سكران يؤم المصلين !

أخرج البلاذري في الأنساب من طريق محمد بن سعد ، بالاسناد عن أبي إسحاق الهمداني : أن الوليد بن عقبة 1 شرب فسكر فصلَّى بالناس الغداة ركعتين ، ثم التفت ، فقال : أزيدكم ؟
فقالوا : لا قد قضينا صلاتنا .
ثم دخل عليه بعد ذلك أبو زينب و جندب بن زهير الأزدي و هو سكران فانتزعا خاتمه من يده و هو لا يشعر سكرا .
قال أبو اسحاق : و أخبرني مسروق انه حين صلَّى لم يرم حتى قاء ، فخرج في امره إلى عثمان أربعة نفر: أبو زينب ، و جندب بن زهير ، و أبو حبيبة الغفاري ، و الصعب بن جثامة ، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبدالرحمن بن عوف : ماله ؟ أجَنَّ ؟
قالوا : لا ، و لكنه سكر .
قال : فأوعدهم عثمان و تهددهم ، و قال لجندب : أنت رايت أخي يشرب الخمر ؟
قال . معاذ اللّه ، و لكني اشهد انى رايته سكران يقلسها من جوفه ، و إني اخذت خاتمه من يده و هو سكران لا يعقل .
قال أبو اسحاق : فأتى الشهود عائشه فاخبروها بما جرى بينهم و بين عثمان ، و ان عثمان زبرهم ، فنادت عائشة : ان عثمان أبطل الحدود و توعَّدَ الشهود .
و قال الواقدي : و قد يقال : ان عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً ، فأتوا علياً فشكوا ذلك إليه ، فأتى عثمان فقال : " عَطََّلتَ الحدود و ضربت قوماً شهدوا على أخيك فقلبت الحكم ، و قد قال عمر : لا تحمل بني أميه و آل ابي معيط خاصة على رقاب الناس " .
قال : فما ترى ؟
قال: " أرى ان تعزله و لا تُولِّيه شيئا من أُمور المسلمين ، و ان تسأل عن الشهود ، فإن لم يكونوا أهل ظنة و لا عداوة أقمت على صاحبك الحد " .
رَوى الطبري ، قال : حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى و حدثني الحارث قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إن جاءكم فاسق بنبإ " ، قال : الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى بني المصطلق ، ليُصَدِّقَهم 2 ، فتَلقَّوه بالهديَّة ، فرجع إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : إن بني المصطلق جَمَعَت لتقاتلك 3 .
و قال ابن عبد البر : لاخلاف بين أهل العلم بتاويل القرآن انها نزلت فيه - أي الوليد – .
و قال ابن كثير : ذكر كثير من المفسرين ان هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة .
و قد أكَّدَ اللّهُ فسق الوليد في آية اخرى و هي قوله تعالى : ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ 4 .

  • 1. هو الوليد بن عقبه بن أبي معيط ، و اسم ابى معيط هو أبان بن أبي عمرو ، و اسم أبي عمرو ذكوان بن أميه بن عبدشمس بن عبد مناف القرشي الأموي ، أما أبوه عقبه بن أبي معيط فكان أشد الناس على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) في ايذائه من جيرانه ، فقد أخرج ابن سعد بالاسناد من طريق هشام بن عروة عن ابيه عن عائشه قالت : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) : " كنتُ بين شَرِّ جارين بين ابي لهب و عقبه بن أبي معيط ، ان كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي ، حتى انهم لياتون ببعض ما يطرحون من الاذى فيطرحونه على بابي .
  • 2. لِيُصَدِّقَهم : أي ليجمع صدقاتهم .
  • 3. راجع : تفسير الطبري : تفسير الآية : 6 من سورة الحجرات .
  • 4. القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآيات : 18 - 20 ، الصفحة : 416 .