الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سن عائشة

نص الشبهة: 

ويقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» قد عقد على عائشة، وهي بنت ست سنين، أو سبع، ثم انتقلت إلى بيته بعد هجرته إلى المدينة، وهي بنت تسع. وهذا هو المروي عنها (راجع فيما ذكرناه: طبقات ابن سعد ج8 ص39، والإصابة ج4 ص359، وتاريخ الطبري ج2 ص413 وتهذيب التهذيب ج12، وأسد الغابة ج5 وغير ذلك وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج9 ص190 لكنه ناقض نفسه ص191 فقال: إنها توفيت سنة 57 ه‍ . وعمرها 64 سنة، وهذا يعني أنها كان عمرها حين الهجرة سبع سنوات فقط .) .

الجواب: 

ونحن نقول : إن ذلك غير صحيح ، وأن عمرها كان أزيد من ذلك بكثير ، ونستند في ذلك إلى ما يلي :

أولاً : إن ابن إسحاق قد عد عائشة في جملة من أسلم أول البعثة ، قال : وهي يومئذٍ صغيرة ، وأنها أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً فقط 1 .
فلو جعلنا عمرها حين البعثة سبع سنين مثلاً فإن عمرها حين العقد عليها كان 17 سنة ، وحين الهجرة 20 سنة .
ويؤيد ذلك : أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين ، وقد بقي جماعة لم يهاجروا ، والهجرة إلى الحبشة كانت بعد خمس سنوات من البعثة . . فيكون إسلام عائشة التي أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً بعد البعثة بوقت يسير .
ومما يزيد الأمر وضوحاً أنهم يقولون :
أن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما أسلم أبي جاء إلى منزله ، فما قام حتى أسلمنا ، وأسلمت عائشة وهي صغيرة 2 .
وقالوا أيضاً : إن أسماء أسلمت بعد سبعة عشر إنساناً 3 .
وقد ماتت سنة 73 4 .
وقد بلغت أو جازوت المائة 5 .
وإن حاول بعضهم أن يجتهدوا ويقول غير ذلك 6 .
كما أنهم قد صرحوا : بأن أسماء ولدت قبل البعثة بسبع وعشرين سنة 7 .
أو قبل مبعثه بسبع عشرة سنة 8 .
وكانت أكبر من أختها عائشة بعشر سنوات 9 .
وحين ولدت كان عمر أبيها إحدى وعشرين سنة 10 .
فتكون النتيجة هي : أن عمر عائشة حين البعثة حوالي أربع سنوات ، إذ المفروض ـ حسب قولهم ـ : أنها ولدت قبل الهجرة بسبع عشرة سنة .

غير أننا نقول :

بل كانت أكبر من ذلك أيضاً ، إذ قد دلت الروايات على أن إسلام أسماء كان يوم إسلام أبيها ، بعد سبعة عشر إنساناً ، ثم أسلمت عائشة بعدها مباشرة ، لأن إسلامها كان بعد ثمانية عشر إنساناً ـ كما قلنا أيضاً .
فإذا كانوا يدَّعون أن أبا بكر كان أول من أسلم ، فتكون النتيجة هي أن عائشة قد أسلمت في أول أو ثاني يوم من البعثة .
ومعنى ذلك : أن ولادتها قد كانت قبل البعثة بسنوات كبرت فيها عائشة ، وأصبحت مميزة وعاقلة ، ويقبل منها الإسلام . . وتدخل في لائحة المسلمين الأوائل لتأخذ موقعها التاريخي الذي يريدونه لها .

ثانياً : وفي مقام رفع التنافي بين قوله «صلى الله عليه وآله» لفاطمة : إنها سيدة نساء العالمين ، وبين ما نسب إليه «صلى الله عليه وآله» من أنه لم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام 11 .
يقول الطحاوي : « قد يحتمل أن يكون ما في هذا الحديث قبل بلوغ فاطمة ، واستحقاقها الرتبة التي ذكرها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لها ، إلى أن قال : وإن كل فضل ذكر لغير فاطمة ، مما قد يحتمل أن تكون فضلت به فاطمة ، محتملاً لأن يكون وهي حينئذٍ صغيرة ، ثم بلغت بعد ذلك إلخ » 12 .
لقد قال الطحاوي هذا ، بعد أن جزم قبل ذلك بقليل ، بأن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها كان عمرها حين توفيت خمساً وعشرين سنة 13 .
وهذا يعني أنها قد ولدت قبل البعثة بسنتين ، والفرض : أن فاطمة كانت صغيرة حينما كانت عائشة بالغة مبلغ النساء .

ثالثاً : يذكر ابن قتيبة أن عائشة قد توفيت سنة 58 ـ وعند غيره سنة 57 ه‍ ـ وقد قاربت السبعين 14 ولضم ذلك إلى ما يقوله البعض من أن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بثلاث ، أو بأربع ، أو بخمس سنين ثم ما روي عن عائشة من قولها : تزوجني رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأنا بنت تسع سنين 15 .
ولعل هذه الرواية هي الأقرب بقرينة ما قدمناه ، ولكثرة الخلط بين كلمتي «سبع» و «تسع» بسبب عدم نقط الكلمات في السابق . بل إن هذا الرقم أيضاً مشكوك فيه لما تقدم ، ولأن المرأة تميل إلى تقليل مقدار عمرها عادة .
فكلام ابن قتيبة والذي بعده يدل على أنها قد ولدت إما سنة البعثة أو قبلها ، وهذا الثاني هو الأرجح لما قدمناه . في المستند الأول والثاني .
إذن ، فيكون عمر عائشة حين عقد النبي «صلى الله عليه وآله» عليها في سنة عشر من البعثة أكثر من ست سنين بكثير ، أي ما بين ثلاث عشرة إلى سبع عشرة سنة .

من طرائف الروايات الموضوعة

ومن الموضوعات الغريبة في هذا المجال ، ما جاء عن أبي هريرة : من أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما دخل المدينة ، واستوطنها طلب التزويج ؛ فقال لهم : أنكحوني ؟! فأتاه جبرائيل بخرقة من الجنة فيها صورة لم ير الراؤون أحسن منها ، وأبلغه أمر الله له : أن يتزوج على تلك الصورة .
فقال له النبي «صلى الله عليه وآله» : أنا من أين لي مثل هذه الصورة يا جبرائيل ؟
فقال له : إن الله يقول لك : تزوج بنت أبي بكر الصديق ، فمضى رسول الله إلى منزل أبي بكر ، فقرع الباب ، ثم قال : يا أبا بكر ، إن الله أمرني أن أصاهرك ، فعرض عليه بناته الثلاث فقال : إن الله أمرني أن أتزوج هذه الجارية وهي عائشة ، فتزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» 16 . انتهى باختصار .
وعدا عما في سند هذه الرواية ، فإننا نقول :

أولاً : لم نفهم كيف يتصرف النبي «صلى الله عليه وآله» تصرفاً لا يصدر عن العقلاء الذين يحترمون أنفسهم ، فيطلب التزويج من الناس ، ويقول لهم : أنكحوني!! . إلا أن يكون صبياً صغيراً ، لا حياء عنده ، ولا عقل لديه!!
والغريب في الأمر : أنه لم يبادر أحد لإجابة طلبه هذا ، بل عاملوه بالجفاء ، وأهملوا تنفيذ طلبه ، حتى جاء جبرائيل «عليه السلام» فتولى حل مشكلته .

ثانياً : هل صحيح : أن عائشة كانت من الحسن بهذه المثابة : حتى إن صورتها لم ير الراؤون أحسن منها ؟!!
لعل في ما سيأتي مقنعاً وكفاية لمن أراد الرشد ، والحق ، والهداية .

ثالثاً : لقد تزوج النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوجها في المدينة ، وإجماع المؤرخين على ذلك ظاهر للعيان .

رابعاً : لم نعرف البنات الثلاث اللواتي عرضهن أبو بكر على النبي «صلى الله عليه وآله» فأسماء كانت تحت الزبير ، وقدمت المدينة وهي حامل بولدها عبد الله وعائشة قد تزوجت النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة وأم كلثوم قد ولدت بعد وفاة أبي بكر 17 ، ولم يولد له غيرهن .
وأخيراً ، فإن لقب (الصديق) قد جاء إلى أبي بكر بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» من محبي الخليفة الأول ، كما ربما نشير إليه حين الكلام على قضية الغار إن شاء الله تعالى 18 .

  • 1. راجع : سيرة ابن هشام ج1 ص271 ، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص351 و 329 عن ابن أبي خيثمة في تاريخه عن ابن إسحاق ، والبدء والتاريخ ج4 ص146 .
  • 2. كنز الفوائد للكراجكي ص124 .
  • 3. عمدة القاري ج2 ص93 والإكمال للخطيب التبريزي ص148 وأسد الغابة ج5 ص392 وعن الإصابة ج8 ص12 ـ 13 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1783 وتهذيب التهذيب ج12 ص348 وتهذيب الكمال ج35 ص124 وإمتاع الأسماع ج6 ص203 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي الأنصاري اليمني ص488 ومرقاة المفاتيح ج1 ص331 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 .
  • 4. إسعاف المبطأ برجال الموطأ للسيوطي ص27 وعمدة القاري ج2 ص93 وج5 ص298 والمعجم الكبير ج24 ص77 وفيض القدير للمناوي ج1 ص102 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص8 و 9 و 10 و 29 و 30 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال للخطيب التبريزي ص148 وسير أعلام النبلاء ج2 ص295 وج3 ص379 والمستدرك للحاكم ج4 ص15 والطبقات الكبرى ج8 ص249 و 255 وتاريخ خليفة بن خياط ص269 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص228 و (ط دار الجيل) ص1782 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص355 وتقريب التهذيب ج2 ص628 ومستدركات علم رجال الحديث للنمازي ج8 ص546 وأسد الغابة ج5 ص393 وتهذيب الكمال ج35 ص125 وشرح الزرقاني ج1 ص174 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ، والوافي بالوفيات ج9 ص36 ومرقاة المفاتيح ج1 ص331 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 وراجع : البداية والنهاية ج8 ص381 والكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج2 ص502 .
  • 5. إسعاف المبطأ برجال الموطأ ص127 ومجمع الزوائد ج9 ص260 وج7 ص254 وعمدة القاري ج2 ص93 وج5 ص298 والمعجم الكبير ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق 69 ص9 و 10 و 27 و 28 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال للخطيب التبريزي ص148 وسير أعلام النبلاء ج3 ص379 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص355 والبداية والنهاية ج5 ص381 وذيل المذيل لتاريخ الطبري ص108 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإصابة ج4 ص224 والمستدرك للحاكم ج3 ص551 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1783 وتقريب التهذيب ج2 ص628 وتهذيب التهذيب ج2 ص348 والتنبيه والإشراف ص271 ووفيات الأعيان ج3 ص69 و 75 وأسد الغابة ج5 ص393 وتهذيب الكمال ج35 ص125 وشجرة طوبى ج1 ص124 والإمامة والسياسة ج2 ص24 و 39 وشرح الزرقاني ج1 ص174 والوافي بالوفيات ج9 ص36 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 والكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج2 ص502 وشجرة طوبى ج1 ص124 .
  • 6. سير أعلام النبلاء ج3 ص380 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص354 .
  • 7. مجمع الزوائد ج9 ص260 وعمدة القاري ج2 ص93 والمعجم الكبير ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق 69 ص9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 و 597 و 598 وأسد الغابة ج5 ص392 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج8 ص14 .
  • 8. المعجم الكبير للطبراني ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص9 .
  • 9. الإستيعاب ج2 ص616 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص8 و 9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص204 وسير أعلام النبلاء ج2 ص295 وج3 ص380 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ص82 وتهذيب التهذيب ج2 ص398 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص354 والبداية والنهاية ج8 ص381 و 346 ومرقاة المفاتيح ج1 ص731 وراجع : أسد الغابة ج5 ص392 .
  • 10. مجمع الزوائد ج9 ص260 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص9 و 10 وسير أعلام النبلاء ج2 ص289 وتهذيب الأسماء ج2 ص597 و 598 والمعجم الكبير للطبراني ج24 ص77 وأسد الغابة ج5 ص392 .
  • 11. راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص137 .
  • 12. مشكل الآثار ج1 ص52 .
  • 13. مشكل الآثار ج1 ص47 . وقد حمل بعض العلماء حديث فضل عائشة كفضل الثريد إلخ . . على المزاح منه «صلى الله عليه وآله» معها ؛ لأن جوها لا ينسجم مع جو التفضيل كما في قوله «صلى الله عليه وآله» : فاطمة سيدة نساء العالمين ، ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية إلخ . . ولا سيما بملاحظة : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن من المهتمين بأمور الأطعمة واللذيذ منها ليأتي بها كمثال على تفضيل في أمر حساس كهذا .
  • 14. المعارف لابن قتيبة (ط سنة 1390 هـ) ص59 .
  • 15. راجع : حديث الإفك ص93 والجزء الثالث عشر من هذا الكتاب .
  • 16. تاريخ بغداد للخطيب ج2 ص194 ، وميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص44 ، وقد كذبا (الخطيب والذهبي) هذا الحديث الذي جميع رجال أسناده ثقات باستثناء محمد بن الحسن الدّعّاء الأصم ، وراجع : الغدير ج5 ص321 .
  • 17. راجع : نسب قريش لمصعب الزبيري ص275 ـ 278 لتعرف من ولدهم أبو بكر .
  • 18. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، سنة 2005 م . ـ 1426 هـ . ق ، الجزء الرابع .