كيف كان الصلح الحسني ممهدا للنهضة الحسينية؟

دهاء معاوية

كانت نفس معاوية بن أبي سفيان تواقة إلى الحكم و السلطان و التربُّع على كرسي الخلافة و أخذ زمام أمور الأمة الإسلامية بيده حتى يتمكن من الوصول إلى أهدافه و ملذاته الدنيوية، و لكنه في نفس الوقت لم يكن ساذجاً بل كان معروفاً بالدهاء و السياسة، فكان يعرف جيداً بأن وصوله إلى مبتغاه يحتاج إلى تخطيط دقيق و صبر كثير، و عليه أن يتجاوز الكثير من المراحل و الأزمات حتى تتوفر الأجواء المناسبة المؤدية إلى قبول المسلمين بالأمر الواقع الذي كان يريده لهم.
و كان معاوية يعرف جيداً بأنه إن أراد الوصول إلى هذه النتيجة فلا بد له أن يتستَّر بعباءة الدين و عليه أن يخفي نواياه و كذلك أعماله التي لا تنسجم مع الدين الإسلامي و تعاليمه و أحكامه، فكان حريصاً على التظاهر بالالتزام الديني و الحرص على مصلحة الأمة الإسلامية.
و لم يخطئ معاوية في تقييمه للظروف فكانت النتيجة أن جماعات كبيرة من المسلمين لم يتمكنوا من معرفة معاوية على حقيقته فلم يتمكنوا من تمييز الحق من الباطل خلال فترة خروجه على الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في حرب صفين و بعدها في المواجهات التي دارت بينه و بين الإمام الحسن بن علي ( عليه السلام ) فكان ما كان.<--break->أسباب قبول الامام الحسن للصلح
إن الإمام الحسن ( عليه السلام ) لما رأى أن جيشه قد تأثَّر هو الآخر بالتضليلات الإعلامية التي كان مصدرها الجهاز السياسي و الإعلامي لمعاوية ـ طبعاً بعد أن أقام الحجة على المسلمين بمخالفته لمعاوية من خلال مواجهته العسكرية له ـ لم يجد بدا من قبول الصلح مع معاوية، و لكنه ( عليه السلام ) برع في تسجيل نصر كبير ـ لم يفطن له معاوية رغم دهائه و مكره ـ من خلال بنود مذكرة الصلح، حيث أراد الإمام الحسن ( عليه السلام ) أن يثبت للمسلمين في ذلك العصر بل للتاريخ زيف ما كان يدعيه معاوية، و يبيِّن كذبه و تزويره للحقائق، كما أراد إزاحة عباءة الدين عن معاوية، تلك التي طالما تستر بها معاوية، و بالفعل فقد استطاع الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد فترة وجيزة من تعرية معاوية و كشفه كشفاً كاملاً أمام المسلمين.

معاوية يسقط القناع عن وجهه

لقد نجح الإمام الحسن (عليه السلام) في تحقيق أهداف الصلح، فبعد مضي أيام على توقيع معاهدة الصلح أسقط معاوية القناع عن وجهه فبدأ يعترف بنواياه و يقول: إِنِّي وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَ لَا لِتَصُومُوا وَ لَا لِتَحِجُّوا وَ لَا لِتُزَكُّوا، إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَ لَكِنِّي قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَ قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَ أَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَلَا وَ إِنِّي كُنْتُ مَنَّيْتُ الْحَسَنَ وَ أَعْطَيْتُهُ أَشْيَاءَ وَ جَمِيعُهَا تَحْتَ قَدَمَيَّ لَا أَفِي بِشَيْ‏ءٍ مِنْهَا لَه‏ 1.
و هكذا مكَّن الإمام الحسن ( عليه السلام ) المسلمينَ من إكتشاف حقائق مهمة و الحصول على تجربة سياسية عظيمة مهدت لتجربة أخرى أكبر.
لذا فان هناك فرقاً كبيراً جداً بين المواجهتين، أي مواجهة الإمام الحسن ( عليه السلام ) لمعاوية، و مواجهة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ليزيد بن معاوية، حيث لمن تكن الأمور ملتبسة على الناس أيام حكومة يزيد كما كانت ملتبسة أيام حكومة معاوية.

  • 1. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 48 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .

تعليق واحد