الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

نزول آية في اسلام عمر

نص الشبهة: 

ويذكرون أن آية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قد نزلت في هذه المناسبة حيث أسلم عمر رابع أربعين (راجع : الدر المنثور ج3 ص200 عن الطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه وراجع أيضاً ما أخرجه عن البزار وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وغيرهم .) .

الجواب: 

ولكن يعارض ذلك ما روي عن الكلبي ، من أن الآية قد نزلت في المدينة في غزوة بدر 1 .
وعن الواقدي : أنها نزلت في بني قريظة والنضير 2 .
وأيضاً فإن الآية في سورة الأنفال ، وهي مدنية لا مكية .
وفي رواية الزهري : أن هذه الآية نزلت في الأنصار 3 .
يضاف إلى ذلك : أن الآية مسبوقة بآيات القتال ، ولم يشرع القتال إلا في المدينة ، وهي تنسجم مع تلك الآيات تمام الانسجام ، فراجعها وتأمل فيها ، وهي أيضاً تناسب المدينة ، حيث قويت شوكة الإسلام ، وعز المؤمنون .

وغير أننا نرى هذه الرواية قد تكون من دلائل تأخر إسلام عمر إلى قبل الهجرة إلى المدينة بقليل ، فإن الروايات الأخرى المروية في هذه المناسبة تشير إلى أنه قد أسلم تمام الأربعين .
ومن المعلوم : أن الذين هاجروا في السنة الخامسة إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلاً ، وهو إنما أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة بمدة طويلة ، فلا يصح تفسير هذه الرواية إلا على معنى أنه قد أسلم في الأربعين الرابعة ، وكان ـ بقرينة الروايات الأخرى ـ آخر واحد منها . . أي كان برقم مئة وستين .
وهذا معناه : أن إسلامه قد كان قبيل الهجرة ، كما سنرى .

ملاحظات أخيرة

وأخيراً ، فإننا نذكر :

1- إن الذي يطالع روايات إسلام عمر ، يرى : أنها متناقضة تناقضاً كبيراً فيما بينها .

2- إن بعض الروايات تذكر: أن عمر قد التقى بسعد الذي كان قد أسلم ، أو بنعيم النحام ، وجرى بينهما كلام ؛ فأخبره بإسلام أخته ، وزوجها ، وأغراه بهما .

ويرد سؤال : إنه إذا كان سعد مسلماً ، وكان نعيم قد أسلم قبل عمر سراً ، فلماذا يغري عمر بأخته المسلمة وصهره ؟!

وإذا كان إنما فعل ذلك ليصرفه عن قصد النبي (صلى الله عليه وآله) بالسوء ؛ فلا ندري كيف يخاف من عمر على النبي وعند النبي (صلى الله عليه وآله) أمثال حمزة وعلي إلى تمام الأربعين رجلاً ؛ ولماذا لا يخاف على هذين المسلمين ، وليس لهما ناصر ، ولا عندهما أحد ؟! .

3- إن قول حمزة عن عمر : (وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه) يشير إلى أنه (رحمه الله) لم يكن يقيم وزناً لعمر ، حتى حينما يكون عمر متوشحاً بالسيف ، حتى يرى : أن أمره سهل ، وأن بالإمكان قتله بنفس سيفه الذي يحمله ، وهذا غاية في الاستهانة بقدرات عمر ، ما بعدها غاية .

4- لا ندري لماذا تهدد النبي عمر ؟

وجبذه جبذة شديدة!! .

وكيف وصل عمر إلى النبي بهذه السهولة ؟

ولماذا لقيه في الحجرة ؟

ولماذا خرج المسلمون في صفين ؟
وما هي فلسفة ذلك عسكرياً ، وهل لم يكن عمر يعرف من هو أنقل رجل للحديث في قريش ؟
ولماذا لم يكن يدنو إليه إلا شريف ؟!
وإذا كان قد خرج مع المسلمين في صفين وتهدد المشركين ، وخاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينئذٍ فلماذا احتاج إلى أنقل رجل للحديث في قريش ؟!
ولماذا ذهب إلى المسلمين متوشحاً سيفه ؟!
إلى كثير من الأسئلة التي تعلم بالمراجعة والمقارنة .

خاتمة المطاف

وبعد ما تقدم ، فإن المراجع لروايات إسلام عمر لا يصعب عليه : أن يكتشف بسرعة :

أن ثمة محاولات للتغطية على قضية إسلام حمزة ، الذي عز به الإسلام حقاً ، وسر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) سروراً كثيراً .
ولهذا تجد : أنهم يقرنون عمر بحمزة كثيراً في تلك الروايات ، ويحاولون إعطاءهما المواقف مناصفة ، مع تخصيص عمر بحصة الأسد فيها .
كما أن فضيلة رد الجوار التي هي لعثمان بن مظعون يحاولون إعطاءها إلى عمر .
بل نجد في بعض الروايات : أن أهل الكتاب في الشام قد بشروا عمر بما سوف يؤول إليه أمره في مستقبل هذا الدين الجديد 4، كما بشروا أبا بكر في بصرى 5 وكما بشروا النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه 6 حسب رواياتهم .
ثم إنهم قد وجدوا في عمر العلامات التي تدعم مدعاهم 7 ، كما وجدوها في أبي بكر من قبل . .
ثم كان إسلام عمر ، وكانت كل الجهود موقوفة على صنع الفضائل والكرامات له!!
فتبارك الله أحسن الخالقين!!
ولقد قال ابن عرفة المعروف بنفطويه : إن أكثر فضائل الصحابة قد افتعلت في عهد بني أمية ، إرغاماً لأنوف بني هاشم! 8 .
كما أن معاوية قد أمر الناس بوضع الحديث في الخلفاء الثلاثة كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
وحسبنا ما ذكرناه هنا ؛ فإن فيه مقنعاً وكفاية لكل من أراد الرشد والهداية 9 .

  • 1. مجمع البيان ج4 ص557 .
  • 2. التبيان للطوسي ج5 ص152 .
  • 3. الدر المنثور ج3 ص200 عن ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم .
  • 4. راجع الرياض النضرة ج2 ص319 .
  • 5. راجع : السيرة الحلبية ج1 ص274 و275 و186 والرياض النضرة ج1 ص221 .
  • 6. قد أشرنا إلى ما يذكرونه عن دور ورقة بن نوفل في ذلك ، وأثبتنا عدم صحة ذلك ، فراجع روايات بدء الوحي في الجزء الأول من هذا الكتاب .
  • 7. تاريخ عمر بن الخطاب ص22 .
  • 8. راجع النصائح الكافية ص74 وحياة الإمام الحسن للقرشي ج2 ص148 والكنى والألقاب ج3 ص262 وفجر الإسلام ص213 .
  • 9. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الثالث .