مجموع الأصوات: 55
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 6841

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

المثقفون العرب وخطاب النهايات

لقد وجد بعض المثقفين العرب دهشة في خطاب النهايات، بوصفه خطاباً يحمل نعياً من جهة، وحلماً من جهة أخرى، وما بين النعي والحلم يتحدد مدار حركة طبقة المثقفين عادةً، الذين يغلب على مزاجهم وخطابهم ومواقفهم الذهنية والنفسية والاجتماعية النعي تارة، والحلم تارة أخرى، وغالباً ما يحدث أن يبدأ المثقف عندنا بواكير حياته حالماً وينتهي في أواخر حياته ناعياً، وكأن حركة التاريخ في مجالنا العربي والإسلامي تسير نحو نكوص وأفول تجعل من النعي خطاباً مفضلاً عند البعض أو عند شريحة كبيرة من المثقفين.
وكثيراً ما ينتقد المثقفون في مجتمعاتنا بسبب الحلم أو بسبب النعي، لأن المثقف على طريقة الشعراء حين يحلم يكون مسرفاً في الحلم، وحين ينعى يكون مسرفاً في النعي كذلك، وعلى طريقة الشعراء أيضاً.
كما أن الحلم عند المثقف هو غير الحلم عند غيره، والنعي عند المثقف هو غير النعي عند غيره أيضاً، ففي الحلم ينتقل المثقف من أفلاطون وجمهوريته إلى الفارابي ومدينته الفاضلة، وفي النعي عنده طبقات لا تعد ولا تحصى من شعراء الرثاء، من ابن الرومي في العصر القديم إلى أحمد شوقي في العصر الحديث. ليس هذا فحسب فهناك المثقف الذي ينعى حلمه ويحول حلمه نعياً، وهناك من يحلم نعياً ويحول نعيه حلماً.
وخطاب النهايات يحمل نعياً لما هو كائن، ويحمل حلماً لما ينبغي أن يكون، لكنه ليس بالضرورة أن ينتهي بصيرورته من ما هو كائن، إلى ما ينبغي أن يكون. لأن هذا الخطاب قد ينقلب على وظيفته، ويتحول إلى مجرد لعبة يلعبها الكاتب أو المثقف في إطار ما يسمى بلعبة اللغة، التي تجعل من الكلمات والألفاظ والمفاهيم والمصطلحات أداة ومسرحاً لها، وهي أكثر لعبة يحسن الكاتب أو المثقف إدارتها والسيطرة عليها، فهو يعرف كيف ومتى يدخل فيها، وكيف ومتى يخرج منها، وكيف ينتقل فيها من دور إلى دور، ومن حال إلى حال، من المجاز إلى الحقيقة، ومن الحقيقة إلى المجاز، ومن تقمص فعل الماضي إلى تقمص فعل الحاضر والمستقبل، إلى باقي التصرفات والأفعال الأخرى، ويعرف كيف يتحرك فيها من زاوية إلى زاوية أخرى، ومن ساحة إلى ساحة أخرى، وفي كل هذه الحالات لا تتجاوز اللعبة إطار اللغة.
ومن وجه آخر، ينتمي خطاب النهايات زمناً ومعرفة وتاريخاً إلى النسق الفكري الغربي، وهو خطاب غربي بامتياز، ويعبر عن موجة من الكتابات المتتالية والمتراكمة، التي تصنف على حقول وميادين متعددة ومتنوعة.
ويتصل هذا الخطاب الباحث عن النهايات بطبيعة التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة والمتعاظمة في داخل الغرب، والمؤثرة بقوة على مجريات الحياة، وعلى حركة التطور والتقدم هناك.
ومن وجه نقدي يظهر على هذه الموجة، كما لو أنها مصابة بلوثة، هي لوثة التعلق بمقولة النهايات، التي ظلت تنتقل من موضوع لآخر، ومن حقل إلى حقل آخر، وتكاد تصل إلى كل شيء هناك، بغض النظر عن صدقية هذه المقولة، فمن نهاية المؤلف ونهاية المنهج ونهاية الكتاب ونهاية المثقف، إلى نهاية العلم ونهاية الفلسفة ونهاية الجغرافيا ونهاية التاريخ ونهاية العلوم الاجتماعية، وصولاً إلى نهاية الإنسان ونهاية الدولة ونهاية الأرض.. إلى غير ذلك من قضايا وعناوين، يبدو أنها لن تقف عند حد معين، وحول هذه النهايات وغيرها صدرت كتابات ومؤلفات وما زالت تصدر ولن تتوقف أيضاً، حتى لو وصلنا إلى نهاية النهايات1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس 12 رجب 1428هـ / 26 يوليو 2007م، العدد 14943.