الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل يتعلم علي من النبي ؟

نص الشبهة: 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطاهرين . . . يقول الإمام أمير المؤمنين [عليه السلام]: «علمني رسول الله ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب» (بحار الأنوار ج26 ص28 .). هل يقدح بكمال المعصوم كونه تعلم العلم وإن كان من معصوم آخر؟ وهل يعني تعلمه لهذه الأبواب [صلوات الله وسلامه عليهم] خلوه من هذه المعرفة قبل ذلك. إن لم يكن كذلك فما هي طبيعة هذا التعليم والتعلم؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب: 

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
فإن الإجابة على سؤالك أيها الأخ الكريم تكون في ضمن النقاط التالية:

1 ـ إنه لا شك في أن علياً [عليه السلام] ، هو نفس رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، بنص القرآن الكريم في آية المباهلة : ﴿ ... وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ... 1 .

2 ـ إن درجة النبوة الخاتمة قد كانت للنبي الأكرم [صلى الله عليه وآله] . . وهو أعظم مقام يمكن أن يناله بشر . . كما أن درجة الإمامة والمقام الأعظم فيها هي تلك الإمامة التي ترتبط بالنبوة الخاتمة بلا فصل أيضاً . . وقد اختص الله بهذا المقام الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام .
بل إن نبي الله إبراهيم [عليه السلام] ، حين نال مقام الإمامة ، فإن درجتها لم تكن في حد درجة الإمامة المرتبطة بالنبوة الخاتمة . .
وقد حكى الله سبحانه عن إبراهيم ، فقال : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 2 .
وقد زاد الله تعالى في إكرام علي [عليه السلام] ، بأن جعل من ذريته ، أحد عشر إماماً . . قد نالوا شرف الارتباط بإمامته العظمى ، ومن النبي [صلى الله عليه وآله] من خلال الزهراء [عليها السلام] شرف الارتباط بالنبوة الخاتمة . .

3 ـ إن للإمامة العظمى المرتبطة بالنبوة الخاتمة مقاماتها وعلومها المناسبة لها . . فلا بد من نيل تلك العلوم ، والوصول إلى تلك المقامات . .
ونحن نعلم أن علوم الشريعة والأحكام لا تختلف درجات علم الأئمة بها . . كما دلت عليه الروايات . . فلا بد أن يكون التمييز والتفاضل بين الأئمة هو في علوم أرقى منها . . وهذه هي التي ورد عن الأئمة [عليهم السلام] : أن بعضهم أعلم من بعض فيها . .
وهذا السنخ من العلوم هو المقصود بكلام أمير المؤمنين [عليه السلام] : علمني رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب . .
فالرسول [صلى الله عليه وآله] ، قد علم علياً [عليه السلام] ، مفاتيح علوم عظيمة هي الأرقى في سلسلة أسرار الغيوب التي يختص الله تعالى بها بعض عباده كنبي الله محمد [صلى الله عليه وآله] ، ووصيه علي أمير المؤمنين [صلوات الله وسلامه عليه] . .

4 ـ قال تعالى : ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا 3 ﴿ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ... 4 ولا شك في أن مقام الرضى الأعظم قد كان لرسول الله [صلى الله عليه وآله] ، من بين جميع الأنبياء والمرسلين ، لأنه أفضلهم وأكرمهم على الله سبحانه ، وأشرفهم منزلة ، وأقربهم من الله زلفى .
وعلي [عليه السلام] هو المرتضى من رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، كما روي عنه [عليه السلام] في بيان هذه الآية المباركة .

5 ـ وقد حدد الله سبحانه وسائل معينة يتم من خلالها إيصال المرادات الإلهية إلى الرسل فقال : ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ... 5 ، فالرسول الذي يلقي بالإذن ، هو الوحي بواسطة الملك ، وهو جبرائيل بالنسبة لنبينا الأعظم [صلى الله عليه وآله] .
وجبرائيل كان يتعلم من رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، وكان الرسول [صلى الله عليه وآله] ، أفضل منه . . فوساطته كانت شرفاً له . .
وتكليم الله سبحانه لموسى [عليه السلام] ، بواسطة الشجرة تكليم له من وراء حجاب .
والوحي بواسطة كالرؤيا والإلهام يدخل في قوله تعالى : ﴿ ... إِلَّا وَحْيًا ... 5 ، لأنه إلقاء للمعاني في قلب رسول الله [صلى الله عليه وآله] . . ومن وسائل الإطلاع على الغيب أيضاً كشف الحجاب عن اللوح المحفوظ وعن أم الكتاب لرسول الله [صلى الله عليه وآله] ، ليطلعه سبحانه على غيوبه . .

6 ـ وأما فيما يرتبط بانتقال علوم المعصومين [عليهم السلام] ، إلى بعضهم البعض ، فلا ريب أيضاً ، في أن لوراثتهم علوم بعضهم البعض طرائق وحالات ، تناسبهم وتنسجم مع واقع وجودهم ، ومع طبيعة تعاطيهم مع هذا الخلق والوجود بصورة عامة ، ومع بعضهم البعض بصورة خاصة .

7 ـ والله سبحانه يطلع رسوله على غيبه ، ويكشف له المكنون المخزون ، أو فقل : المكفوف في أم الكتاب ، كما في بعض الروايات 6 ، وفي اللوح المحفوظ . حيث يمكِّن الله تعالى نبيه [صلى الله عليه وآله] ، من الإشراف عليه ، دون سواه من خلقه ، فيكون ذلك اللوح أو الكتاب هو المرآة التي تعكس غيبه تعالى على القلب الأطهر ، والروح والنفس الأصفى للرسول الأعظم [صلى الله عليه وآله] . .

8 ـ فلا غرو بعد هذا أن ينال علي [عليه السلام] ، ذلك الغيب بالذات ، وتكون واسطة الفيض له هي قلب الرسول ، المشرف على اللوح بصورة مباشرة . . وتكون نفسه الشريفة [صلى الله عليه وآله] ، هي المرآة الصافية التي تعكس لعلي [عليه السلام] ما في ذلك اللوح أو أم الكتاب تماماً كما كان الإشراف المباشر وكشف اللوح أو أم الكتاب له ، الواسطة في إطلاع الرسول [صلى الله عليه وآله] ، على غيب الله سبحانه وتعالى . .

فليست القضية إذن قضية علم وجهل . . وليس في تعليم الرسول [صلى الله عليه وآله] . . أي انتقاص من مقام علي [عليه السلام] . . بل هو تشريف له وتكريم لم يبلغه بشر ، أن تكون وسيلته لنيل تلك الغيوب هي الإشراف على قلب ونفس الرسول الأكرم والأفخم والأعظم ، عند الله تعالى ، من بين كل ما خلق . . علماً بأن هذه التراتبية في الإشراف والإفاضة إنما هي في هذه النشأة الخاضعة لأحكام ونواميس خاصة بها ، وإن كانا في النشأة الأخرى والأرقى يكونان متقاربين حيث خلقهم الله سبحانه من قبل خلق الخلق بألف دهر ، ثم اشهدهم خلق كل شيء ، كما ورد في الحديث الشريف ، ويكون التأخر رتبياً كما هو ظاهر .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى وصيه أمير المؤمنين ، وعلى الأئمة الأطيبين الأطهرين . . وعلى الزهراء البتول سيدة نساء العالمين 7 .

تعليق واحد

صورة ابوطاهر

السلام عليكم

السلام عليكم
وقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) يعني بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )
فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه،
وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.

قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
القول في تأويل قوله : قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لسائليك عن الساعة: أَيَّانَ مُرْسَاهَا =(لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا)، يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع إلى نفسي, ولا دفع ضر يحلّ بها عنها إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك، بأن يقوّيني عليه ويعينني (1) =(ولو كنت أعلم الغيب)، يقول: لو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد (2) =(لاستكثرت من الخير)، يقول: لأعددت الكثير من الخير. (3)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الخير " الذي عناه الله بقوله: (لاستكثرت من الخير). (4) فقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصالح.
* ذكر من قال ذلك:
15494 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قوله: (قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا) قال: الهدى والضلالة =(لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) قال: " أعلم الغيب "، متى أموت = لاستكثرت من العمل الصالح.
15495 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبى نجيح, عن مجاهد, مثله.
15496 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، : قال: لاجتنبت ما يكون من الشرّ واتَّقيته.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: " ولو كنت أعلم الغيب " لأعددت للسَّنة المجدبة من المخصبة, ولعرفت الغلاء من الرُّخْص, واستعددت له في الرُّخْص.
* * *
وقوله: (وما مسني السوء)، يقول: وما مسني الضر (5) =(إن أنا إلا نذير وبشير)، يقول: ما أنا إلا رسولٌ لله أرسلني إليكم, أنذر عقابه مَن عصاه منكم وخالف أمره, وأبشّرَ بثوابه وكرامته من آمن به وأطاعه منكم. (6)
* * *
وقوله: (لقوم يؤمنون)، يقول: يصدقون بأني لله رسول, ويقرون بحقية ما جئتهم به من عنده. (7)
-----------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير (( ملك )) فيما سلف 10 : 147 ، 187 ، 317 .
(2) انظر تفسير ((الغيب )) فيما سلف 11 : 464 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(3) انظر تفسير (( استكثر )) فيما سلف 12 : 115 .
(4) انظر تفسير (( الخير )) فيما سلف 2 : 505 / 7 : 91 .
(5) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف 12 : 573 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(6) انظر تفسير (( نذير )) فيما سلف ص : 290 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك . = وتفسير (( بشير )) فيما سلف 11 : 369 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(7) في المطبوعة : (( بحقية ما جئتهم به )) ، والصواب من المخطوطة ، وقد غيرها في مئات من المواضع ، انظر ما سلف ص : 113 ، تعليق : 1 والمراجع هناك . و (( الحقيقة )) ، مصدر ، بمعني الصدق والحق ، كما أسلفت