مجموع الأصوات: 67
نشر قبل 8 سنوات
القراءات: 19502

حقول مرتبطة: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كيف ننتظر الامام المهدي عليه السلام ؟

سنن الله تعالى تجري في الأولين كما جرت في الآخرين ، وهي سنن واحدة لا تجد لها تحويلاً ولا تبديلاً ، وفي القصص التي حدثت في تأريخ البشرية إشارات وأمثلة على ما سيجري في مستقبلها ، والمستقبل الذي سوف تتجلى فيه سنن الله بصورة كاملة وشاملة هو المراد من خلق الإنسان .

المهدي خاتم الاوصياء

وإذا كان آخر الأنبياء ، وخاتم المرسلين هو نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله الذي ختمت به رسالات الله ، فإن خاتم الأوصياء هو الآخر سوف تختصر فيه غايات الرسالات الإلهية ، لأن الله عز وجل خلق الكون على سنّة التكامل والتسامي . فالأنبياء السابقون ـ مثلاًـ لم يؤمن بهم إلا نزر يسير ، وقلما وجد هؤلاء الأنبياء انتصاراً في حياتهم كما انتصر الله لرسالته الخاتمة على يد رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله .
وإذا كان فتح الله الذي تجلى على يد النبي صلى الله عليه وآله أعظم فتح ، فإن هذا يعني أن الرسالة سوف تتجلى في أفضل صورها ، وأروع معانيها ، وأصدق حقائقها على يد خاتم الأوصياء سيدنا وإمامنا المنتظر عجل الله فرجه . وهذه الرحلة الشاقة للبشرية لابد أن تنتهي بيوم النصر ، وهذه هي إرادة الله تعالى ، فالخلق هو خلقه ، والمملكة مملكته ، والأرض قبضته ، ولأن هذه الدنيا إنما خلقت ليرحم الله فيها العباد.

الرحمة الالهية تقتضي الظهور

ولأن الخالق عز وجل هو أرحم الراحمين ، فلابد أن ينتهي الظلام ، ولابد أن ينجلي الليل عن نهار مشرق ، ولا مناص من أن ترسو سفينة البشرية على شاطئ السلام والأمن والرحمة ، لأنه تعالى إنما خلق الخلق ليشملهم برحمته ومن المستحيل لمن يعرف رب العباد ، ويعرف أسماءه الحسنى أن يعتقد أن هذه الدنيا وما فيها هي مراد الله ، والهدف الذي خلق الكون من أجله . فحاشى له عز وجل أن يخلق البشر ليكونوا ألعوبة بيد الطغاة ، ويرسفوا تحت نير الظالمين ، وليكونوا تحت سحابة قاتمة من الفقر والمرض والحروب الطاحنة .
فلو فرضنا أن الله تعالى ترك هذه البشرية على ما هي عليه ، فما هي ـ إذن ـ حكمة بعثة الأنبياء عليهم السلام ، وما هي حكمة الكتب والرسالات إذا كان عز وجل يريد للبشرية أن تنتهي إلى ما انتهت إليه الآن ؟
وبناءً على ذلك لابد أن تكون لرب العالمين حكمة ، وهي أنه إنما أخر إذنه لوليه الأعظم وخاتم الأوصياء بالظهور لأن ظهوره هذا ستكون فيه غاية ونهاية وذروة التقدم البشري ، ولذلك فقد أخر هذا الظهور.

الظهور هو السعادة الحقيقية

فإن وجدنا البشرية الآن تعاني العذاب ، فإن بعد هذا العذاب رحمة . وإذا عاشت البشرية التفرقة ، فإن هذه التفرقة هي إرهاص للوحدة . ونحن نجد المجتمع البشري اليوم يتقدم خطوات واسعة في طريق التكنلوجيا ، ولعل البعض يعتقد أن السعادة سوف تتحقق بهذه التكنلوجيا المتطورة في جميع المجالات ، في حين أن هذه ليست سعادة ، لأن البشر بحاجة إلى الوحي في الغايات والأهداف والأخلاق والمثل ، فهم لا يستطيعون أن يتحركوا لوحدهم .
وهنا لابد أن تأتي رسالات الله عز وجل لتنقذ البشرية من هذه المحن ، فالإنسان اليوم يستغل التكنلوجيا المتطورة التي توصّل إليها لضرب الأطفال ، وقتل النساء ، وتدمير المدن ، وفي مجال آخر استطاع أن يتطور ويحصل على نتائج مدهشة في مضمار الاقتصاد والزراعة ؛ فهو اليوم بمستطاعه أن يزرع في فدان واحد عشر مرات أكثر مما كان يزرعه سابقاً ، وتلك مخازن القمح والذرة في أميركا ممتلئة ، ولكننا نجد في نفس الوقت ثمانين مليون إنسان يعانون من الجوع ، وعشرات الملايين من الأطفال يموتون سنوياً بسبب نقص التغذية وسوء الظروف الصحية .
وإزاء ذلك نرى الغربيين يصرفون أكثر من خمسين مليون دولار لإحراق وإتلاف المحاصيل الزراعية الفائضة عن حاجتهم! والسبب في ذلك ان الإنسان يعرف كيف يُغير الطبيعة ولكنه لا يعرف الهدف ، ويجهل كيف يعيش كإنسان أو يتألم لآلام الآخرين .

لماذا آلت البشرية إلى هذا الوضع ؟

ترى لماذا يحدث كل هذا ؟
إن هذا العالم لا يعرف القيم ، ويعاني الأمراض فيها ، كرجل كلّ أعضائه سليمة ولكنه لا يملك العقل . فالإنسان في هذا العصر يتحرك ولكنه لا يعرف وجهته ، وكما روي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : " ومن لم يكن عقله أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه " 1 .
إنّ هذا هو حال البشرية اليوم ، فهل خلقها الله تعالى لكي تعيش هكذا ؟
وبناءً على ذلك فإن هذه التقنية وهذا التقدم الصناعي لا يمكن أن يعطيا الإنسان ما يريده . فهو يريد عيشة الرفاه والسعادة ، وهذه السعادة مهددة اليوم بالأسلحة الفتاكة ، بحيث أنه بمجرد أن يضغط الإنسان على زر واحد وإذا بالطائرات والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية تهدم العالم كله .

العلاج في مذهب أهل البيت عليهم السلام

ترى هل أنّ هذا الإنسان الذي يمتلك هذه التقنية القاتلة يتمتع بقيم كافية لتحديدها ؟
إن التقدم الصناعي لم يعط للإنسان هذه الحقيقة ، فأين ـ إذن ـ المنقذ ؟
لقد خلق الله عز وجل الكون ليغمره برحمته ، فأين تتجلى هذه الرحمة ؟
ابحثوا في ديانات الأرض كلها لتجدوا أنها كلها تبشر بيوم الخلاص ، وبإقامة حكومة الله في الأرض ، ولكن ليس بتلك الصورة الواضحة والمؤكدة التي نجدها في الإسلام ، وفي مذهب أهل البيت عليهم السلام خصوصاً ؛ فهذا المذهب يتميز بأنه يزود الإنسان بأفق مشرق ، ويقر في الإنسان الإيمان بحقيقة أن الله تعالى لابد أن يملأ هذه الأرض بالقسط والعدل والسلام والأمن بعد أن ملئت ظلماً وعدواناً .
لقد ادخر الله عز وجل رجلاً وضعه وراء ستار الغيب ، وهذا الرجل موجود ومن الممكن أن يظهر في أية لحظة ليملأ الأرض بكل الخيرات والبركات ، وليكمل عقل الإنسان ، وحينئذ تتحقق سعادته ، ويغدو إنساناً كاملاً لا يريد أكثر من أن يعيش مرتاحاً ، لا يعتدي على إخوانه ، ولا يوجد في قلبه غل . فهذا الغلّ الذي في قلوبنا وسوء الظن ، وهذه الأخلاق السيئة هي التي تفرّقنا ، ولا تدعنا نعيش بسلام فالسلام لا يقتصر فقط على السلام الخارجي ، فهناك سلام في قلب الإنسان ، والمجموعة التي لا تعيش أجواء المحبة لا يمكن أن تعيش السعادة ، لأن النفس هي معدن السعادة وموطنها .

المعنى الحقيقي للانتظار

للانتظار ثلاث معانٍ متدرجة وهي :
1 ـ انتظار الفرج ؛ وهو النقطة المشرقة التي تتجلى أمام الإنسان ، فيتحرّك نحوها بالانتظار . فحركته يجب أن تكون باتجاه نقطة معينة ؛ أي باتجاه تلك الغاية التي رسمها الله سبحانه وتعالى ، وهذه الغاية هي التي تحددها فكرة انتظار الفرج الذي يشرق على القلوب دائماً بنور الأمل . فالإنسان الذي يعيش الأمل يؤمن بأن العاقبة للمتقين ، وبالتالي فإن الله عز وجل سيمكن للصالحين ، وتكون على أيديهم نهاية العتاة المتمردين ، وهذه الفكرة تجعل قلبه في راحة وأمل ، حتى في أحلك الظروف ؛ لأن اليأس هو أخطر مشكلة يواجهها الإنسان ، فهو يفقد الحياة عندما ييأس ، نظراً إلى أن القنوط هو الموت العاجل ، والخطيئة الكبرى .
وفي الحقيقة ، فإن انتظار الفرج يعالج هذه المشكلة ؛ مشكلة اليأس والقنوط ، والدليل على ذلك أن الشيعة كانوا وما يزالون هم الأكثر رفضاً للظلم والطغيان ، فالمناطق التي تسكنها الأغلبية المؤمنة بمذهب أهل البيت عليهم السلام ، الذين في قلوبهم نور من انتظار الفرج ، وشعاع من نور الإمام الحجة عجل الله فرجه نراهم هم الذين يرفضون الظلم أكثر من غيرهم ، وهم الذين يتصدّون للفساد ، ويضحّون بأنفسهم قبل غيرهم ، وعلى سبيل المثال ؛ فعندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان بادر المسلمون الشيعة في لبنان إلى مقاومة الاحتلال كما يعرف الجميع ، وعندما قاوموا الاحتلال كان الشعار الذائع على أفواههم ( يا حجة بن الحسن ، يا مهدي) ، لأن قوات الكيان الصهيوني كانت جاءت لكي تبقى في لبنان ، وهذا يعني انتهاك الأعراض ، وتغيير الدين ، وانتشار الفساد ، فعرف الشيعة الحقيقة ، لذلك اتجهوا إلى الإمام الحجة ، وحملوا السلاح في وجه المعتدين ، حتى حققوا انتصارهم العظيم .
ونفس هذه الظاهرة وجدناها لدى الشيعة في العراق الذين قاوموا الظلم أيام الاحتلال البريطاني وقبله وحتى اليوم ؛ وأذكر في هذا المجال أن مراسلاً فرنسياً سألني قائلاً : إن الشيعة في العراق أصيبوا بمشاكل أكثر من الأكراد ، وتحملوا الدمار أكثر من غيرهم ، فلماذا لم يقبلوا التفاوض مع النظام كما فعل غيرهم ؟ فقلت : لأن الشيعة يمتلكون أملاً اسمه انتظار الفرج .
وفي الواقع فإن السبب الذي يجعلنا نحارب دائماً أننا نؤمن بفكرة الانتظار ، ومن علامات وإشارات هذه الحقيقة أن ثورة العشرين قد تفجرت في ليلة الخامس عشر من شعبان ، كما أن الانتفاضة الأخيرة ضد النظام الصدامي حدثت هي الأخرى في هذه الليلة ، ذلك لأن هذه الليلة هي ليلة النور التي تذكرنا بأننا لسنا من الذين لا يمتلكون إماماً وراعياً ، بل نحن نمتلك هذا الإمام والراعي ، وهو ينظر إلينا ، وهذه الفكرة هي التي تدفعنا إلى الامام . ولو أن الشيعة عرفوا قيمة انتظار الفرج حق معرفتها ، واستوعبوها حق استيعابها ، لما بقي شيعي واحد مظلوماً في الأرض ، لأنهم سيرفضون في هذه الحالة الظلم ، وسينصرهم الله عز وجل .
2 ـ المعنى الثاني لانتظار الفرج ، أننا عندما ننتظر هذا الفرج نوجه نظرتنا دائماً إلى القيادة ، وإلى مركز القرار ، وإلى الولاية الإلهية ، ونجعل مقياسنا في ذلك الإمام الحجة عجل الله فرجه . وهذا ما ينعكس على قيادتنا الروحية المتمثلة في المرجعية ، وما يفسر سبب كون القيادة الدينية لدى الشيعة هي الأزهد والأتقى والأعلم ، والأقرب إلى المثل الإلهية .
ونحن عندما نستعرض القيادات الشيعية في العصور الأخيرة . فإننا نجد أشخاصاً من مثل العلامة الأنصاري ، والميرزا حسن الشيرازي ، والشيخ كاظم الأخوند والسيد الطباطبائي صاحب العروة الوثقى ، والمرحوم آية الله السيد أبو الحسن الاصفهاني ، وأخيراً السيد الخوئي ، والسيد الكلبايكاني (رضي الله تعالى عنهم أجمعين) .
ترى كيف اكتشف الشيعة هذه النماذج ، وكيف نمت هذه النماذج ، حتى أصبحت قمماً مضيئة لا نجد لها نظيراً في العالم .
السبب أنهم يمتلكون قمة أعلى هي قمة الإمام الحجة عجل الله فرجه ، وهذه الذروة السامقة والمتكاملة هي التي نعبّر عنها بـ (انتظار الفرج) لأن انتظار الفرج يجعلنا دائماً نسير نحو القمم المضيئة ، ونحلّق حتى نصل إلى الآفاق البعيدة .
3 ـ وأما المعنى الأعمق لانتظار الفرج ، فهو أن يعيش كل واحد منا كما يريد لـه الإمام الحجة عجل الله فرجه أن يعيش ، فكل واحد منا يحاول أن يجد لنفسه نموذجاً يقتدي به ، وهذه صفة أصيلة في البشر ، لكي يحوّل نفسه إلى صورة مصغرة لذلك النموذج الأسمى ، ونحن عندما ندرك ان إمامنا الحجة المؤيد من السماء تتجسد فيه كل المثل العليا ، فإننا سننتظر خروجه ؛ أي نستقبله من خلال جعل أنفسنا بحيث يرضى عنا .
وفي هذا المجال يؤكد أئمتنا عليهم السلام أن صحيفة أعمالنا تعرض كل يوم على الإمام المنتظر عجل الله فرجه ، وأننا بحاجة إليه في كل صغيرة وكبيرة ؛ في الدنيا ، وعند سكرات الموت ، وعند النزول في القبر ، وأن السؤال الأول الذي يوجّه إلينا هو عن إمامنا .
ونحن عندما نسمع أن صحائف أعمالنا تعرض كل يوم عليه ، فإننا سنحاول تهذيب أنفسنا أكثر فأكثر ، وهذا هو المعنى الأصيل والحقيقي لانتظار الفرج ، فهو يعني أن تستقبل الإمام الحجة عجل الله فرجه بأعمالك الحسنة ، وبتهذيب نفسك وتزكيتها ، وتنمية المعاني الخيرة فيها .

كيف نرضي الإمام المنتظر ؟

فلنبرمج لأيام حياتنا ، ونضع لها خططاً للتطوير والإصلاح ، فمن تساوى يوماه فهو مغبون ، ولنحاول أن نرى ما هو النقص فينا ، فلقد منّ الله تعالى علينا بالعيش في بيوت مؤمنة تعوّدنا فيها على الصلاة والصيام وحضور المجالس ، وهذه نعمة كبيرة ، ولكن هل يكفي هذا أم أن أمامنا مدارج أخرى للتكامل يمكننا أن نرتقي من خلالها ؟
إن علينا تحديد نقاط الضعف في شخصيتنا ، والسعي لعلاجها ، ومن ضمن نقاط الضعف التي نعاني منها ؛ سوء الظن ، الذي هو من أسوأ ما يبتلي به المؤمنون ، وهذه فتنة لهم ، وهي أسوأ الفتن ، فنحن نعتقد دائماً أننا أهل الجنة وأن الآخرين مأواهم النار ، فلنستغل ذكرى ميلاد الإمام الحجة عجل الله فرجه لإصلاح أنفسنا ، وإزالة هذه الخصلة السيئة من أنفسنا ؛ الخصلة التي نهانا الله سبحانه عنها قائلاً :2 ، والمؤمنون هم المخاطبون في هذه الآية الكريمة ، ثم يستأنف تعالى قائلاً :﴿ ... وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ... 3 وللأسف فإن هذه الصفات السلبية معشّشة في نفوسنا ، وعلينا أن نحاول ونجاهد من أجل اقتلاعها ،لنعيش مؤمنين صالحين ، ولنكون من المنتظرين حقاً لفرج إمام زماننا .

في استقبال الإمام المهدي عليه السلام

عندما يكون الجهاد في سبيل الله عز وجل . فإن الإنسان سوف لا يفرّق في هذه الحالة بين أمة وأخرى ، وبين شعب وآخر ، وتجمّع وتجمّع ثانٍ ، وقد أوضح الله سبحانه هذه البصيرة القرآنية في الآيات التالية من سورة النساء :﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا 4.
ونحن نجد في الآيات السابقة التي تحدد في مجملها أبعاد وملامح المجتمع الإسلامي الفاضل ، آيتين متتاليتين تحدّثنا حول ضرورة نصرة المستضعفين أنى كانوا ، وتبيّنان لنا أن المؤمنين يقاتلون في سبيل الله ، وعلى هذا فإن (سبيل الله) الذي تشير إليه الآية الثانية ليس إلا الدفاع عن حق المستضعفين الذي تشير إليه الآية الأولى .
وعندما يكون الدفاع عن المستضعفين هو سبيل الله ، فإن ذلك يعني أن هذا الدفاع لا يخصّ مجتمعاً أو جماعة دون أخرى ، فعندما يدافع الإنسان عن شعبه ، فإن دفاعه هذا قد يكون في سبيل الله ، وقد يكون في سبيل الطاغوت ، كأن يكون في سبيل الوطن ، أو القومية والعنصرية والتكبر .
وعلى سبيل المثال فإن المجتمع النازي في المانيا قدّم أكثر من عشرة ملايين قتيل في سبيل أحلامه العنصرية التوسعية ، والمجتمع الصهيوني هو مجتمع حرب ، فميزانية الحرب فيه تطغى على كل ميزانية أخرى ، فكل إنسان في هذا المجتمع يعتبر مقاتلاً في سبيل هذا المجتمع ، ولكن هل قتاله هذا في سبيل الله أم في سبيل الطاغوت؟

مجرد الحرب ليس جهادا

إن مجرد الحرب والقتال ، ومجرد خوض المعارك لا يعنيان أن العمل الذي يقوم به الإنسان مشروع ، كما يشير إلى ذلك تعالى في قوله الكريم: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ... 5؛ فهما معاً يخوضان القتال، ويقدمان التضحيات، ولكن أحدهما يقاتل في سبيل الله، والآخر في سبيل الطاغوت.

ترى كيف نميز القتال الحق عن الباطل ؟

الجواب: الهدف هو وسيلة التمييز ، فإذا كان هذا الهدف متمثلاً في طائفة ، أو شعب ، أو قوم ، أو أرض معينة . . . فإن هذا يعني أن القتال قد يكون في سبيل الطاغوت.
أما إذا كان الإنسان يدافع عن المستضعفين مهما كانوا، وأينما كانوا ، فإن الأمر سيختلف ، فهذا يعني أن هذا الإنسان يحارب من أجل الله وفي سبيله.
وفي هذا المجال علينا أن نقول إن الإمام الحجة عجل الله فرجه، إنما يأتي من أجل المستضعفين في الأرض ، والذي نريد أن نبينه هنا أن وصول البشرية إلى درجة الدفاع عن المستضعفين يعني بلوغها القمة السامقة من الوعي والنضج الفكريين، فالإنسان ـشاء أم أبىـ لابد أن يكون محدداً ضمن إطار ، سواء كان إطار الأرض أم الإقليم أم أي إطار آخر ، فهناك ـ على سبيل المثال ـ رجل يدافع عن العراق ، وآخر عن أفغانستان ، وثالث عن لبنان . . . وهؤلاء يحق لهم أن يدافعوا عن أرضهم.
ولكن عندما يكون الدفاع عن الأرض فإن هناك واقعين يدفعان الإنسان معاً ، وهما ؛ دافع الإيمان ، ودافع الوطنية ؛ ولكن متى يصبح الدافع دافعاً وحيداً؟
الجواب: عندما يقال لك إن إنساناً مستضعفاً في نيكاراغوا، أو في ناميبيا ، أو في الفلبين أو أي بلد آخر من بلدان هذه الأرض الشاسعـة يتعرّض اليوم للمأساة والحرمان، فتندفع لنصرته، وفي هذه الحالة فقط سيكون جهادك في سبيل الله سبحانه وتعالى .
أما إذا اندفعت للقتال في سبيل أرض، أو شعب، أو قوم، أو من اجل قضية دون قضية أخرى، في حين أن القضيتين تشتركان في ملاك واحد، ومقياس واحد، فإن قتالك هذا سيكون فيه نظر؛ أي أنه سوف لا يكون خالصاً لوجه الله عز وجل.
إن القرآن الكريم يقول بصريح العبارة :﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ 6.
وهذا يعني أن هؤلاء المستضعفين يستحقون الدفاع أيا كانت انتماءاتهم ؛ سواء كانوا ملوّنين أم بيضاً ، فقراء أم أغنياء ، وسواء كانوا مؤمنين مخلصين أم لم يكونوا كذلك ، بل المهم في هذا المجال أنهم مستضعفون.
وإذا كانت هذه الحقيقة صادقة ، فإن هذا يشير إلى إن هناك فئة ستمهّد لظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه وإذا كانت هذه الحقيقة صادقة أيضاً ، فإن الصراع بين جبهة الحق والباطل إذا بلغ ذروته ، فإن الله تعالى سيأذن لوليه بالظهور . ونريد من بلوغ الصراع لذروته أن يتحول إلى صراع دوليّ وعالميّ ، وهذا يعـني أننا نقترب بخطى حثيثة من اليوم الموعود إن شاء الله . . .
والسبب في ذلك أن الصراع في العصور الماضية كان محدوداً وإقليمياً، فهو لم يمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها ، في حين أن الصراع الآن يشمل العالم كله ، فهذه الحروب يشترك فيها الأميريكيّون ، والفرنسيون ، والبريطانيون ، والروس بالإضافة إلى من يدور في فلكهم، وفي جهة أخرى نجد أن المسلم العراقي والإيراني والأفغاني وسائر المسلمين في العالم يقفون في جبهة واحدة ضد جبهة الجاهلية ، وهذا يعني أن الحق والباطل أصبحا يمثلان جبهتين عالميتين غير محدودتين بحدود إقليمية أو عنصرية وما إلى ذلك  7.