مجموع الأصوات: 99
نشر قبل 15 سنة
القراءات: 10639

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الحجاج وفد الله إليه

نحن وفد الرحمن الذين قد اجتُبينا واصطفينا من قبل الله سبحانه وتعالى للمثول إلى أرض الحج المقدسة لنمثل بلادنا التي جئنا منها ومجتمعنا الذي قدمنا منه ، وها هو موسم الحج قد تضاعف عدده عن العدد المقرر وصوله من كل دولة إسلامية حسبما تقول مقررات منظمة المؤتمر الإسلامي .
ولكن ؛ متى كان هذا الاصطفاء والانتخاب ولماذا ؟
وأقول إن الانتخاب لم يجر بالصورة المتعارفة ، بل هو انتخاب قد جرى من قبل الله عز وجل ، حيث أمر نبيه إبراهيم عليه السلام قائلاً : ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ 1 . وأذّن إبراهيم فانتخب من لبّى وهو في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فبهذا كان مرسوم الانتخاب حسبما تؤكد الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام .
وكان لهذا الانتخاب والاصطفاء الإلهي متعلقات وتبعات ، تماماً كما تقوم أنت ـ كمواطن ـ بانتخاب من يمثلك في مجلس الشعب والبرلمان ، فهذا النائب يكون ملزماً بالسعي إلى حل مشاكلك سعياً واعياً ومخلصاً ، وإلاّ فإن القانون سيحكم بسلبه مواصفات النيابة الشعبية .
وأنت الذي قد انتخبك الله لأداء مناسك الحج دون الملايين الأخرى من المسلمين لابد أن تتعرف على واجباتك وتؤدي هذه الأمانة المقدسة بأفضل صورة .
فالإنسان الحاج باعتباره موفداً من الله وإليه ، إنما يأتي إلى موسم الحج بذنوبه ليعود طاهراً مطهراً ، وإنما يأتي بمشاكله وحاجاته ليعود وقد حلّت مشاكله وقضيت حاجاته . وهذه هي أهداف الحج لا غير . أما إذا عاد الحاج بذنوبه ومشاكله وحاجاته ، فلا يمكن تسمية حجه هذا إلا بالحج الفاشل المرفوض .
إن موسم الحج عبارة عن أشهر معلومات كما أوضح الله ذلك في كتابه الكريم . فمن اقتحم موسم الحج وارتدى رداءه ، عليه أن يلتزم بواجباته ويحجم عن محرماته كالنكاح والجدال والكذب ، ليعلن عن التزامه بآداب الضيافة الرحمانية من جهة ، وليقطف ثمار هذه الضيافة من جهة أخرى ، وليكون اسماً على مسمىً . ولعل ما نذهب إليه من القول بضرورة قطف ثمار الضيافة الرحمانية ، هو التعبير الأشد تواضعاً عـن قوله الله سبحانه وتعالى : ﴿ ... وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ... 2 ، نظراً إلى أن موسم الحج عبارة عن دورة تربوية هي الغاية في الدقة ، بدءاً من أول لحظة يعقد فيها الإنسان النية إلى الحج وحتى اللحظة الأخيرة والعودة إلى البيت والأهل .
والحاج نفسه مطالب كل المطالبة بعد الخروج من هذه الدورة التربوية الدقيقة بتطبيق ما تمرس عليه لدى العودة إلى وطنه ومجتمعه . فهو مسؤول عن نزع ثوب الكبرياء والعصبية والحمية والحقد والضغينة . . لأنه قد مارس التواضع والعبادة والخشوع أثناء الحج . وهو مسؤول أيضاً عن محاربة الشيطان وأعوانه في المجتمع ، لأنه قد رمى رمزه في منى ، وهو مسؤول أيضاً عن البحث عما يقربه ويقرب أبناء مجتمعه إلى الوحدة والاتحاد ودفع كل ما من شأنه تمزيق الأمة ، لأنه قد مارس ما يرمز إلى كل أشكال الوحدة وما يغني الفرد في الجمع المؤمن .
إن من جدير القول هو أن تفاقم الفتن وعصف الأزمات في مجتمعنا المسلم ، كالتفكك الأسري وسوء التربية وانتشار المخدرات وتراجع التحصيل العلمي وارتفاع معدلات الطلاق ونسبة البطالة وضحالة الإنتاج الصناعي والزراعي . . كل ذلك من شأنه أن يمسخ شخصية الإنسان المسلم مسخاً لا يمكن تصور مداه ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وضع الحلول المناسبة له إلا عن طريق العودة إلى الالتزام بالثقافة الإسلامية الأصيلة . ولا شك أن رسالة الحج تعني الكثير مما نذهب إليه ، إذ هي تكليف إلهي مباشر بأن يؤدي الحاج الأمانة الملقاة على عاتقه ، فينشر ما تعلمه ويبلغ ما رآه ويطبق ما حفظه ، حتى تأخذ معاني الحج مصاديقها ، كالوحدة والالتزام بالأخلاق والفضيلة وطرد الضغائن والأحقاد ، والتمحور حول مبادئ الدين الحنيف الذي يمثل الحل الأول والأخير لجميع مشاكل وأزمات المسلمين الراهنة 3 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. القران الكريم : سورة الحج ( 22 ) ، الآية : 27 ، الصفحة : 335 .
  • 2. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 197 ، الصفحة : 31 .
  • 3. كتاب : " في رحاب بيت الله " لآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي ، الفصل الأول : نور المعرفة . و هذا الكتاب مجموعة من خطب و كلمات ألقاها سماحته في سفرة الحج على حملات الحجاج من أطراف الأرض وأكنافها .