حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل الإمامة نص وتعيين، أم هي شورى واختيار من قبل المحكومين؟
تمهيد
لم أكن أتصور بأنني سأجد هذا الزخم الهائل من الأحاديث والآيات التي تؤيد وتدعم دعوى الشيعة. فبعد حواري مع ابن عمي ، والذي أخذ منحى آخر معي متوخيا الحذر بعد أن علمت بظلامة الزهراء (ع) ... أعطاني ثلاثة كتب قرأتها ، كان الأول لدكتور أعلن ولاءه لأئمة أهل البيت (ع) بعد أن كان من علماء أهل السنة والجماعة ، والكتاب الثاني المراجعات وهو مناظرة قيمة جرت بين عالم شيعي وهو السيد عبد الحسين شرف الدين وآخر سني كان زعيما للأزهر الشريف هو الشيخ سليم البشري ، وكتاب آخر عن تأريخ الشيعة وظلم الحكام لهم على امتداد التاريخ ، وحقا كان لكتاب ثم اهتديت، للدكتور التيجاني السماوي الدور الأكبر في تحفيزي للبحث كما أنه كان دافعا لقراءة كتاب المراجعات بدقة وعناية ولا أظنني سأجد كتابا على أديم الأرض أكثر قوة وحجة ومنطقا من كتاب المراجعات الذي أماط اللثام وأبطل كل حجج الشيخ البشري بأدب ووقار.
وأذكر ذات يوم أن أحد الأشخاص استعار كتاب المراجعات من أحد الأصدقاء وبعد فترة وجيزة جاء بالكتاب وهو يقول ـ محأولاً الاستهزاء به كردة فعل طبيعية إنه مختلق وإن هذه المناظرة أساسا لم تقم ، فأجابه الأخ : ـ يا شيخنا فلنفرض جدلا أن هذه المناظرة لم تكن ، وأن هذه الشخصيات لا وجود لها في الحقيقة ما رأيك فيما ورد في الكتاب من الأدلة ، نحن كلامنا ليس حول الشخصيات وما يهمنا محتوى الكتاب إذا كنت تملك ردا عليه فتفضل ﴿ ... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 1 وإلا فالزم الصمت ... فصمت صاحبنا. والحال إننا نثق بأن هذه المناظرة والحوار بين السيد عبد الحسين والشيخ سليم حدثت حقيقة ، والشخصيتان علمان بارزان في سماء الأوساط الدينية عند الشيعة والسنة.
وسوف أقدم مجموعة من الأدلة تأخذ بأعناقنا شئنا أم أبينا إلى اتباع أهل البيت (ع) والاقتداء بهم دون غيرهم من الخلق لأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وإن الهدى في اتباعهم وأخذ الدين منهم وموالاتهم وإن الضلالة في موالاة غيرهم ولن آتي بدليل من خارج الكتب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة حتى نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.
وموضوع بحثنا كما هو واضح الإمامة والخلافة التي قيل فيها : لم يسل سيف في الإسلام كما سل في الإمامة ، وهي جذر الخلاف القائم بين الشيعة والسنة ومن عندها تفرع حتى وصل إلى أصغر الجزئيات فهل الإمامة نص وتعيين أم هي شورى واختيار من قبل المحكومين؟.
بالشورى أم بالتعين؟!
مفهوم الشورى عند أهل السنة والجماعة غير واضح
الحق إن الكلام حول خلافة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم غير واضح عند الإخوة أهل السنة فتارة يقولون بالشورى وأخرى يعطون الشرعية للنص ، ومع ذلك لا نجد مستندا شرعيا ولا دليلا يؤيد دعواهم ، وقد تمسكوا بآيتين وردتا في القرآن الكريم اشتبه على القوم سبيل فهمهما كما سنبين.
ولم نجد عندهم مفهوما واضحا للشورى ولا حدودا ولا تفاصيل سواء من القرآن أو السنة ، لأن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يوضح شيئا ـ كما يظنون ـ عن أخطر فتنة يمكن أن تتعرض لها الأمة وهي الخلافة بحسب منهجهم ، وهو الذي يحمل على عاتقه تبليغ خاتمة الرسالات ولم يترك فيها كبيرة ولا صغيرة يحتاجها الناس إلا وبينها لهم حتى أحكام التخلي فكيف بقيادة الأمة ونظام الحكم في الإسلام؟ بل إن القول في الشورى عندهم عبارة عن اجتهادات لعلماء رسموا مفهومها الديني بناء على ما جرت عليه الأحداث ، فقالوا يجوز لولي الأمر أن يعين خليفته كما فعل أبو بكر ، ويمكن أن تنعقد البيعة لأحدهم بمبايعة فرد واحدكما بايع العباس عليا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وكما بايع عمر أبا بكر ، ومنهم من قال إن الشورى تنعقد بأهل الحل والعقد ولكن دون توضيح من هم أهل الحل والعقد ومن الذي يعينهم ، وبعضهم جمع بين كل ذلك وتاه في ظلمات بعضها فوق بعض ... وكل ذلك تقول على الدين لا يؤيده دليل عقلي ولا نقلي اللهم إلا الآيتان الشريفتان وهما أجنبيتان عن المقام ولا يمكن تثبيت هذه الشورى المزعومة بهما.
الآية الأولى :
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... ﴾ 2.
استدلوا بهذه الآية على أصل الشورى وقالوا إن الخلافة والإمامة بالشورى في حين أن الآية واضحة في خلاف مرادهم إذ أنها تخاطب الحاكم الذي استقرت حكومته وتوجهه لمشاورة الرعية لأنه هو الذي يشاور ، ونفس الآية تشير إلى أن هنالك ثمة رئيس (حاكم) بعد أن يمحص الآراء والأفكار يأخذ بالنافع منها ثم يعزم هو على ما ارتآه بعد المشاورة متوكلا على الله .. كذلك تبين الآية أن الأمر هنا غير الحكومة ، فبدون الحاكم لا وجود للشورى لأنها تحتاج إلى حاكم يكون قيما عليها ليعزم ويتوكل على الله ، وبناء على هذه الآية لا تتم الشورى إلا بولي الأمر الذي يفصل في موضوعها ، وعلى ذلك لا دلالة للآية على الشورى التي بها يتم اختيار ولي الأمر لأن وجوده مكمل لنفس الشورى ، ويتوقف اختياره على وجوده ضمن الجماعة المكونة للشورى ، وهذا يلزم الدور وهو باطل ، والدور يعني تثبيت وجودشيء بوجودشيء آخر يتوقف وجوده على وجود الشئ الأول مثل قضية الدجاجة والبيضة أيهما أول فالبيضة يتوقف وجودها على الدجاجة وكذلك الدجاجة وما أشبه!!
الآية الثانية :
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 3 إن الآية الكريمة حثت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أمورهم ، أما كون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهو أول الكلام ، إذ لا ندري هل هو من شؤونهم أم من شؤون الله سبحانه وتعالى وعلى فرض أن ذلك من شؤونهم فمع هذا لا يصح الاستدلال بهذه الآية في موضوع تعيين الإمام والخليفة إذ لا يقال أنه يجوز قيام الشورى الشرعية دون ولي الأمر كما ذكرنا في الاستدلال بالآية السابقة ، والآية في الواقع عامة تولت تفصيلاتها آية ﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... ﴾ 2 أما الآية موضع البحث فقد جاءت تتحدث عن صفات المؤمنين والرسول صلى الله عليه و آله و سلم أحدهم بل أكملهم وأتقاهم وهو ولي الأمر المستقر له الوضع ، فلا يمكن أن لا تكون له كلمة الفصل ، وواضح من الآية أنها نزلت بلحاظ وجود ولي الأمر بينهم لا بعدم لحاظه ومن يدعي غير ذلك فعلية الإثبات.
إذا علمت ذلك نقول أنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إما كان هناك ولي أمر فلا داعي للشورى لتنصيبه ، وإما لم يكن فيحتاج إلى شورى شرعية حتى يتم تنصيبه. والشورى الشرعية تحتاج إلى ولي أمر قيم عليها يأخذ بالنافع بعد المشاورة ويعزم عليه وبدونه تكون الشورى غير شرعية فلا يلزم بها أحد من المسلمين.
وبناء على ذلك لا بد من النص على الإمام (ولي الأمر) وهذا ما يثبته التاريخ والعقل ومرويات الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والقرآن وفيها ما يشبعك.
التعيين ضرورة
جاء في سيرة ابن هشام.
لما دعا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بني عامر للإسلام وقد جاؤوا في موسم الحج إلى مكة قال رئيسهم : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : الأمر لله ، يضعه حيث يشاء 4.
لقد بين الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن الأمر لله تعالى وهذا القرآن الذي نتلوه ليل نهار يؤكد ذلك أيضا بقوله تعالى :﴿ ... اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ... ﴾ 5. والاصطفاء الإلهي لحمل عب ء تبليغ الرسالة والحفاظ عليها سنة إلهية لن تتغير ولن تتبدل ، قال الله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 6 ويقول جل وعلا ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 7، ويؤكد سبحانه وتعالى أن الأمر ليس بيد أحد مهما بلغ من الوعي فأضاف إلى نفسه تعالى الاختيار والجعل يقول تعالى ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ 8، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ 9.
وهذا الجعل ليس بأمر الأمة بل بأمر الله ﴿ ... بِأَمْرِنَا ... ﴾ 8 ولا يعقل أن يكون الضمير في أمرنا شامل للأمة إذ ليست هي التي توحي إلى الأئمة فعل الخيرات وإقام الصلاة ... كما أن الأمة ليست هي المعبودة ﴿ ... وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ 8 ولا هي صاحبة الآيات ﴿ ... بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ 9.
وضرورة التعيين أمر يعلمه كل إنسان بوجدانه وعقله ، لضرورة وجود خليفة للنبي صلى الله عليه و آله و سلم يقوم مقامه في كل واجباته ، ويكاد يكون ذلك من البديهيات وإلا أي ضمانة يمكن لها أن تحفظ لنا ديننا وتمثل بوصلة لبيان الانحراف الذي ربما يحدث بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما حدث في الأمم السابقة؟ من الذي تركن إليه الأمة ليواصل مسيرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وكيف يتأتى للرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن ينتقل للرفيق الأعلى دون أن يعين خليفته؟ أمن العقل أن يترك أمر الخلافة والإمامة في أيدي الناس الذين قد تتغلب عليهم شهوة السلطة والزعامة؟ ذلك لأن طبيعة البشر تهوي به إلى أسفل ولا يكفيها وجود شريعة محفوظة في الكتب ، بل لا بد من تجسيد تلك الشريعة في إنسان يتمتع بتفوق تشريعي (معصوم) يعطيه صلاحية تطبيق الشريعة على الناس (منصوص عليه) إذ لا بد لكل قانون من مطبق نافذ الكلمة وإلا عاد القانون حبرا على الورق 10.
إن الخالق الذي من أجل كمال كل مخلوق وفر له الوسائل الضرورية وغيرها كي يعبر من حدود النقص والضعف إلى منازل الكمال ، كيف يمكن أن يستثني من ذلك القيادة بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والتي تعتبر عاملا مهما لرقي الإنسان معنويا وروحيا.
والتعيين أمر تنبه له أبو بكر عندما كتب وصيته التي نصب فيها عمر خليفة من بعده وأمر الناس بالسمع والطاعة له ... ومع أنه كان على فراش الموت عند كتابته لذلك إلا أن عمر كان حريصا على تنفيذ الوصية في حين أنه كان المعترض الأول على الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عندما أراد كتابة وصيته وهو مريض وقال إنه يهجر ويقول أمير المؤمنين علي (ع) في شأن تعيين أبي بكر لعمر « فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها ».
كما أن عائشة أقرت بضرورة التعيين عندما ضرب عمر وبقي على الفراش ينتظر الأجل المحتوم إذ أرسلت إليه أن أوص من يخلفك ولا تترك أمة محمد بعدك هملا. وبدون راع ، وأشار عبد الرحمن بن عوف على عمر بذلك أيضا.
والواقع العملي يثبت أن الخلفاء جاؤوا بالتنصيب وبلا شورى حتى شورى الستة كانت بالتعيين كما سترى 11.
- علي بن أبي طالب أول خليفة للنبي (ص)
[Freelinking: Invalid Node ID “35221”]
- أهل البيت (ع) هم أولو الأمر بعد النبي (ص)
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 111، الصفحة: 17.
- 2. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 159، الصفحة: 71.
- 3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 38، الصفحة: 487.
- 4. السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 424.
- 5. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 124، الصفحة: 143.
- 6. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 33 و 34، الصفحة: 54.
- 7. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 32، الصفحة: 438.
- 8. a. b. c. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 73، الصفحة: 328.
- 9. a. b. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 24، الصفحة: 417.
- 10. الفكر الإسلامي مواجهة حضارية ـ العلامة السيد محمد تقي المدرسي ص 250.
- 11. المصدر: كتاب بنور فاطمة اهتديت للسيد عبد المنعم حسن السوداني حفظه الله.