حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
عصمة الزهراء (ع)
المتتبع للنصوص الواردة في القرآن والسنة الشريفة عن أهل البيت (ع) بما فيهم الزهراء (ع) لا يجد سوى الاقرار بعصمتهم وعلو شأنهم عن الذنوب والمعاصي ، وإليك لمحات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تثبت عصمة أهل البيت (ع) وطهارتهم وقد مر عليك ذكر بعضها.
لقد مرت عليك عزيزي القارئ آية التطهير ودلالتها على عصمة أهل البيت المقصودين في الآية وفاطمة منهم ونورد الأدلة التالية تعزيزا لقولنا بعصمة فاطمة (ع):
1 ـ قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عنها إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، هذا القول للرسول صلى الله عليه و آله و سلم تلازمه العصمة لأنه من المستحيل أن يناط غضب الزهراء بغضب الله سبحانه وهي غير معصومة ... لأن القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في الزلل والخطأ وربما تغضب لغير الحق ، والرسول صلى الله عليه و آله و سلم في كلامه إطلاق بلا تقييد يعني أن الزهراء (ع) لن تغضب إلا لشئ يغضب الله بسببه ومن كان غضبه يعني غضب الله فهو لن يفعل إلا الحق ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين وبالتالي يمثل غضبه الحق ، وفي الواقع إن هذا الحديث يدلل أن للزهراء مكانة عظيمة لا تدرك بالعقول.
ولبيان هذه العظمة التي من تجلياتها عصمتها (ع) أكد الرسول تكرارا عليها كقوله صلى الله عليه و آله و سلم « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها »1. إن أذى الرسول يعني أذى الرسالة ، أذى القيم والمبادئ ، لأنه صلى الله عليه و آله و سلم هو محور الحق بل هو الحق الذي يجب أن نقتبس منه ، إن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يمثل الإرادة الإلهية وهو قطب الرحى الذي به يعرف الموحد من المشرك والكافر إذ أن الله تعالى غيب لا ندركه بعقولنا وأوهامنا والارتباط به تعالى يكون عبر رسله وأنبيائه. لذلك كان مبعث الأنبياء وتولية الأوصياء. ولذلك لا يكون الرسول إلا معصوما حتى لا يفترق عن الحق لحظة واحدة وبالتالي تكون كل تصرفاته حق وأذيته تعني التحدي للرسالة والإرادة الإلهية ولبيان هذه الحقيقة يقول القرآن الكريم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ... ﴾ 2 وأكرر القول إن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عندما يتحدث عن شخص أو يدلى بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة وبالتالي يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حق ، والمتفق عليه أن قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وفعله وتقريره حجة يعني شرع نتعبد به قربة إلى الله تعالى. وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام فاطمة بضعة مني يعني هي جزء لا يتجزأ من كيانه وروحه وهو كما قلنا محور الحق والشرع وبالتالي تكون الزهراء (ع) أيضا كذلك ، لذلك جعل الرسول أذاها أذاه وكلشيء يريبها يريبه وهو المعصوم الذي لا تميل به الأهواء ومن يكون جزءاً منه يؤذيه ما يؤذيه فهو أيضا مؤهل أن يكون معصوما. وبهذا التقريب نرى عصمة الزهراء (ع) جلية وواضحة فقط تحتاج إلى وجدان صاف سليم وعقل مستنير.
2 ـ قوله تعالى ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 3 إن كل الأنبياء السابقين لم يطلبوا أجرا من أقوامهم إنما كان قولهم ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 4 لقد ذكر ذلك في القرآن على لسان الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب 5. ولكن نبينا الأعظم أمره الله عز وجل بأن يسأل أمته المودة في القربى ولكن لا لكي يستفيد هو بل لتستفيد أمته ، لأنه ليس بدعا من الرسل ليطالب بأجر لرسالته من دون الرسل ، كما أنه ليس من المتكلفين كما جاء على لسانه قوله تعالى ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ 6، ودليلنا على أن الفائدة من هذا الأجر الذي طلبه منا تعود علينا نحن قوله تعالى ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ... ﴾ 7، وبنظرة أخرى إلى آيات القرآن الحكيم نجد أن هذا الأجر المتمثل في مودة القربى هو السبيل إلى الله تعالى في قوله عز وجل ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 8، وهو الذكرى للعالمين كما يقول تعالى ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ﴾ 9. إذا مودة القربى هي الذكرى وهي السبيل الذي يقول عنه تعالى ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ 10 والسبيل إلى الله لا بد أن يكون قويما لا عوج فيه يعني باتباعه نضمن أننا على الصراط المستقيم ونهايتنا الجنة بمعنى أقرب لا بد أن يكون معصوما وقد تجسد في القربى وهم أهل البيت (ع) كما هو المسلم به عند جميع المسلمين فيما يرتبط بنزول الآية في أهل البيت (ع) وفاطمة عماد ذلك البيت فوجب أن تكون معصومة لأنها أحد مصاديق ذلك السبيل.
3 ـ فاطمة (ع) ومريم (ع) : فيما سبق من روايات وضح لنا أن فاطمة الزهراء (ع) هي سيدة نساء العالمين وهي سيدة نساء الجنة. وما إليه من أحاديث تثبت أن الزهراء (ع) أفضل النساء من الأولين والآخرين ، ومن جملة النساء الكمل مريم الصديقة (ع) أم النبي عيسى (ع) لقد ارتقت مريم سلم الكمال حتى اصطفاها الله تعالى وطهرها ، بل وخاطبها الوحي كما جاء في القرآن الكريم يقول تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ 11 لقد طهر الله مريم واصطفاها وهذه هي العصمة بعينها ، ولا يمكن بمجال أن يكون الفاضل أقل درجة من المفضول فإذا ثبتت عصمة مريم (ع) فبالأولى إثبات عصمة الزهراء (ع) لأنها أعلى رتبة وأخص درجة بما عرفت عنها ومدح الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لها.
لقد أوردنا ما أوردناه لإثبات عصمة الزهراء (ع) أو لا أقل بيان قدسيتها بحيث يمتنع صدور فعل قبيح منها يخالف الشرع أو يرضي طموحا شخصيا لها. ورغم قناعتي بأن الكثير من المسلمين لا يحتاجون إلى مزيد من الكلام حول طهارتها وقدسيتها إلا أنني تأكيدا للحجة على المعاندين والمغالطين أطلت الحديث عن هذا الموضوع ولأنه سيكون المعتمد الأساسي في الإجابة على سؤال عريض سيواجهنا وتجب الإجابة عليه. ألا وهو أين نقف نحن بالنسبة لموقف الزهراء من أبي بكر؟ وكيف المخرج؟ هل يجوز لنا القول بأن الزهراء (ع) مخطئة؟
أما بالنسبة للسؤال الأخير فلا يحق لنا ذلك بل إن القول به يعني الكفر بالله وبآياته وبرسوله ، ويبدو لي أن الإجابة على بقية الأسئلة واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء.
ولكن قبل أن أنهي الحديث عن هذا الموضوع ، الذي أترك فيه المجال لأصحاب العقول المنيرة والضمائر الحية ليحددوا فيه الموقف ، أعرج على حديث شغلني كثيرا وأنا أقيم موقف الزهراء (ع) من الخليفة أبي بكر وغضبها وعدم السماح له ولعمر بالصلاة عليه حتى وهي ميتة ، ألا وهو الحديث المشهور (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
حسنا لقد أصبح أبو بكر خليفة للمسلمين بعد انتقال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى الرفيق الأعلى. والخليفة هو الإمام وقد جاء في الحديث أن من لم يعرفه يموت ميتة كميتة الجاهلية. وفاطمة (ع) ليس فقط لم تعرف الخليفة بل عارضته وهاجمته وغضبت عليه وأمرت أن لا يصلي عليها فكيف المخرج من هذه المعضلة؟! فإما أن تكون فاطمة ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله وهذا ما لا يقول به مؤمن برسالة أبيها صلى الله عليه و آله و سلم وإما أن تكون في موقفها على حق وبالتالي تنسف كل شرعية للخلافة القائمة آنذاك وهو ما قامت عليه الأدلة والبراهين فثبتت نقلا وعقلا كما بينا وسنبين المزيد إن شاء الله تعالى 12.
- 1. لمعرفة مصادر هذه الأحاديث يرجى مراجعة فضائل الزهراء في هذا الكتاب.
- 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 57، الصفحة: 426.
- 3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
- 4. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 164، الصفحة: 374.
- 5. مراجعة الآيات (109 ـ 127 ـ 132 ـ 145 ـ 164 ـ 180) من سورة الشعراء.
وقد جاء في صحيح البخاري في المناقب ج 4 ص 219 عن ابن عباس قال : إلا المودة في القربى ، القربى قربى محمد صلى الله عليه و آله و سلم. - 6. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 86، الصفحة: 458.
- 7. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 47، الصفحة: 433.
- 8. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 57، الصفحة: 365.
- 9. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 90، الصفحة: 138.
- 10. القران الكريم: سورة الانسان (76)، الآية: 3، الصفحة: 578.
- 11. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 42، الصفحة: 55.
- 12. المصدر: كتاب بنور فاطمة اهتديت للسيد عبد المنعم حسن السوداني حفظه الله.