حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ما نزل في سورة التحريم في شأن فاطمة عليها السلام
قوله تعالى:
﴿ ... يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ... ﴾ 1
روى المحدث البحراني في غاية المرام عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ ... يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ... ﴾ 1 لا يعذب الله محمدا.
﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ... ﴾ 1 لا يعذب علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفرا.
﴿ ... نُورُهُمْ يَسْعَىٰ ... ﴾ 1 يضئ على الصراط بعلي وفاطمة 2. وفي تفسير البرهان عن ابن شهرآشوب في مناقبه عن تفسير مقاتل عن عطا عن ابن عباس مثله 3.
قوله تعالى:
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ 4
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ... ﴾ 4 مثلا ضرب الله لفاطمة (عليها السلام) وقال: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار 5. وفي كنز الدقائق عن مناقب ابن شهرآشوب عن حلية الأولياء بسند مختلف وبنفس اللفظ 6.
بيان:
إن المثل لا يصح إلا لوجود التشابه الظاهر بين حالتين نظريتين، كليا أو بمقدار جزئي بين غير خفي، ليكون واضحا لدى السامع وقد ارتفع عنه الالتباس بين الممثل أو بين الممثل به، وخلاف ذلك فلا يصح التمثيل بأي وجه.
والرواية في مقام بيان وجود مماثلة بين حالتي مريم وفاطمة عليهما السلام، فما هو هذا التماثل؟ وكيف يصح بعد ذلك؟
وللإجابة على ذلك يجب التنبيه إلى أن الآيات في صدد ضرب مثل للذين كفروا وللذين آمنوا، وهو ما يؤيد اتجاه الرواية من أن الآية قد ضرب الله بها مثلا لفاطمة، فالآيات السابقة جاءت بسياق واحد من ضرب المثل للذين كفروا وللذين آمنوا، أي وجود مقابلة بين حالتين إيجابيتين وسلبيتين، وهما حالتا امرأتي نوح ولوط، بكل وجوداتها السلبية، وبين حالتي امرأة فرعون ومريم بكل توجهاتها الإلهية المباركة. ولغرض بيان السياق نذكر قوله تعالى على سبيل استعراض وحدته قال تعالى ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ... ﴾ 7.
ولا بد هنا من معرفة المصاديق الخارجية التي ينطبق عليها المثل إلا أنها في حدود أكمل الأفراد، والرواية في صدد الإشارة للمثال الرابع الذي رتبته الآيات الكريمة، وهو مثل مريم بنت عمران، وأشارت إلى أكمل أفراد هذا المصداق وهي فاطمة (عليها السلام)، ولعل ذلك من وجوه 8: إن مريم بنت عمران قد تكفلها نبي الله زكريا وتعهد بتربيتها ونشأتها، فقال الله تعالى: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ... ﴾ 9.
وفاطمة الزهراء (عليها السلام) تكفلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعهد برعايتها بعناية خاصة إلهية، مما يعني أن هناك خصوصيات تتماثل بهما حالتي مريم وفاطمة (عليهما السلام)، ففي مريم قال تعالى: ﴿ ... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ... ﴾ 9، وإلى ذلك أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذه الحالة لدى فاطمة (عليها السلام) بقوله: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رآه زكريا لمريم، كان إذا دخل عليها " وجد عندها رزقا ". وقد روى القصة بطولها ابن شهرآشوب في مناقبه عن الثعلبي في تفسيره بإسناده عن محمد بن المنكدر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة فوجد عندها جفنة تفور فيها طعام.. إلى آخر الرواية 10. مما يعني أن هناك ارتباطا إلهيا بين فاطمة وبين الله تعالى، كما كان لمريم بنت عمران ارتباطا إلهيا كذلك.
وما في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ... ﴾ 11 من الأنباء المستقبلية، إذ أخبرها الله تعالى بأمر تكويني، وهو نظير ما في اللوح الأخضر لدى فاطمة (عليها السلام) الذي فيه أسماء الأئمة (عليهم السلام)، كما روي ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري في المشهور عنه شهرة عظيمة 12. وإذا كانت مريم بنت عمران شريكة عيسى (عليه السلام) في تبيان المعجزة، وهي كونها محلا له (عليه السلام) ووعاء طيبا لحفظه ورعايتها إياه إيمانا منها بذلك، فإن فاطمة (عليها السلام) في موقعها بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقل دورها عن خطبة الغدير مثلا وغيرها من المواقف النبوية في إثبات الإمامة لعلي (عليه السلام)، ومعنى ذلك أنها تشاركه (صلى الله عليه وآله وسلم) في إثبات حجية الإمامة، فضلا عن حجيتها على الأئمة (عليهم السلام)، وذلك لرجوعهم إلى مصحفها (عليها السلام) إذ هو أحد منابع علومهم الإلهية.
كما أن الإيمان بمريم (عليها السلام) ومنزلتها ليس من مختصات الديانة المسيحية، بل لدى المسلمين كذلك، فإن الآيات النازلة بفاطمة وأهل البيت (عليهم السلام) تشهد لهم بالقيمومة على الخلق ووجوب الإيمان والتسليم لذلك.
على أنا نود الإشارة إلى أن الزهراء (عليها السلام) وجودها تنزيلي، ولذا لم يكتب لها البقاء طويلا، إذ وجودها بوجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان التحاقها بالرفيق الأعلى بعيد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إحدى الشواهد على هذه الخاصية الإلهية 13.
- 1. a. b. c. d. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 8، الصفحة: 561.
- 2. غاية المرام للمحدث البحراني 436 عن أهل البيت في القرآن 356 السيد صادق الشيرازي.
- 3. تفسير البرهان 4: 356.
- 4. a. b. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 12، الصفحة: 561.
- 5. البرهان 4: 358.
- 6. كنز الدقائق 13: 345.
- 7. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآيات: 10 - 12، الصفحة: 561.
- 8. استفدنا هذه الوجوه من سماحة الحجة المحقق الأستاذ الشيخ محمد سند أثناء مجلس درسه المبارك.
- 9. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 37، الصفحة: 54.
- 10. المناقب لابن شهرآشوب 3: 339.
- 11. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 45، الصفحة: 55.
- 12. تنقيح المقال للشيخ عبد الله المامقاني في ترجمة جابر بن عبد الله الأنصاري 1: 200 الطبعة الحجرية.
- 13. المصدر: کتاب ما نزل من القرآن في شأن فاطمة(ع)ِ لسماحة السيد محمد علي الحلو.