حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
لا تكونوا مذاهب، وتتبعون اناسا على انهم علماء، مع انهم لا يعرفون ماذا يقولون؟
نص الشبهة:
قال: انقذ نفسك قبل أن تموت، هذه نصيحة مني إليك، واترك المشكوك فيه، وآمن صح، واعمل الصالحات. اعبدوا الله فقط، ولا تكونوا مذاهب، وتتبعون أناساً على أنهم علماء، مع أنهم لا يعرفون ماذا يقولون.
الجواب:
أني أشكرك على هذه النصيحة الثمينة.
وبالمناسبة أود أن أقول لك: إننا الشيعة الإمامية أنقذنا أنفسنا باتباع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله كما أمرنا نبينا صلى الله عليه وآله، وتركنا اتباع غيرهم ممن لم نؤمر باتباعهم.
وبتوضيح أكثر أقول: إننا نظرنا في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، فرأينا أنه صلى الله عليه وآله أمر الأمة باتباع أهل بيته في حديث الثقلين الصحيح السند عندنا وعندكم، ولم نجد حديثاً واحداً صحيحاً، لا عندنا ولا عندكم يأمرنا باتباع عموم الصحابة الذين أخذتم عنهم دينكم.
لهذا كله أنقذنا أنفسنا باتباع أمر النبي صلى الله عليه وآله، فتمسكنا بأهل بيت نبيه، وتركنا غيرهم.
فلا أدري ما هي حجتك يوم القيامة في عدم اتباع أهل بيت النبي واتباع غيرهم؟ فماذا أنت قائل لربك غداً، إذا قال لك: إنك كنت على ضلال ؛ لأنك لم تأتمر بأمر النبي صلى الله عليه وآله الثابت عندك بسند صحيح، صحّحه جملة وافرة من علماء مذهبك؟
ولعلك تقول: إن الشيعة لا يتبعون أهل البيت عليهم السلام، وإنما افتروا أكاذيب نسبوها لأهل البيت عليهم السلام.
وهذا الزعم مكابرة واضحة، وإنكار أمر بديهي ؛ لأنكم لا تعرفون مذهب أهل البيت عليهم السلام، فلا تدرون من وافقه، ومن خالفه، ونحن مع ذلك أجبنا على هذه المكابرة بعدة أدلة ذكرناها في كتابنا: (مسائل خلافية حار فيها أهل السنة ـ في آخر فصل منه: من هي الفرقة الناجية؟)، فراجعه فإنه مهم.
ولو سلمنا أن الأحاديث التي عند الشيعة لم تصدر من أهل البيت عليهم السلام، وأنها مكذوبة عليهم، فنحن يوم القيامة معذورون عند الله تعالى ؛ لأنا بحثنا عن أقوال أهل البيت عليهم السلام، فلم نجدها إلا عند الشيعة، فعملنا بها، فإن أصبنا فهذا هو المطلوب، ونحن بذلك ناجون فائزون، وإن أخطأنا فنحن معذورون ؛ لأنه لا يوجد أحاديث أخرى منسوبة إلى أهل البيت غير هذه الأحاديث.
وأما أنتم فإن كان ما عند الشيعة من أحاديث هي أحاديث أهل البيت عليهم السلام، فأنتم تركتموها عن عمد وإصرار، ولم تعملوا بها، فتكونون بذلك هالكين ضالين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (ما إن تمسكتم بهما ـ أي الكتاب والعترة النبوية ـ فلن تضلوا بعدي أبدا)، ومعنى ذلك أنكم إذا لم تتمسكوا بهما فسوف تضلون.
وأما إذا كانت تلك الأحاديث ليست أحاديث أهل البيت عليهم السلام فلا عذر لكم حينئذ ؛ لأنكم لم تبحثوا عن أحاديثهم عليهم السلام، ولم تعتنوا بها، فأنتم هالكون على كل حال.
فما تقول يا أخي العزيز في ذلك؟؟
ولا تظن يا أخي العزيز أن النبي صلى الله عليه وآله يأمر الأمة باتباع أهل البيت عليهم السلام، ثم لا يكون لحديث أهل البيت عليهم السلام عين ولا أثر، لا عند الشيعة ولا عند غيرهم ؛ لأن قول ذلك يستلزم الطعن في النبوة والعياذ بالله ؛ لأنه صلى الله عليه وآله أمرنا بأمر لا يمكن لنا امتثاله، وهذا تكليف بالمحال، لا يمكن صدوره من الحكيم.
وقد أعجبني قولك: (واترك المشكوك فيه، وآمن صح)؛ لأن هذا هو ما صنعناه، فإن اتباع غير أهل البيت عليهم السلام مشكوك فيه ؛ لأن حديثهم ربما يكون صدقاً وربما يكون كذباً، وما عندكم من أحاديث ربما تكون صادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وربما تكون مكذوبة أو من دسائس الأمويين، فهي على كل حال مشكوك فيها حتى لو كانت صحيحة السند عندكم.
وأما أحاديث أهل البيت عليهم السلام فهي غير مشكوك فيها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله أمرنا بالتمسك بهم، والأخذ عنهم، وإن لم نفعل فلا محيص عن الوقوع في الضلال، وهذا يدل على أن أحاديثهم عليهم السلام لا شك فيها.
وأعجبني أيضاً قولك: (ولا تكونوا مذاهب، وتتبعون أناساً على أنهم علماء، مع أنهم لا يعرفون ماذا يقولون) ؛ لأن هذا هو الذي صنعناه أيضاً ؛ فإن مذهب الشيعة الإمامية مذهب واحد، وأما أهل السنة فإنهم اختلفوا في الفقه على مذاهب متعددة: كالحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية. واختلفوا في الأصول على مذاهب متفرقة: كالأشاعرة، والسلفية، والماتريدية.
فمن الذين افترقوا إلى مذاهب متعددة: الشيعة الإمامية أو أهل السنة؟
وأود أن ألفت نظرك إلى أن الشيعة إنما يتبعون أئمة أهل البيت عليهم السلام، فهل تظن أن هؤلاء الأئمة الأطهار الذي أجمع الكل على جلالتهم، وعلمهم، وفضلهم وطهارتهم، لا يعرفون ماذا يقولون؟
وإذا أردت أن تعرف من أولئك الذين لا يعرفون ماذا يقولون فاقرأ معي ما ذكرتموه في كتبكم عن أئمة مذاهب أهل السنة، وخذ هذا هدية مني إليك:
قال أحمد بن حنبل: ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء 1.
وقال الشافعي: نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة، أو ثلاثون ومائة ورقة، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة، ووجدت فيه إما خلافاً لكتاب الله، أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اختلاف قول، أو تناقض، أو خلاف قياس 2.
وروى الخطيب عن أبي بكر بن أبي داود أنه قال لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من هذه. فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة 3.
وذكروا أن مالك بن أنس بكى في مرض موته، وقال: والله لوددتُ أني ضُرِبتُ في كل مسألة أفتيتُ بها، وليتني لم أُفتِ بالرأي 4.
وذكر الذهبي عن الهيثم بن جميل قال: سمعت مالكاً سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب عن اثنتين وثلاثين منها بـ (لا أدري).
وعن خالد بن خداش، قال: قدمتُ على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا على خمس مسائل 5.
وروى الخطيب في تاريخ بغداد 13 / 445 عن أحمد بن حنبل أنه سُئل عن مالك، فقال: حديث صحيح، ورأي ضعيف.
وعن مالك أيضاً أنه ربما كان يُسأل خمسين مسألة، فلا يجيب في واحدة منها 6.
ونقل ابن عبد البر عن الليث بن سعد أنه قال: أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قال فيها برأيه، قال: ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك 7.
وقيل ليحيى بن معين: والشافعي كان يكذب؟ قال: ما أحب حديثه ولا ذِكْره 8.
واشتهر عن يحيى أنه كان يقول عن الشافعي: إنه ليس بثقة 9.
وأخرج ابن حجر في توالي التأسيس، ص 177 عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه قال: كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور مرضاً شديداً، حتى ساء خُلُقه، فسمعته يقول: إني لآتي الخطأ وأنا أعرفه.
ولو أردنا أن ننقل لك ما قالوه في أئمة مذاهبكم لطال بنا الكلام، فهل ترى الآن أن أهل البيت عليهم السلام لا يعرفون ما يقولون، وغيرهم يعرفون ما يقولون؟
قال: إذا تريد أن تكون مؤمناً وصالحاً اتبع الآتي:
عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)، قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه؟ قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: (أن تلد الأم ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)، ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال: (يا عمر أتدري من السائل؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم). رواه مسلم.
والجواب: أن هذا الحديث حجة عليك لا لك ؛ لأن هذا الحديث يدل على أمور ثلاثة:
- أن الشيعة الإمامية مسلمون ؛ لأنهم يشهدون ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون شهر رمضان، ويحجون إلى بيت الله الحرام، وهذا لا ينكره إلا مكابر.
- أن الشيعة مؤمنون؛ لأنهم يؤمنون بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
- أن الشيعة محسنون؛ لأنهم يعبدون الله كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، ولذلك فالصالح منهم لا يزني، ولا يشرب الخمر، ولا يقتل النفس المحترمة إلا بالحق، ولا يفعل المعاصي، ويؤدي فروض الله وواجباته، وهذا دليل على أنهم يعبدون الله، وهم يعتقدون أنه سبحانه يراهم، وأنه مطلع على أعمالهم.
فإذا تحقق ذلك فهل يحق لك أن تكفر الشيعة، أو تحكم بشركهم، أو بنفاقهم، أو بعدم إيمانهم؟
إن فعلت ذلك فأت بجواب صحيح ينقذك في ساحة العرض على الله يوم القيامة، وأنى لك بذلك!
هذا تمام الجواب عن مسائلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين 10.
- 1. تاريخ بغداد 13 / 439.
- 2. حلية الأولياء 10 / 103.
- 3. تاريخ بغداد 13 / 394.
- 4. شذرات الذهب 1 / 292. وفيات الأعيان 4 / 137. الإحكام في أصول الأحكام 6 / 224. جامع بيان العلم وفضله 2 / 1072.
- 5. سير أعلام النبلاء 8 / 77.
- 6. فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1 / 13.
- 7. جامع بيان العلم وفضله 2 / 1080.
- 8. جامع بيان العلم وفضله 2 / 1083.
- 9. المصدر السابق 2 / 1114.
- 10. كتب الشيخ آل محسن هذه الإجابة لأسئلة قال عنها: "تلقينا بعض المسائل من شخص متحامل على مذهب الشيعة، يظهر أنه لم يطلع جيداً على مذهب الشيعة الإمامية، وتلقى ما يثار حول مذهب الشيعة وصدق تلك الأكاذيب من دون تحقيق وتثبت" و قد نشرت هذه الإجابة في الموقع الرسمي لسماحته.