مجموع الأصوات: 3
نشر قبل أسبوع واحد
القراءات: 114

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من واقع الحداثة إلى روح الحداثة

أقام الدكتور طه عبد الرحمن نظريته لبناء حداثة في المجال الإسلامي، في كتابه (روح الحداثة)، على أساس التفريق بين أمرين أساسيين، هما التفريق بين واقع الحداثة من جهة، وبين روح الحداثة من جهة أخرى.
وتمثل هذه الفكرة المدخل لفهم نظرية الدكتور طه عبد الرحمن في الحداثة الإسلامية، وهي الفكرة التي حاول التأكيد عليها، والإشارة إليها مراراً، وفي معظم فصول الكتاب المذكور، وكان اللافت أن أوضح تفريق بين هذين الأمرين، أشار له الدكتور طه في هامش الكتاب وليس في متنه.
وعن هذا التفريق يرى الدكتور طه أن روح الحداثة هي جملة القيم والمبادئ القادرة على النهوض بالوجود الحضاري للإنسان في أي زمان وأي مكان، أما واقع الحداثة فهو تحقق هذه القيم والمبادئ في زمان مخصوص ومكان مخصوص، وهذه التحققات سوف تختلف باختلاف الظروف الزمانية والمكانية، وأن أشهر تحقق لروح الحداثة تمثل في الواقع الحداثي الغربي.
ويتكون روح الحداثة في نظر الدكتور طه عبد الرحمن، من ثلاثة مبادئ أساسية، هي:
أولاً: مبدأ الرشد، ويقضي بوجود الاستقلال عن الأوصياء والأولياء، ووجود الإبداع في الأقوال والأفعال.
ثانياً: مبدأ النقد، ويقضي بممارسة التعقيل في كل شأن من شؤون الحياة، وممارسة التفصيل في كل أمر يحتاج إلى مزيد الضبط.
ثالثاً: مبدأ الشمول، ويقضي بحصول التوسع في كل المجالات، وحصول التعميم على كل المجتمعات.
ويترتب على هذا التحديد لروح الحداثة في تصور الدكتور طه النتائج التالية:
أولاً: تعدد تطبيقات روح الحداثة، ذلك أن روح الشيء تختص بكونها تقدر على التجلي في أكثر من مظهر واحد، وروح الحداثة التي هي جملة من المبادئ، فإن المبدأ لا يستنفذه أبداً تطبيق واحد، فلا بد إذن أن تكون لهذه الجملة من مبادئ الحداثة تطبيقات مختلفة.
ثانياً: التفاوت بين واقع الحداثة وروحها، ليس واقع الحداثة إلا واحداً من التجليات أو التطبيقات الممكنة لروحها، فيلزم أن يكون الواقع الحداثي غير الروح الحداثية.
ثالثاً: خصوصية واقع الحداثة الغربية، إن واقع الحداثة في مجتمعات الغرب لا يعد كونه إلا تطبيقاً واحداً من الإمكانات التطبيقية المتعددة، وهذا التطبيق الحداثي الخاص هو نفسه اتخذ في المجتمعات الغربية أشكالاً مختلفة، حتى كادت أن تكون لكل مجتمع منها حداثته الخاصة.
رابعاً: أصالة روح الحداثة، إن روح الحداثة هي من صنع المجتمع الإنساني في مختلف أطواره، وأسبابها تمتد بعيداً في التاريخ الإنساني الطويل.
خامساً: الاستواء في الانتساب إلى روح الحداثة، ليست الحداثة ملكاً لأمة بعينها، غربية كانت أو شرقية، وإنما هي ملك لكل أمة متحضرة.
بعد بلورة هذه النتائج يصل الدكتور طه إلى السؤال الذي يصفه بالأساسي، وهو ما هي كيفيات تطبيق روح الحداثة في المجتمع المسلم؟ وكيف تختلف عن وجوه تطبيق المجتمع الغربي لها؟
الإجابة عن هذا السؤال تستدعي في تقدير الدكتور طه ثلاثة شروط، يصفها بالشروط العامة للتطبيق الإسلامي لروح الحداثة، وهي:
الشرط الأول: اجتناب آفات التطبيق الغربي لروح الحداثة الذي دخلت عليه آفات مختلفة، حيث انقلبت الوسائل إلى غايات.
الشرط الثاني: لابد من اعتبار الحداثة تطبيقاً داخلياً لا تطبيقاً خارجياً، والدعوى بأن هناك حداثتين اثنتين، حداثة من الداخل، وحداثة من الخارج، هذه الدعوى هي دعوى باطلة وقاتلة، فكل أمة هي بين خيارين، إما أن تصنع حداثتها الداخلية، أو لا حداثة لها.
الشرط الثالث: لابد من اعتبار الحداثة تطبيقاً إبداعياً لا تطبيقاً إتباعياً، فالحداثة لا تنال إلا بطريق الإبداع.
هذه هي أبرز ملامح ومكونات نظرية الدكتور طه عبد الرحمن في بناء حداثة إسلامية، وبإمكان هذه النظرية أن تقطع الجدل الدائر حول هل توجد حداثة إسلامية أم لا؟، وترتقي بالنقاش حول بناء حداثة إسلامية إلى مستويات جديدة1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 15650.