الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اذن الحسين لاصحابه بالانصراف..

نص الشبهة: 

بسم الله الرحمن الرحيم إن الإمام الحسين [عليه السلام] قال لأصحابه : أنتم في حل من بيعتي ، وهذا الليل فاتخذوه جملاً . فكيف أذن لهم بتركه ؟! ولو أنهم تركوه ، هل كانوا معذورين بذلك ؟ . .

الجواب: 

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله . .
وبعد . .
فإننا في مقام الإجابة على هذا السؤال ، نقول :
لا يجوز لهم أن يتركوه ، حتى لو أذن لهم . وذلك لأن الموضوع لم يكن مجرد عقد وعهد بينهم وبينه ، حتى إذا أحلهم منه جاز لهم التخلي عنه .
وإذا كانوا يفهمون القضية بهذا النحو ، فإنهم لا يستحقون مقام الشهادة مع الإمام الحسين [عليه السلام], ولو أنهم قتلوا معه في هذه الحالة فقد لا يكونون شهداء .
وما ذلك إلا لأن الحفاظ على الإمام ، والدفاع عن الدين ، والذب عنه ، واجب عقلاً . . وشرعاً . . وليس ذلك من موارد العقود والتعهدات . . فلو أنهم لم يكونوا قد بايعوه ، فإنه يجب عليهم المبادرة لنصره بمجرد سماعهم بقيامه ، فإن إمامته لا تسقط بعدم البيعة له . .
وقد كان شهداء كربلاء ملتفتين إلى هذه النقطة بالذات ، كما يشير إليه ما قاله العباس [عليه السلام] حين قطعت يمينه :
والله إن قطعتم يميني *** إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
وأما السبب في أن الإمام الحسين [عليه السلام] يحلهم من بيعته ، فلعله هو أنه أراد أن يعرفهم ، ويعرف كل الأجيال من بعده : أن الذين حاربوا معه حتى الاستشهاد ، لم يفعلوا ذلك بدافع الوفاء بالبيعة ، ومن حيث إنهم تخيلوا أنهم ملزمون بمقتضياتها . وقد كان هذا الفهم سائداً آنئذ ، حتى إن الأنصار قد اعتذروا عن أمر السقيفة بأن بيعتهم قد سبقت ولا مجال لنقضها . .
مع أن من الواضح : أن البيعة للغاصب محرمة شرعاً . . ولا تنعقد من الأساس . كما أن البيعة لا تلغي الأمر الإلهي ، بل هي افتئات على النص . يضاف إلى ذلك أن بيعتهم للإمام علي [عليه السلام] في للإمام علي قد سبقت ولزمتهم . .
نعود إلى القول إن الإمام الحسين [عليه السلام] حين أعلن لأصحابه بإحلالهم من بيعته ، فإنما أراد أن يعرف الأجيال كلها أنهم حاربوا معه لا لمجرد الوفاء بالبيعة ، ولا التزاماً بمنطق العشائرية والقبلية ، أو دفاعاً عن الرحم ، أو خجلاً من التراجع عن الوعد أو غير ذلك . .
وكذلك كان الحال بالنسبة لأهل بيته ، فإنه قد أحلهم من بيعته أيضاً ، فبإمكانهم اتخاذ القرار الذي يريدون ، فليس لأحد منهم ، ولا من غيرهم أن يتوهم أنهم يواجهون معه أي نوع من أنواع الضغوط ، أو أنهم كانوا محرجين تجاهه من أي جهة فرض هذا الإحراج . .
وإن أي قرار يتخذونه ، فإنهم قادرون على تنفيذه ، حتى لو كان قرارهم هو الانسحاب من المعركة .
وبذلك يكون [عليه السلام] قد أوضح : أن الذين قتلوا معه كانوا قادرين على مغادرة ساحة المعركة ، وذلك بالاستفادة من ستر الليل ، وقد نبههم إلى هذا الساتر بقوله : هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً . .
ومعنى هذا : أن المعركة لم تفرض عليهم ، وأن الموت لم يكن هو الخيار الوحيد لهم ، ولم يكونوا قد وقعوا في فخ لم يكونوا قد حسبوا له حساباً ، إذ لم يكونوا محاصرين إلى درجة أنهم لا يستطيعون التخلص من براثن الأعداء .
بل إن الإمام الحسين [عليه السلام] نفسه كان قادراً أيضاً على الاستفادة من ظلمة الليل للاختفاء عن عيون الأعداء ، فلا يقدرون عليه بعد ذلك ، تماماً كما كان العرب يفعلونه مع جيوش الفرس ، حيث كانوا يواجهونها نهاراً ، ثم إذا حل الظلام رحلوا إلى جهة مجهولة ، ويستفيق الجيش في اليوم التالي فلا يجد أحداً في الساحة . . ولا يستطيع تحديد الجهة التي انطلقوا فيها ، ولا مجال للبحث العشوائي عنهم في تلك الصحاري الصعبة ، وغير المأمونة . . فكان يضطر للانكفاء ، من دون أن يحقق أية نتيجة . .
ونشير أخيراً : إلى أن هذا الموقف من الإمام الحسين [عليه السلام] مع أصحابه من شأنه أن يزيد من بصيرتهم ، وأن يرفع من درجة الإيمان والوعي لديهم ، ويجعلهم أكثر تصلباً وحزماً ، وقوة ، وشجاعة ، وإقداماً . .
كما أنهم سينالون المثوبة على هذا الاختيار .
وفي جميع الأحوال نقول : إنه إذا ما قرر أحدهم الانسحاب من المعركة ، فإن كربلاء والإمام الحسين [عليه السلام] في غنى عنه ، لأنه لو بقي وقتل في غير سبيل الدفاع عن الإمام [عليه السلام] ، وعن الدين فإنه سيكون قتيلاً ، لا شهيداً . .
ولا يريد الإمام الحسين [عليه السلام] أن يغرر بأمثال هؤلاء ، لأنه من لا يحارب دفاعاً عن الإمام والإمامة وعن الدين فهو لا يملك المؤهلات التي تجعله مستحقاً للاستشهاد في أقدس حرب ، حيث شهداؤها هم أفضل الشهداء ، فإن لهذا المقام أهله .
فتصفية الحركة الحسينية ممن ليسوا في مستواها . . لا من حيث الوعي ، ولا من حيث الإيمان ، والصفاء الروحي . . كان ضرورة لا بد منها .
والسلام على الحسين . وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين ، وعلى أصحاب الحسين .
والحمد لله رب العالمين 1 . .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الرابعة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1423 ـ 2002 ، السؤال (222) .

تعليقتان

صورة اسامة لطف

اذن الحسين لاصحابه بالانصراف..

ان اشكالنا على اهل السقيفة انهم اجتهدوا مقابل النص وبانهم شخصوا المصلحة الاسلامية العليا مخالفين لرأي المعصوم الذي قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه فكيف نسمح لاصحاب الامام الحسين ان يجتهدوا مقابل النص ويرفضوا اوامره بالانسحاب فاننا ان قبلنا منهم ذلك فيجب علينا ان نقبل من الاخرين كذلك .

صورة عبد من عبيد الله

فهم خاطئ

في البداية، اعلم -أخي الكريم- أن النقاش والحوار الحقيقي الذي يوصل صاحبه إلى الحقّ، لا علاقة له بالسّلم والتعايش والمحبّة، فالمتمرّد الذي يشعل فتيل الحرب، يلبس أزياء متلوّنة، تارة بلباس القَبَلِيّة والحَمِيّة، وتارة بلباس الدين، وتارة أخرى بِأَلْبِسَةٍ أخرى.
وهذه سيرة النبي الأكرم (ص) وأهل بيته المعصومين (ع) شاهدة على ذلك، فلماذا النبي الأكرم (ص) لم يعمل فقط على السلم الأهليّ في مكة ثم ينتقل منها إلى باقي المُدُن ويحقق الأمن فقط؟!!!! ولعله لن يواجه مشاكل كما واجه محاولات القتل هو وأصحابه ومُرِيدُوه وأتباعه الذين رأوا نور الحقّ بازغًا فلم يغمضوا أعينهم ويتجاهلوه!!!
وهكذا أهل بيته (ع) يحترمون خصومهم وأعداءهم ومناوئيهم حتى في أحلك الظروف وهي الحرب!!!!!!
وفي نفس الوقت يدعون بعض المخالفين للالتحاق بِركب الهداية، فهل هم غير مكترثين بالسّلم وما شاكل ذلك؟!
كلا، يستحيل أن يكون هناك أحد أشدّ حرصا على هذا من المعصومين سلام الله عليهم.

وبعد،

هناك فرق بين الأمر الذي يفيد الإرشاد أو النَّدب (الاستحباب) أو الأمر الحقيقي
وهذه مشكلتنا، نعترض بلا فهم -وأنا لا أقصدك أخي الكريم فلا تفهمني خطأ-
أنت حينما تدعو الله عز وجل في قنوتك بالدعاء الوارد في القرآن الكريم:
رَبَّنَا ** آتِنَا ** في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- هل أنت هنا تأمر ربَّك وتتجرّأ عليه؟
- كلا، وحاشى.
- إذن لماذا استعملت صيغة الأَمر؟؟؟
- لأن صيغة الأمر لا تدلّ دائما على المعنى الحقيقيّ، وهذا يُعرَفُ بالأغراض البلاغية للأساليب الخَبَرِيّة والإنشائيّة (ابحث لتستفيد أكثر).
- طريقة تحديد المعنى المُرَاد إيصاله يعتمد على ملاحظة الظروف وأسلوب الكلام.

ثُمَّ إن موضوع السؤال يتعلق بخطاب الإمام الحسين الشهيد (ع) لأصحابه (رض)، وإن لم تكن تعلم فيجب أن تعلم: أن أنصار الحسين (ع) لا يوجد لهم مثيل يصل إلى درجة من درجاتهم، فأنصار الإمام (ع) في الشدّة ليسوا كأنصاره في الرخاء طَبْعًا، أليس الله تعالى يقول: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم)، فهم في النهاية يريدون رضوان الله عز وجل من خلال نصرة الحسين (ع).

وبالإضافة إلى هذا، يجب أن تعلم - أخي الفاضل - أنه وَرَد عن النبي اﻷكرم صلى الله عليه وآله أنه قال:
أُمِرْنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
كما ورد عنه (ص) أنه قال:
ما أنت مُحَدِّثٌ حديثًا لا تَبْلُغُهُ عقولُهم إلا كان على بعضهم فِتْنَة (!!!)

فالإمام الحسين (ع) يخاطب أصحابه الأجلاء العظماء على قدر عقولهم التي بَلَغَتْ مرتبةً لا تُضَاهَى في علمها ويقينها و... .
ثمّ إن الأمر لو كان كما ذَكَرْتَ من أن بقاء أنصار الإمام الحسين (ع) معه هو عصيان واجتهاد في مقابل النصّ، فما هو إلا اشتباه كبير، فأين ردّة فعل الإمام (ع) لعصيان أصحابه (رض) كما تقول؟!
ومن جهة أخرى، لا وجه للمقارنة بين هذا الموقف وذاك الموقف، فأنصار الحسين (ع) لم يعصوا أوامره ولم يُجَابِههُم الإمام (ع)، بينما أولئك الذين ذَكَرْتَهُم فهم عَصَوا أمر الرسول (ص) الصريح، وعارضهم الإمام علي (ع) معارضة صريحة، وكذلك عارضتهم ابنة النبي (ص) السيدة فاطمة الزهراء (ع) الذي قال عنها الرسول (ص): (يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها) - إن قلت إن الرسول يتكلم بمنطق عاطفة وَمَيْل مُجَرَّد فقد اجترأت على الرسول (ص) بل اجترأت على الله عز وجل حيث يقول في كتابه: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) -

(لاحظ: أن الظروف تحدد صراحة الأمر والنهي من عدمه، فلا تلبس الحق بالباطل، الرسول (ص) أكّد مرارا وتكرارا على خلافة أمير المؤمنين (ع) الإلهيّة، والإمام الحسين (ع) لم يؤكد ولم يُعِدْ مقالَتَه لأصحابه بل إنه قد شَكَرَهُم على ثباتهم!!!! بل وقد صرّح لأخته السيدة زينب (ع) بأنه قد بَلاهُم (أي: اختَبَرَهُم ومَحَّصَ صدقهم وإخلاصهم حتى لا يُسَلِّمُوه عند الوثبة!! فلا أدري لماذا كل هذه الإشكالات والشبهات الوهمية التي يجب أن يُسَدَّ بابُها بعدَ اطّلاعنا على اﻷحداث والمواقف الجارية بعدَ المواقف التي يُشْكِل عليها أولئك!)

ومن ثَمَّ فأولئك لم يقوموا بما قاموا اتّباعًا لاجتهادٍ خاطئ رغبةً في تحقيق مصلحة الإسلام حسب تشخيصهم، والردّ الذي يخرس الألسُن التي تُشِيع هذه الشبهة هو: هل النبيّ (ص) هو الذي يشخص مصلحة الدين الذي بُعِثَ لأجله أم أولئك؟!!! عَجَبًا!!
حتى لو قالوا بأن أمير المؤمنين (ع) كانت القلوب تمتلئ عليه غيظًا وحَنَقًا بسبب صولاته ضدّ أهل الكفر والشرك ويقولون بأن المنافقين والمؤلفة قلوبهم سيعارضون خلافة الإمام علي(ع)؛ فلماذا لم يفكروا في مؤازرته وتقديم النصح والمشورة له (مع أنهم كاذبون ومع أن الإمام (ع) لا يحتاج إليهم قط) ولماذا لم يعقدوا النيّة على مؤازرته كما يُظْهِرون أنفسهم أنهم آزروا الرسول (ص) علىيهم من قبل؟ ولماذا لم يناقشوا النبي (ص) في حياته حول خلافة الأمير (ع) وحول الحفاظ على المصلحة الإسلامية التي يحرصون عليها أشدّ من حرصهم على أنفسهم إن كانوا صادقين؟! إلا أنهم يعلمون بطلان قولهم الذي لا يُسْكِتُ إلا أفواه الضعفاء العقول من أجل تهدئة الساحة لهم، هؤلاء إن صَدَقوا في كذبهم فهم مصداق جَلِيٌّ لقول الباري (عز وجل): (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)
فإن أسكتونا بحجّة عدم امتلاك دليل على انطباق الآية عليهم، فإننا نُلْزِمُهُم بِما ألزَمُوا بِهِ أنفسَهُم، أَوَلَيْسُوا هم القائلين: (حَسْبُنَا كتاب الله)؟!! فهذا كتاب الله !!
فإن قالوا: كلا، إنما الآية تقصد كذا وكذا.
فنقول لهم: ها أنتم أَدْلَيْتُمْ بِدَلْوِكُمْ وطالبتمونا باتّباع تفسيراتكم وتأويلاتكم مع كتاب الله!! فأين الاكتفاء بكتاب الله؟!!!
ثمّ إن كتاب الله الذي تطالبون بالاكتفاء به يقول:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
لاحظ، الله عز وجل يهدّد من لا يطيع النبيّ (ص) تهديدًا عظيمًا!!!
وهذه هي الآية تأمرنا بصريح العبارة بإطاعة الرسول (ص)، وفي موضع آخر يقول الله عز وجل في كتابه الكريم:
(وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)
وما ** ينطق ** ... (!!!)
في المعجم:
نَطَق الشخصُ بكذا: لفظ، تكلَّم بصوت وحروف تُعرف بها المعاني.
النُّطْقُ : اللَّفظُ بالقول.

وهل النبيّ (ص) كان في حياته لا يتلفّظ إلا بالقرآن؟!! كلا، كان يأمر وينهى..
والله عز وجل يقول بصريح العبارة: وما ينطق عن الهوى. !
ثمّ يضيف -عزّ وجلّ- بما يورث اليقين التامّ: (إِنْ هو إلا وحيٌ يوحى) !!
وهذا أسلوب يسمّى -في اللغة العربية- أسلوب الحَصْر، وهو يفيد التأكيد !!!
والمعنى الإجمالي الذي أريد بيانه هو أن كل ما يلفظه النبي (ص) في حياته، في المسجد، في منزله، في سفره، في حضره، في الحرب، في السلم، أوامره، نواهيه، إرشاداته، ووو.... كلها وحي يوحى!!! لستُ أنا من يقول هذا، بل الله عز وجل هو من يقول هذا!!!!

يقول عز وجل: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ولا تنسونا ووالدينا من صالح الدعوات.