الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بايعني من بايع أبا بكر وعمر . .

نص الشبهة: 

ورد في كتاب (نهج البلاغة) الذي تقدره الشيعة ما يلي : (ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضاً ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى . ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك . والسلام) (انظر : كتاب « صفوة شروح نهج البلاغة » ص593 .) . ففي هذا دليل على :

  1. أن الإمام يختار من قبل المهاجرين والأنصار ، فليس له أي علاقة بركن الإمامة عند الشيعة!
  2. أن علياً قد بويع بنفس الطريقة التي بويع بها أبو بكر وعمر وعثمان « رضي الله عنهم أجمعين » .
  3. أن الشورى للمهاجرين والأنصار . وهذ يدلُّ على فضلهم ودرجتهم العالية عند الله ، ويعارض ويخالف الصورة التي يعكسها الشيعة عنهم .
  4. أن قبول المهاجرين والأنصار ورضاهم ومبايعتهم لإمام لهم يكون من رضا الله ، فليس هناك اغتصاب لحق الإمامة كما يدعي الشيعة ، وإلا فكيف يرضى الله عن ذلك الأمر ؟!
  5. أن الشيعة يلعنون معاوية « رضي الله عنه » ، ولم نجد علياً « رضي الله عنه » يلعنه في رسائله!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .

فإننا نجيب بما يلي :

النظرة الشاملة

إن الباحث المنصف والخبير والقدير ، هو ذلك الذي ينظر إلى المسألة من جميع جوانبها ، ويضع كل نص في موضعه ، الذي يجب أن يكون فيه ، في منظومة مكتملة يشد بعضها أزر بعض ، ويفسر بعضها بعضاً ، لا سيما إذا كان يتحدَّث عن مثل علي « عليه السلام » ، الرجل الكامل والحكيم العاقل . . فعليه أن يتدبر في كل كلمة صادرة من رجل مثله عاقل وحكيم ، واجه قضية أساسية ، واتخذ منها موقفاً ، ولا يمكن أن يكون متناقضاً . .
وعلى هذا الأساس : لا بد من أن نضع هذا النص المنقول عن أمير المؤمنين « عليه السلام » إلى جانب النصوص التي تحدَّثت عما جرى على علي « عليه السلام » بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . وأن نضعه أيضاً في مواجهة منطق معاوية ، وتكون حصيلة ذلك كله من خلال النصوص والمواقف : أن علياً « عليه السلام » يعتبر أبا بكر وعمر وعثمان قد استولوا على حقه . . وأنهم قد بايعوه يوم الغدير ، ثم نقضوا بيعتهم ، وأنهم غصبوا فدكاً ، وأنهم اعتدوا على بيته ، وضربوا زوجته ، وأسقطوا جنينها . . وهو الذي يقول : « أرى تراثي نهباً » ، ويقول : « وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذَّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه . فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجاً ، أرى تراثي نهباً الخ . . » 1 .
ثم يرى معاوية يتذرع بما جرى لأبي بكر وعمر ، ويظهر أنه يسير على خطاهما ، ويلتزم نهجهما ، ويزعم أن المعيار ليس هو النص ، بل المعيار هو بيعة المهاجرين والأنصار ، وأن الشورى للمهاجرين والأنصار . . الخ . .
فيفهم من خلال ملاحظة ذلك كله : أن علياً « عليه السلام » قد احتج عليه بما يلزم به نفسه ، فكأنه قال له : إن كان المعيار عندك ، هو بيعة الذين بايعوا أبا بكر وعمر ، فقد بايعني هؤلاء . حتى لو خالفهم بنو هاشم وسعد بن عبادة ، وجماعات غيرهم . .
وإن كان المعيار عندك هو اجتماع المهاجرين والأنصار ، أو الأكثرية الساحقة منهم ، بحيث لا يعبأ بالشاذ منهم ، فقد تحقق هذا الأمر بأجلى مظاهره وأتم حالاته ببيعتهم لي بعد قتل عثمان . .

المقصود إلزام معاوية

قد أظهر البيان المتقدم : أن كلام علي « عليه السلام » لا يدلُّ على أنه لا يرى أن النص هو المعيار ، بل غاية ما يدلُّ عليه : هو أنه يريد أن يلزم معاوية بما يُظْهِر للناس أنه يلتزم به .
والشاهد على ذلك : أن علياً « عليه السلام » قد وضع معاوية بين أمرين مختلفين ، يكاد ينقض أحدهما الآخر :
أحدهما : إنه قال له : إن الذين بايعوه هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر ، مع أن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، والذين بايعوا أبا بكر وعمر لم يكونوا جميع المهاجرين والأنصار ، لأن فريق سعد بن عبادة من الأنصار لم يكن موافقاً على البيعة لأبي بكر ، كما أن فريق علي « عليه السلام » وبني هاشم ، ومعهم الزبير ، وسلمان ، وعمار ، والمقداد ، وأبو ذر ، وقسم من بني أمية كأبي سفيان ، وكخالد بن سعيد بن العاص ، وكثيرين غيرهم لم يكونوا من المجمعين على البيعة لأبي بكر ، ولم يسموه إماماً ، بل فرض عليهم البيعة له بالقوة والقهر .
وقد تمادوا في سعيهم لفرض هذا الأمر إلى أن بلغ حدوداً خطيرة جداً خشي علي « عليه السلام » من أن تكون سبباً في مصيبة أعظم من فوت الخلافة ، ألا وهي ظهور الدعوة إلى محق دين محمد « صلى الله عليه وآله » كما ورد في كلماته « عليه السلام » . .
الثاني : إنه قال له : إن المعيار هو ما أجمع عليه المهاجرون والأنصار ، وهذا ينقض خلافة أبي بكر ، لأن ذلك لم يحدث بالنسبة إليه ، لعدم حصول الإجماع عليه . . فظهور التنافي في هذين السبيلين اللذين حدَّدهما علي « عليه السلام » لثبوت الخلافة يُظْهِر : أنه « عليه السلام » لم يكن يعبر عن قناعاته هو ، بل كان بصدد الإلزام لمعاوية .

وخلاصة الأمر :

لو كان « عليه السلام » يرى أن إجماع المهاجرين والأنصار هو المعيار في الإمامة ، وليس النص من الله ورسوله ، لم يجز له أن يذكر إلى جانب ذلك ما ينقضه ، فإن أبا بكر وعمر لم يجتمع المهاجرون والأنصار على تسميتهما إمامين ، وقد كان هو نفسه على رأس الرافضين لهما فضلاً عن بني هاشم ، وفضلاً عن زعيم الخزرج ومن معه ، وعن غيرهم ، وغيرهم!!

الإلتزام بالمتناقضات

إن هذين الأمرين اللذين ألزم بهما معاوية يظهران : كيف أن هذا الفريق قد ألزم نفسه بالمتناقضات ، وهذا يدلُّ على تخبطه في حججه ، وأن هدفه منها مجرد التبرير لما حدث ، مهما كان هذا التبرير هشاً أو متناقضاً .

لا يدل هذا على فضل الصحابة

إذا كان استدلاله على معاوية جدلياً ، ويراد به الإلزام ، فهو لا يدلُّ على فضل المهاجرين والأنصار ، ولا على عدمه . .

لو تحقق الإجماع لالتزمنا به

إن قول المستدل في الفقرة الرابعة : إن رضا المهاجرين والأنصار بمبايعة رجل يكون من رضا الله صحيح في حد نفسه ، لأن الإجماع إذا تحقق ، فإن علياً « عليه السلام » ، وسائر الملتزمين بالنص سيكونون معهم ومن بينهم ، ولن يختار هؤلاء ـ بحيث يتحقق الإجماع ـ إلا من يرضاه الله ورسوله ، وهو المنصوص عليه في يوم الغدير .
وهذا لم يحصل إلا بعد قتل عثمان . . أما قبل ذلك ، فإن حال البيعة لأبي بكر قد علم مما ذكرناه ، آنفاً . أما خلافة عمر ، فكانت بوصية من أبي بكر ، فحالها حالها . .
وكذلك الأمر بالنسبة لعثمان ، فإن الشورى كانت من صنع عمر الذي استمد شرعيته من وصية أبي بكر له ، فلم تكن هناك خلافة حقيقية أجمع عليها المهاجرون والأنصار ، ونص عليها الله ورسوله ، وتأكدت بالبيعة في يوم الغدير ، وبعد قتل عثمان ، سوى بيعة علي « عليه السلام » .

أين بيعة علي من بيعة الخلفاء ؟!

قد ظهر عدم صحة قول السائل : إن علياً « عليه السلام » قد بويع بنفس الطريقة التي بويع بها أبو بكر وعمر ، فإن عمر قد أخذ الخلافة بالوصية من أبي بكر ، ولم يأخذ علي « عليه السلام » الخلافة بوصية من أحد ، بل بوصية من الله ورسوله . .
كما أن خلافة أبي بكر قد اعتمدت على القهر والضرب ، ومحاولة إحراق أهل بيت النبوة ، وإسقاط جنين فاطمة الزهراء « عليها السلام » بنت رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وسيدة نساء العالمين . ولم يصاحب البيعة لعلي « عليه السلام » شيء من ذلك . .
ثم إن البيعة لعلي « عليه السلام » كانت إجماعية ، ولم تكن البيعة لأبي بكر كذلك .
ثم إن هذه الرسالة العلوية إلى معاوية ، كانت رسالة احتجاج ، وإبطال لحجج معاوية . .
والظاهر : أنها كانت قبل حرب صفين ، فلم يكن من الحكمة أن تتضمن الجهر باللعن ، وإنما لعن علي « عليه السلام » معاوية بعد ذلك . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 2 .

  • 1. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج 1 ص 31 .
  • 2. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (65) .