعاً بالسيوف ارباً ارباً؟

كيف انتصر على هذه العوامل كلها وهو بشر، وكان صامداً كالطود العظيم ازاءها؟ بل يتهلل وجهه الكريم انشراحاً كلما زادت مصائبه؟

لاشك أن ذلك كان لارتباطه برب العالمين، لانه يرى أن هذه المصائب هي الجسر الذي يربطه بالله ويقربه اليه زلفى.

وما أنت فلماذا لا تنتصر على ضعفك أيها الانسان؟

ان هذه هي الحجة الله علينا، فكلما نجلس ونذكر ثورة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، ونعظم فيه هذه البطول كلما ندين ضعف أنفسنا، ونحثها على سلوك الطريق الذي سلكه الامام الحسين (ع) للانتصار على ذاتها وضعفها.

ان هذا هو الدرس الاعظم الذي يستطيع كل انسان أن يستوعبه من سيرة أبي عبد الله الحسين (ع)، وهكذا فان كربلاء مدرسة متكاملة للمكرمات وللناس، كل الناس بمختلف فئاتهم باستطاعتهم أن يستفيدوا دروساً في المكرمات من هذه المدرسة بل من هذه الجامعةان صح التعبير-.

الشباب بأمكانهم، يدرسوا عند علي الاكبر، عند القاسم، عند سائر شباب أهل البيتعليهم السلاموللشيوخ أيضاً أساتذتهم في كربلاء الحسين (ع) حبيب بن مظاهر، مسلم بن عوسجة، وغيرهم من الذين ضحوا في سبيل الله.

النساء يستطعن أن يستفدن من هذه المدرسة ويتتلمذن عند زينب الكبرى عليها الصلاة والسلام، وعند النساء الفاضلات الاخريات عليهن السلام.

الاطفال الرضع باستطاعتهم أن ينتهجون نهج الطفل الرضيع.

أن ينتصر الانسان على حبه لنفسه وينزل الى الشوارع ويقاوم بصدره العاري ورصاص الاعداء ان هذا شيء نادر على الحياة ولكنه شيء موجود كما رأيناه في ايران أيام الثورة المتصاعدة ضد حكم الشاه المقبور.

المرأة باستطاعتها أن تأتي وتقابل الموت بكل رحابة صدر اذا تسلحت بالمبدأ وبروح الجهاد وفلسفة الشهادة. ان هذا الشيء نعرفه، وبالرغم من ندرته في العالم لكنه شيء موجود. ولكن أن تأتي امرأة وتحمل طفلها الرضيع وتنزل به الى الشوارع لتقابل الرصاص. هذا شيء لم نز مثيلًا له في التاريخ أبداً، بينما قد رأينا في ايران أن النساء الايرانيات كن يخرجن بأطفالهن الرضع الى الشوارع أمام الرصاص، وفي كثير من التظاهرات قتل فيها الاطفال الرضع.

كيف تسمح نفس هذه المرأة للخروج بطفلها الرضيع الى الشوارع وتقابل الرصاص؟

المعروف ان المرأة حين تخرج الى الموت تدع طفلها في البيت، أو عند الجيران. ولكن نساءنا وشعبنا شعب حسيني قد درس عند أبي عبد الله الحسين (ع) كيف يحمل طفله الرضيع ليجعل منه دليلًا وآية على ظلم الاعداء.

نعم .. ان هذه المدرسة خاصة .. هذه مدرسة الابطال الرضّع .. مدرسة كربلاء، باستطاعة الجميع تعلم كل صفة وكل مكرمة.

الوفاء عند ابي افضل العباس. الشجاعة عند الامام الحسين (ع). الحنان واللطف عند زينب الكبرى، وبالرغم من شجاعتها وبطولتها كانت تفيض على صحراء كربلاء شآبيب الحنان والحب والعطف. لم تكن قد خرجت من انسانيتها، انها الانسانية ولكنها الانسانية الشجاعة.

ونتعلم من الامهات كيف تدفع ابنها الى ساحة المعركة والمراة الشابة كيف تحرض زوجها على الجهاد.

هذه صفات انسانية رفيعة الستوى. ففي كل عشرة ملايين حدث نجد حدثاً مثل هذا .. انه حدث فريد.

ونتعلم من هذه المدرسة هذه الدروس العظيمة.

كيف تمرغت الانسانية في الوحل؟

كربلاء .. الدرس الآخر.

في نفس الوقت كلما رأينا انحرافاً وضلالة وفساداً عند جيش العدو عند شيعة آل أبي سفيان لعنة الله عليهم، نتفجر بغضاً وحنقاً ولعنة ضدهم.

اذ رأينا ما انتهى اليه هذا الجيش وكيف أن الانسان البشر اذا ترك هدى الله وانحدر من قمة الانسانية سوف لا يلوي على شيء .. إلا أن يهبط الى الحضيض والى الدرك الاسفل. هذا يعطينا درساً على ان الانسان ان لم يتشبث بهذه القمة فسوف تقلعه الرياح .. رياح الشهوات .. رياح الضغوط الاجتماعية فتهوي به من هذه القمة السامية الى الدرك الاسفل كشمر بن ذي الجوشن.

الرجل يقول هممت أن أحزّ رأس الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، فانحدرت الى المكان الذي صرع فيه الامام الحسين (ع)، فرأيت عينيه الكريمتين فهبته ووليت هارباً وسقط السيف من يدي.

الرجل شقي، ولكن حينما يرى عيني الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، وهما تشبهان عيني رسول الله (ع) عينان لم تنما الليل أبدا. يتراجع عن فعلته.

الامام الحسين طول حياتهكما جاء في بعض الاحاديثلم ينم الليل وكان مشغولًا بالعبادة والتعبد والدموع تجري من عينيه الكريمتين. كيف تسنى لشمر بن ذي الجوشن وهو بشر أن يجلس على صدر الامام الحسين (ع) ويحزّ رأسه الكريم .. ان هذا هو الحضيض الذي ينحدر اليه الانسان حينما يترك هدى الله .. وينفلت من التمسك والاعتصام بحبل الله.

الطريق الى الهاوية

ان بداية الانحراف بسيطة ولكن نهايته ستكون هذه النهاية. كعمر بن سعد وهوحسب ما كان يدعيابن فاتح العراق وابن عم الامام الحسين ويعرف ماذا يعني قتل الامام ولكن مع كل ذلك تراه ينحدر في هذا المسير الهابط حتى يختار قتل الامام الحسين (ع) ثم في يوم عاشوراء ينتصب قائماً يقول: [ياخيل الله اركبي وأبشري بالجنة ودوسي صدر الحسين].

في أي عمق يقع هذا الحضيض الذي انحدر اليه عمر بن سعد؟

وكيف يمكن للانسان أن يصبح هكذا؟

انه والله أسفل السافلين الذي قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ 5

1- الانسان أما أن يكون في أحسن تقويم، في القمة متمسكاً بهدى الله .. متمسكاً بحبل الله، متحدياً رياح الشهوة وعواصف الضغوط.

2- وأما أن تتراخى يده عن هذا الحبل ويتساهل في أمره ولا يبالي فانه سيسقط .. ويسقط .. وتهوي به الريح في مكان سحيق.

ان هذا الدرس يوضح لنا أهمية التمسك وبشدة بهدى الله، وهكذا كانت كربلاء، وكان عاشوراء، وكان عاشوراء مدرسة في بعدين:

1- بعد الخير.

2- بعد الشر.

ان الامام الحسينعليه الصلاة والسلاموأصحابه أعطوا للتاريخ درساً .. كما ان عاقبة الذين ظلموهم تعتبر درساً آخر.

الارادة البشرية تتحدى

ولو وقفنا ساعات أمام بطولة الحر بن يزيد الرياحي، لما استطعنا أن نستوعبها، انه درس عظيم أن يتحدى الانسان واقعه وكل ما حوله من ضغوط ويختار الموت بشجاعة ويختار الجنة بوعي وايمان كما فعل الحر بن يزيد الرياحي .. فكم كان عظيماً ما فعل الحر، حقاً: كلما كتب من نظريات مادية وحتميات قدرية فاسدة، كل ما كتب عن ذلك تتبخر بقصة الحر بن يزيد الرياحي.

أي حتمية كانت وراء توبة الحرّ؟!

بتأثير ماذا غير الحر مساره؟!

من أجل الاقتصاد، أم من أجل الإجتماع، أم من أجل السياسة؟ أم من أجل ماذا؟

لاشيء ان الارادة البشرية هي التي تتحدى كل الماديات وكل الحتميات، وهي التي تجلت عند الحر بن يزيد الرياحي في صحراء كربلاء.

واذا كانت هناك بطولة حقيقية فهي هذه البطولة، البطل كل البطل هو الذي يصرع نفسه في ساعات الشدة وأشجع الناس من غلب هواه، وكم نستطيع أن نصلح أنفسنا ونصلح مجتمعنا، اذا استلهمنا درس التوبة من الحر، فان لم تكن لدينا ارادة تعصمنا من الوقوع في المعاصي فلا أقل تكون لدينا شجاعة تخرجنا مما وقعنا فيه وهذا درس الحر بن يزيد الرياحي لنا.

يأتي الى الامام الحسين (ع) مطأطأ الرأس فيقول الامام الحسين (ع) للحر: (ياشيخ ارفع رأسك من أنت؟ فيقول: أنا حر .. أنا الذي جعجت بك الطريق يا أبا عبد الله، لقد كنت أول خارج عليك فأذن لي أن أكون أول شهيد بين يديك .. فيسمح له الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، بذلك فيأتي الى صحراء كربلاء يقاتلهم، بعد ما يعظهم فلا تنفعهم الموعظة شيئاً، وحينما يصرع ينادي بالامام الحسين (ع) فيأتيه الامام كالصقر.

يقول الامام: «ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً .. أنت حر في الدنيا وسعيد في الأخرة».

يقول بعض المؤرخين أنه في اللحظات الاخيرة وكان يرمق آخر أنفاس الحياة، فتح عينيه الكريمتين فرأى رأسه في حضن الامام الحسين (ع) فتبسم بسمة وسلم الروح.

كم هي سعادة الانسان، وكم هو فلاحه، وكم يكون فرحه وشعوره بالفخر اذا وصل الى لحظته الاخيرة وهو يعلم بأنه قد أنهى فتنة الحياة وانتصر عليها، ونجح في الامتحان وهو يرد على رب رحيم، غفور كريم.

ان الذين يستلهمون من بطولات وشجاعة الامام الحسين من وفاء أبي الفضل .. من اقدام على الاكبر .. من شجاعة زينب .. من أيمان الصديقين من أنصار الامام الحسين عليهم الصلاة والسلام دروساً لحياتهم تكون ذخراً له في الدنيا لمحاربة الطغاة ولمقاومة الفساد، وذخراً لهم في الآخرة ينفعهم عندما لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم 6.