الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مبارزة ابي بكر لولده

نص الشبهة: 

ويقولون: إن أبا بكر دعا ابنه عبد الرحمن للبراز يوم أحد، وكان عبد الرحمن من أشجع قريش، وأشدهم رماية!! (السيرة الحلبية ج2 ص168.). فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: «متعنا بنفسك، أما علمت أنك مني بمنزلة سمعي من بصري، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ... » (السيرة الحلبية ج2 ص169 و 224 وفيها عن علي ما يؤيد هذا، والعثمانية للجاحظ ص62 ولم يذكر نزول الآية وكذا في الكامل لابن الاثير ج2 ص156، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص256 مثله، ومغازي الواقدي ج1 ص257، وملحق العثمانية ص330 و 340، والبحار ج20 هامش ص103 عن كشف الغمة، وعن المقريزي في الامتاع.). وقد ذكرت قصة شبيهة بهذه لأبي بكر وابنه في يوم بدر أيضاً. لكن فيها: أن عبد الرحمن هو الذي دعا أباه للبراز، ولكن لم يذكر فيها نزول الآية بهذه المناسبة (السيرة الحلبية ج2 ص168، والإستيعاب هامش الاصابة ج2 ص399 و 400 وراجع: غزوة بدر، فقد أشرنا إلى هذه الرواية هناك أيضاً.). كما أن أكثر المصادر لم تذكر قوله: أما علمت أنك مني بمنزلة الخ.. وفي بعض السير: أن أبا بكر قال لولده يوم بدر وهو مع المشركين: أين مالي يا خبيث؟. فقال له عبد الرحمن كلاماً معناه: أنه لم يبق إلا عدة الحرب، التي هي السلاح، وفرس سريعة الجري، وجنان يقاتل عليه شيوخ الضلال (السيرة الحلبية ج2 ص169، وسيرة ابن هشام ج2 ص291.).

الجواب: 

ولنا على ما ذكر ملاحظات:
1 ـ أما بالنسبة لمال أبي بكر الذي طالب به ولده، فيرده قولهم: إن أبا بكر حمل ماله كله حين هاجر من مكة إلى المدينة، حتى إن أباه أبا قحافة لما جاء وسأل: إن كان أبقى لأهله شيئاً، اضطرت أسماء لأن تضع الحصى في كيس وتلمسه إياه على أنه نقود 1 وقد تقدم بعض الحديث حول ثروة أبي بكر حين الكلام على قضية الغار، فليراجع ما ذكرناه هناك.
2 ـ وأما نزول الآية في أبي بكر في هذه المناسبة فلا ندري: هل نصدق هذا؟! أم نصدق قولهم: إن أبا بكر سمع والده أبا قحافة يذكر النبي «صلى الله عليه وآله» بشر؛ فلطمه لطمة سقط منها، فنهاه النبي «صلى الله عليه وآله» عن أن يعود لمثلها؟!.
فقال: والله، لو حضرني سيف لقتلته به فنزلت الآية 2.
وهذا يعني أن الآية مكية وليست مدنية قد نزلت في أحد، لأن أبا قحافة قد بقي في مكة إلى حين الفتح.
كما أن هذا ينافي ما قيل في تفسير هذه الآية، من أن المراد: الدعوة إلى الحرب، أو إلى القرآن 3.
ومقتضى ما ذكر في قصته: أنه دعاه لترك الحرب، وليبقى حياً ويمتعهم بنفسه.
3 ـ قال ابن ظفر في الينبوع: «لم يثبت أن أبا بكر دعا ابنه للمبارزة، وإنما هو شيء ذكر في كتب التفسير» 2.
4 ـ ولما ذكر الجاحظ في عثمانيته هذه الحادثة متبجحاً بها، أجابه الإسكافي بقوله: «ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لأبي بكر، فإنه لو تسمعه الإمامية لأضافته إلى ما عندها من المثالب، لأن قول النبي «صلى الله عليه وآله»: (إرجع) دليل على أنه لا يحتمل مبارزة أحد، لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه، وأنت تعلم حنو الابن على الأب، وتبجيله له، وإشفاقه عليه، وكفه عنه، لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي.
وقوله: (ومتعنا بنفسك) إيذان بأنه كان يقتل لو خرج، ورسول الله كان أعرف به من الجاحظ. فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلي بالحرب، ومشى إلى السيف بالسيف، فقتل السادة والقادة، والفرسان والرجالة»؟! 4.
5 ـ وأخيراً.. فإن عائشة تقول: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، غير أن الله أنزل عذري 5.
وحتى عذرها هذا لا يمكن أن يكون قد نزل فيها كما أثبتناه في كتابنا حديث الإفك، وفي الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب. فكيف تكون الآية قد نزلت بهذه المناسبة؟! 6.

  • 1. تقدمت مصادر ذلك في هذا الكتاب في فصل هجرة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» حين الحديث حول شراء أبي بكر للموالي ونفقاته.
  • 2. a. b. السيرة الحلبية ج2 ص169.
  • 3. راجع الدر المنثور ج3 ص176 عن ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن اسحاق.
  • 4. شرح النهج للمعتزلي ج13 ص294 وص 281، وليراجع آخر كتاب العثمانية ص340 وليراجع ص230.
  • 5. صحيح البخاري ط سنة 1309 ج3 ص121، وتفسير ابن كثير ج4 ص159، والدر المنثور ج6 ص41، وفتح القدير ج4 ص21. وراجع: الغدير ج8 ص247.
  • 6. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السابع.