نشر قبل 8 سنوات
مجموع الأصوات: 74
القراءات: 8843

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

متى كان بناء مكة ؟!

نص الشبهة: 

متى كان بناء مكة ؟!

الجواب: 

لا نستطيع أن نحدد بدقة تاريخ بناء مكة ، واتساعها حتى صارت جديرة باسم : (أم القرى) .
وقد يقال : إن بدء بنائها كان قبل بناء إبراهيم (عليه السلام) للبيت ، حسبما تشير إليه بعض الروايات ، بل ويدل عليه قول الله تعالى حكاية عن إبراهيم : ﴿ ... رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ... 1 .
وعليه ، فما يحاول البعض إثباته ، من أن قصياً هو أول من بنى مكة ، وكان البيت وحيداً في الصحراء ، وكان الناس يتركونه ليلاً ، ويعودون إليه نهاراً ، بدليل أن قصياً سمي (مجمعاً) ؛ لأنه جمع القبائل حول البيت : لا يصح ، بل هو لا يدل أيضاً ؛ لأن تاريخ مكة قبل قصي خير شاهد على أنها كانت آهلة بالسكان ، معمورة ، ومعروفة ومشهورة ، نعم ربما يكون قصي قد نظم سكن القبائل في مكة بالشكل المناسب .
ومهما يكن من أمر ، فإن تحديد ذلك لا يهمنا كثيراً الآن ، وما يهمنا هو التعرف على المكانة الدينية لمكة ، ومدى ارتباط قبائل العرب ، بل وغيرهم بها ، والحديث عن ذلك لا ينفصل عن الحديث عن البيت العتيق ، الذي تحتضنه مكة ، ثم عن قريش التي كان لها شرف خدمة ذلك البيت ، فنقول :
ألف : بناء الكعبة :
الكعبة هي أول بيت وضع للناس ببكة ، مباركاً ، وهدى للعالمين ، كما هو صريح القرآن 2 ، والمعروف المشهور هو : أن واضعه هو شيخ الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) .
ولكننا نجد في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يدل على أن البيت قد كان من لدن آدم أبي البشر (عليه السلام) ، أما إبراهيم فهو رافع قواعده ومشيد بنيانه وأركانه .
قال (عليه السلام) : (ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم ، صلوات الله عليه ، وإلى الآخرين من هذا العالم ، بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام ، (الذي جعله للناس قياماً) .
ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً ، وأقل نتائق الدنيا مدراً ، وأضيق بطون الأودية قطراً ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، لا يزكو بها خف ولا حافر ، ولا ظلف .
ثم أمر آدم وولده : أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثـابـة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم ، تهوى إليه الأفئدة من مفاوز سحيقة إلخ . .) 3 .
ويدل على ذلك أيضاً : روايات وردت من طرق الخاصة وغيرهم؛ فمن أرادها فليراجعها في مظانها 4 .
ولعل ظاهر القرآن لا يأبى عن هذا أيضاً؛ حيث جاء التعبير فيه عن تجديد بناء إبراهيم للبيت بقوله : ﴿ ... يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ... 5 وهذا لا ينافي أن تكون الأسس والقواعد قد وضعت قبل ذلك ، وإبراهيم هو الذي رفع هذه القواعد ، وشيد على تلكم الأسس ، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث وتحقيق ، نسأل الله أن يوفقنا لمعالجته في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى .
ب : دعاء إبراهيم عليه السلام :
ومهما يكن من أمر ، فإن إبراهيم (عليه السلام) قد لاحظ :
أن البيت الذي اختبر الله الناس به قد وضع في بقعة تكون الحياة فيها صعبة وشاقة ، كما يظهر من كلمات الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدمة؛ ولذلك فقد دعا ربه فقال : ﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ 6 .
ولقد استجيبت دعوة إبراهيم (عليه السلام) ، وأصبحت مكة قبلة الآملين ، ومهوى أفئدة الصفوة من العالمين .
ج : تقديس الكعبة :
لقد كانت الكعبة مقدسة ومعظمة عند جميع الأمم ، فيذكر العلامة الطباطبائي قدس سره :
أن الهنود يعتقدون : أن روح سيفا ، وهو الأقنوم الثالث عندهم قد حلت في الحجر الأسود ، حينما زار هو وزوجته بلاد الحجاز .
والصابئة من الفرس والكلدانيون يعدون الكعبة أحد البيوت السبعة المعظمة 7 ، وربما قيل : إنها بيت زحل لقدم عهدها ، وطول بقائها . .
واليهود أيضاً كانوا يعظمونها ، ويدَّعون أنهم يعبدون الله فيها على دين إبراهيم (عليه السلام) .
ويقولون : إنه كان فيها تماثيل وصور ، منها تمثال إبراهيم وإسماعيل ، وبأيديهما الأزلام ، وأن فيها صورتا العذراء والمسيح ، ويشهد على ذلك تعظيم النصارى لأمرها كاليهود .
وكانت العرب أيضاً تعظمها كل التعظيم ، وتعدها بيتاً لله تعالى ، وكانوا يحجون إليها من كل جهة 8 . .
وستأتي كلمات أبي طالب حول هذا الأمر حين الكلام عن زواج النبي (صلى الله عليه وآله) بخديجة أم المؤمنين (عليها السلام) وقد حكى الله سبحانه هذا الأمر حينما قال : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ... 9 .
فالكعبة إذن ، كانت مقدسة عند جميع الأمم والطوائف ، وبالأخص عند العرب ، وظلت على ذلك مدداً متطاولة في العصر الجاهلي ، ويزيد ذلك قوة ورسوخاً : أن العربي كان يعتبرها مصدر عزته ، وموضع أمله ، وكيف لا تكون كذلك ، وهو يرى أن الأمم الأخرى تنظر إليه ـ لأجلها ـ بعين الحسد والشنآن ، وتعمل على انتزاع هذا الشرف منه ، أو على التقليل من خطره وأهميته ، حتى لقد :
1 ـ أقام الغساسنة بيتاً في الحيرة في مقابلها 10 .
2 ـ وفي نجران أيضاً : أقيمت كعبة أخرى لتضاهي كعبة مكة ، يقول الأعشى : يخاطب ناقته :
وكعبة نجران حتم عليك *** حتى تناخي بأعـتابهـا
وكعبة نجران هذه يقال : إنها بيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي ، على بناء الكعبة ، وعظموها مضاهاة للكعبة ، وسموها : كعبة نجران 11 .
3 ـ وفي الشام كانت الكعبة الشامية 12 .
4 ـ وفي اليمن الكعبة اليمانية 12 .
وكان رجل من جهينة قال لقومه : هلم نبني بيتاً نضاهي به الكعبة ، ونعظمه ، حتى نستميل به كثيراً من العرب ، فأعظموا ذلك وأبوا عليه 13 .
ويكفي أن نذكر : أن أبرهة بن الأشرم أقام في اليمن بيتاً ، ودعا الناس إلى تعظيمه ، والحج إليه .
وكتب إلى ملك الحبشة : (إني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها أحد قط ، ولست تاركاً العرب حتى أصرف حجهم عن بيتهم الذي يحجون إليه) 14 .
ورغم أنه زخرفه وفرشه بأفخر ما يقدر عليه ، إلا أن ذلك لم ينفع في صرف الناس حتى اليمنيين عن الكعبة إليه ، فضلاً عن أن يصرف غيرهم أو أهل مكة عن كعبتهم ، واستمر الناس ، وأهل اليمن على الحج إلى مكة .
وبعد أن تغوط أحد بني كنانة في كنيسة أبرهة ، غضب ، واندفع إلى مكة في عام الفيل وقال لعبد المطلب : إنه لا يقصد إلا هدم البيت .
فأجابه : إن للبيت رباً سيمنعه ، وجرى ما جرى لأبرهة وجيشه وأنزل الله في ذلك :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ 15 16 .
5 ـ ويقولون : إن تبع بن حسان كان قبل ذلك قد حاول أن يهدم البيت ويحول حجارته إلى اليمن ، فيبني بها بيتاً هناك تعظمه العرب ، فدفع الله عن البيت شره وكيده 17 18 .

  • 1. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 260 .
  • 2. راجع : الآية 96 من سورة آل عمران .
  • 3. نهج البلاغة بشرح عبده، الخطبة المعروفة بالقاصعة رقم 187 .
  • 4. راجع على سبيل المثال : تفسير نور الثقلين ج 1 ص 126 ـ 129، والطبري ، والدر المنثور ، وشرح النهج ، وأخبار مكة للأزرقي : ج1 ص 3 ـ 30 ، وتفسير البرهان : ج 1 ص 300 وغير ذلك .
  • 5. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 127 ، الصفحة : 20 .
  • 6. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 37 ، الصفحة : 260 .
  • 7. البيوت السبعة هي : الكعبة ، ومارس : على رأس جبل بأصفهان . وهندوستان : ببلاد الهند . ونوبهار : بمدينة بلخ . و بيت غمدان : بمدينة صنعاء . وكاوسان : بمدينة فرغانة من خراسان ، وبيت بأعالي بلاد الصين .
  • 8. راجع الميزان ج3 ص361 و 362 ، وما ذكره يحتاج إلى تحقيق ، وإثبات بالأدلة والشواهد .
  • 9. القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 404 .
  • 10. حياة محمد لمحمد حسنين هيكل ص 63 . وراجع : الأصنام ص45 .
  • 11. معجم البلدان لياقوت الحموي ج5 ص268 . وراجع : الأصنام ص44 ـ 45 .
  • 12. a. b. البداية والنهاية ج 2 ص 192 .
  • 13. الأصنام : ص45 .
  • 14. الأصنام : ص47 .
  • 15. القران الكريم : سورة الفيل ( 105 ) ، الآيات : 1 - 5 ، الصفحة : 601 .
  • 16. سورة الفيل راجع في هذه القضية البحار : ج15 ص140 و136 و131 و72 و69 و66 ، وأمالي الطوسي : ص78 ـ 79 ، وأنساب الأشراف : ج1 ص68 ، وتاريخ ابن الوردي : ج1 ص127 ، والسيرة النبوية لابن كثير : ج1 ص34 ، والسيرة النبوية لابن هشام : ج1 ص51 ، والبداية والنهاية : ج2 ص172 ، وتاريخ الخميس : ج1 ص189 ، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) : ج1 ص31 ، والسيرة الحلبية : ج1 ص59 ـ 61 .
  • 17. ثمرات الأوراق ص287 وراجع : تاريخ الخميس : ج1 ص191 .
  • 18. الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الثاني .