الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

موجز عن حياة الامام علي الهادي

هو الإمام العاشر من سلسلة الأنوار الإلهية المنبعثة من نور الله الأعظم رسول الرحمة وخاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله). ولد الإمام (عليه السلام) في الثاني من شهر رجب من سنة اثنتين وثلاثين ومايتين للهجرة في ضاحية من ضواحي المدينة المنورة تسمى "صربا" وأمه مغربية كان اسمها "سمانة"، وقد تولى الإمام في سن مبكرة بسبب وفاة أبيه الإمام الجواد (عليه السلام) الذي استشهد بالسم سنة مايتين وعشرين أو خمس وعشرين على اختلاف الروايتين في ذلك، وعلى أبعد التقادير في موت والده فقد تولى الإمامة وهو في سن الثالثة عشرة من عمره.
وقد عاصر من الخلفاء العباسيين المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمعتز وهو الذي توفي الإمام (عليه السلام) في عهده سنة أربع وخمسين ومايتين للهجرة، وعلى هذا تكون مدة إمامته تسعاً وعشرين سنة.
وكان توليه الإمامة في ظرف عصيب على الأئمة (عليهم السلام) وعلى شيعتهم بسبب عداء الحكام العباسيين للخط العلوي وأتباعه خوفاً منهم على الملك والسلطان، ولذا نرى أن الإمام الهادي (عليه السلام) قد عاش في الإقامة الجبرية لأكثر من عشرين سنة في "سامراء" عاصمة العباسيين آنذاك، وذلك ليمنعوا تواصل أتباعه وشيعته معه، وكان أكثر هؤلاء الخلفاء حقداً هو "المتوكل" الذي حاول أثناء إمامة الهادي (عليه السلام) أن يهدم قبر الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهدمه فعلاً وسواه بالتراب وقتل العديد ممن كانوا يزورون قبر الحسين (عليه السلام)، كما فرض عليهم الضرائب لقاء زيارته (عليه السلام) من أجل منعهم إلا أن كل ذلك لم ينفع في توافد الناس لزيارة سيد الشهداء وغريب كربلاء (عليه السلام).
وقد بلغ خوف المتوكل من الإمام الهادي (عليه السلام) أن أرسل بطلبه من المدينة إلى العراق لكي يكون تحت نظره فيما يشبه الإقامة الجبرية وانتدب المتوكل لهذه المهمة "يحيى بن هرثمة" وعندما علم أهل المدينة بذلك ضجوا ضجيجاً عظيماً خوفاً على الإمام (عليه السلام) من بطش المتوكل، ولكن يحيى حاول تهدئتهم بأنه لم يؤمر بأن يقوم بأي عمل سيء ضد الإمام (عليه السلام) وحلف لهم على ذلك وأنه مأمور فقط بإيصاله إلى عاصمة الخلافة للأسرة العباسية، وقد حاول المتوكل من شدة حقده على الإمام (عليه السلام) أن يشوه سمعته فكان يدعوه وهو يشرب الخمر لينادمه لكن الإمام كان يرفض دائماً حتى قال المتوكل (ويحكم لقد أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها)، وعندها أشار عليه بعض المبغضين بأن للإمام الهادي أخاً يشرب الخمر ويسمع الأغاني فادعه إليك ونادمه وعندها ينتشر بين الناس أن الإمام الجواد (عليه السلام) هو الذي يفعل ذلك لأن لقب ابن الرضا منطبق على الأخوين، وعلم الإمام (عليه السلام) بذلك وحاول نهي أخيه عن منادمة المتوكل فلم يقبل منه عندها قال له الإمام (عليه السلام): (إن المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وإياه أبداً) ولم يحصل الأمر هذا خلال ثلاث سنوات حتى قتل المتوكل وتحققت نبوءة الإمام (عليه السلام) ولم يتمكن المتوكل من تشويه سمعة الإمام (عليه السلام) من خلال أخيه موسى.
وفي فترة إمامته التي قضى معظمها في الإقامة الجبرية عمل الإمام (عليه السلام) على نشر الإسلام ودافع عنه من خلال الرد على المغرضين والمشككين، وما اجتمع إليه واحد من هؤلاء إلا خرج وهو يقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) تعبيراً عن تفنيد مزاعمهم وتزييف ادعاءاتهم وأباطيلهم، وكانت أكثر المراجعات للإمام (عليه السلام) تتم عن طريق الكتابة إليه لكل ما يريد الرواة الإستفسار عنه بسبب التضييق على الإمام (عليه السلام)، وممن روى عنه "الحميري" و"محمد بن إسحاق الشعري" و"أيوب بن نوح" و"علي بن مهزيار" و"أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري".
وكان الغلاة في عهد الإمام الهادي (عليه السلام) يحاولون ترويج الأحاديث كذباً عن لسان الأئمة (عليهم السلام) فحاربهم الإمام (عليه السلام) ونهى عن الاستماع إليهم والأخذ برواياتهم وأجاب كل من سأله عنهم بأن ما يقولونه: (ليس من ديننا فاعتزلوهم) وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال: (لعن الله القاسم اليقطيني وابن حسكة القمي، إن شيطاناً يتراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً)، ومن البراءة من الغلاة قوله فيهم: (لعنهم الله يستأكلون بنا الناس نتانين مؤذين آذاهم الله وأرسلهم في اللعنة وأركسهم في الفتنة ركساً سحَر منهم الشيطان فأغواهم)، كما أمر الإمام (عليه السلام) بقتل البعض منهم بسبب تأثيره السيء في إبعاد الناس عن الدين الحنيف مثل "فارس بن حاتم" وقال بأنه يضمن الجنة لمن يقتله ويريحه منه لأنه يفتن الناس عن دينهم وأئمتهم (عليهم السلام).
وقد سعى الوشاة لدى المتوكل بأن الإمام (عليه السلام) يعد العدة للثورة على الخليفة لعلهم بذلك يصلون إلى غرضهم بقتل الإمام (عليه السلام)، فأرسل المتوكل جماعة بطلب الإمام فوجدوه في بيته ليلاً وهو قائم يصلي ويقرأ القرآن فأحضروه على تلك الحالة، وكان المتوكل حينها يسكر فطلب من الإمام (عليه السلام) مشاركته فقال له: (والله ما خامر لحمي ودمي فاعفني منه فعفاه)، ثم طلب من الإمام أن ينشده شعراً فقال الإمام (عليه السلام):
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم  ***  غُلْبُ الرجال فما أغنتهم القلل
واستُنْزِلوا بعد عز عن معاقلهم  ***  فأُودِعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قُبِروا  ***  أين الأسرَّة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة  ***  من دونها تُضْرَب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم  ***  تلك الوجوه عليها الدود ينتقل
فما كان من المتوكل لما سمع هذا الشعر مع بقية القصيدة إلا أن أمر برفع الشراب من أمامه وصار يبكي بكاءً شديداً.
ومن أقواله وحِكَمه المأثورة: (أبقوا النِّعم بحسن مجاورتها والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها) و(لا تطلب الصفاء ممن كدَّرت عليه عيشه، ولا الوفاء ممن غدرت به، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه فإنما قلب غيرك لك كقلبك له).
(فالسلام على الإمام الهادي (عليه السلام) يوم ولد ويوم مات ويوم يُبْعَثُ حياً). والحمد لله رب العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.