شهدت العقود الأخيرة أكبر الجدل حول الفقه الإسلامي ومصيره وأهميّته ووضعه وأحواله. وانقسم الناس فيه بين محبٍّ غال ومبغضٍ قال. ولست هنا بصدد الحديث عن ذلك كلّه، لكن ما أودّ الإشارة إليه هو قضيّة صغيرة ومحدّدة، وهي مركّبة ـ كما يظهر من العنوان ـ من جزأين:
الحديث عن قضيّة المرأة في الاجتهاد الإسلامي ـ وهو في نفسه مفهومٌ قلق ـ على صعيد العالم العربي يحتاج للكثير من الكلام، لكنّني هنا سوف استهدف رصداً موجزاً؛ بغية الاطّلاع على التحوّلات والمآلات. وسوف أقسّم الكلام إلى ثلاثة محاور، أتحدّث في الأوّل منها عن نقطة الانطلاق، ثم أنعطف نحو مسير التحوّلات، لأنتهي بذكر ثماني نقاط تحليليّة موجزة. وفي الغالب سوف أقتصر هنا على التوصيف والتحليل، وليس على التقويم وإبداء الرأي والموقف.
هذه الفريضة ليست فقط للنهي عن معصيةٍ أو الأمر بواجب جزئيّ هنا أو هناك، وليست مسألةً جزئيّة، وإنّما هي تمثِّل عنوان (الحسّ الاجتماعي عند المسلمين)، وهي عنوانٌ للإصلاح (إصلاح المجتمع أخلاقياً، اجتماعياً، تربوياً، فكرياً، وثقافياً). فالعنوان كبيرٌ جدّاً، لكنّنا نحن المسلمين مع الأسف صغّرنا هذا العنوان.
رأينا أنّ جماعةً من كبار العلماء والمجتهدين في المذاهب الدينيّة المختلفة، قدّموا رؤية دينيّة أصّلوا من خلالها لمبدأ العلاقات الطيّبة بين المسلمين، لكن لماذا لم يقتنع الآخرون من العلماء والباحثين من أهل المذاهب بهذه الأدلّة؟ ما الذي حصل أنّ الفريق الآخر لم يقتنع بهذه الأدلّة، وهي أدلّة قوية؟
نحن نعيش فكرة التقريب منذ مئة وخمسين سنة تقريباً، منذ السيد جمال الدين، إلى الشيخ محمّد عبده، مروراً بأجيالٍ من العلماء الذين نادوا بالتقريب وصولاً إلى اللحظة الحاضرة، وفكرة التقريب من منطلقٍ سياسي مرحلي زمني كانت حاضرة دوماً، ودعا إليها كثيرون ونظّروا لها بل حاولوا تطبيقها.
ربما يكون العنوان الذي تمّ اختياره هنا موهماً للوهلة الأولى؛ إذ يبدو وكأنّه يضعنا أمام خيارين، وأنّ علينا أن نختار واحداً منهما، في عمليّة تأطير فكري: إمّا أن نقول بأنّ التقريب أو الوحدة أو التعايش بين أبناء المذاهب يجب أن يكون سياسيّاً فقط أو يجب أن يكون دينيّاً فقط، لكن ليس هذا هو المقصود بالعنوان، بل يمكن أن تكون الوحدة سياسيّةً وفي الوقت نفسه دينيّة.
عندما نتحدّث عن الإمام الخميني والمؤسّسة الدينية، فنحن نتناول موضوعاً شائكاً غير عادي في حدّ نفسه؛ لأنّ المؤسّسة الدينية ليست مجرّد مؤسّسةٍ عادية في المجتمع الديني، كما أنّ الإمام الخميني ليس شخصيّةً عاديةً في هذه المؤسسة، وفي مشروع الإصلاح عموماً.
إشكال بعض أهل السنّة اليوم على هذا الدعاء بأنّه بدعة ووضع المصاحف على الرؤوس كذلك، وأنّ الأجدر هو العمل بالقرآن، فهو إشكال غير صحيح؛ فبصرف النظر عن ثبوت هذا الدعاء وعدمه، لا نجد في وضع القرآن على الرأس أيّ بدعة أو شرك، فهو توسّل إلى الله تعالى ببركة هذه الشخصيّات العظيمة، والدعاء موجّهٌ إليه سبحانه، كما هي العادة الجارية بين الشيعة في ليالي القدر اليوم، فليس في الأمر شرك أو كفر.
تعدّ مسألة الإعلام الفكري والثقافي من المسائل المهمّة وبالغة الخطورة في العصر الحاضر، وقد عالجها الفقهاء المسلمون تحت عناوين، من أشهرها عنوان «كتب الضلال». علماً أنّ (الكتاب) عندهم ليس سوى مثال بارز لكلّ نشاط إعلامي تواصلي. وعندما نستخدم في هذا البحث كلمة (كتب الضلال) فنحن نعني المفهوم العام لكلّ إعلام أو نشر أو.. ضالّ.
ونحن نجد في بعض الكلمات الفقهيّة ما يوحي بأنّ قتال أهل البغي أفضل من مجاهدة الكفار، بل ذكر الآلوسي (1270هـ) أنّ بعض الحنابلة صرّح بذلك محتجّاً بأنّ الإمام عليّاً قد اشتغل في مدّة خلافته بقتال البغاة دون جهاد الكفار.
السيد الشهيد محمّد باقر الصدر واحدة من الظواهر الكبيرة في الحياة الاسلامية والإنسانية في القرن الأخير، وقد تميّز بخصائص افتقدتها الكثير من الشخصيات التي ظهرت في هذا القرن وسعت نحو التغيير والتطوير، وقراءة مثل هذه الشخصية قد يوقع القارىء في بعض الأخطاء حينما يحمّلها ما لم ترده أو يسلب عنها ما تميّزت به.
شغل موضوع الثابت والمتغيِّر أذهان علماء المسلمين منذ فجر النهضة الإسلاميّة الحديثة. وقد طُرحت في هذا المجال نظريّات وطروحات كثيرة، وبحوث ونقاشات عدّة. لكنّ المؤسف ـ وبعد مرور حوالي القرن ـ أنّنا لا نجد لهذا البحث حضوراً في علم أصول الفقه حتّى هذه اللحظة، مع كونه أصوليّاً بامتياز.
يتّفق المسلمون جميعاً على تحريم البِدْعة في الدين، ويرَوْنها خلقاً لطقوس أو عادات أو مفاهيم تُلصَقُ بالدين، ولا علاقة للدين بها. فأيُّ إقحامٍ لما ليس من الدين في الدين يُعدّ عندهم بدعةً، على كلام وتفصيل بينهم في حدود تعريف البدعة، ومعاييرها، ليس هو محلّ نظرنا الآن.
إنّ النهي عن الاقتراب إذا فهم منه الدخول اختصّت الحرمة به دون سائر أحياء مكة، وأما إذا فهم منه أن يكونوا على مقربة منه، فهذا يعني عدم الاقتراب لا عدم الدخول، فيلزم المنع من دخولهم المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام أيضاً، ما لم نفسّر المسجد الحرام بمطلق الحرم، فيكون الحكم شاملاً لمكّة وأزيد بقليل.
وفي حدود المتابعة، بغية التفتيش عن جذورٍ تاريخيّة لهذه الظاهرة، يلاحظ أنّ هناك تهمةً بالقرآنيّة وجّهت إلى بعض المعتزلة وبعض الخوارج وبعض الشيعة، مثل ما جاء ـ دون تسمية ـ في كتاب الأمّ للشافعي، عند حديثه عن ردّ مقالة الفرقة التي ردّت الأخبار كلّها، ممّا يوحي بوجود حالة إنكار للحديث والسنّة...... أمّا شعار (حسبنا كتاب الله) فلا يرى فيه كثيرون أنّه يراد منه ترك السنّة، بقدر ما يعبّر عن حالة خاصّة وواقعة جزئيّة، وإلا فإنّ من أطلق هذه الكلمة قد أخذ بالسنّة في حياته مراراً، كما تفيد الشواهد التاريخيّة والحديثيّة.
ثمّة أفكار تُطرح حول حركة الإمام الحسين عليه السلام، تتناول تفسير حركته وثورته والموقف الذي وقفه في سنة (61) من الهجرة النبويّة، ومنها: ما طرحته كلمات بعض الباحثين المعاصرين، وهو الباحث الأستاذ عماد الدين باقي، والتي حاول من خلالها الدفاع عن فكرة أنّ الإمام الحسين لم يقم بأيّ ثورة، ولم يكن لديه أيّ مشروع تغييريّ بالمعنى الواسع للكلمة، ولم تكن لديه أيّ فكرة حول حرب أو قتال أو دم أو ما شابه ذلك، وأنّ المسلمين وأتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام هم الذين صوّروا لأنفسهم عبر التاريخ أنّ هناك ثورة وحرباً وجهاداً ومشروعاً كبيراً أراده الإمام الحسين بحركته هذه.
فقد يحقِّق المؤمنون نجاحات، وتكون لهم القوّة الاجتماعية أو السياسية أو المالية أو الفكرية والثقافية أو غيرها من عناصر القوّة في المجتمع والحياة. وعندما تأتي القوّة فإنّه يُخشى أن تحلّ بديلاً عن الله سبحانه؛ لأنّ الإنسان يشعر بها عَوْناً له، ويرى أنّ الجمهور الواسع الذي يملكه مع المال والسلاح أو غير ذلك هو عَوْنه على تحقيق مطالبه، متناسياً ـ في غمرة المادّيات ـ أنّ الله تعالى هو الذي يجب الاتّكال عليه دوماً.
يتخذ موضوع (الجنس) في مجتمعاتنا صيغةً خاصّة، فهو من المحرّمات الاجتماعية المقلقة، كما أنه من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، على صعد عدّة، ليس آخرها بقاء النوع البشري، وأحبّ هنا أن اُسجّل ـ كالعادة ـ نقاط أوّلية، نطلّ من خلالها على هذا الموضوع الشائك.
من الواضح في الشريعة الإسلامية أنّ هناك مبدأ تشريعياً يحرّم نظر الرجل إلى المرأة، وبالعكس، في الجملة. وقد تناول الفقهاء المسلمون هذا الموضوع، وذكروا آراء ونظريات متعدّدة، من حيث مساحة التحريم هنا وهناك في الناظر والمنظور.
وقد نادى العلماء المسلمون ـ منذ جمال الدين الأفغاني وإلى يومنا هذا ـ بإحياء ما سمّوه بالفريضة الغائبة، كما يعبِّر محمد عبد السلام فرج، ألا وهي فريضة الجهاد. ولم تختصّ الاستجابة لهذه الفريضة في الأوساط الإسلاميّة بمذهبٍ دون مذهب، بل شارك في ذلك السنّة والشيعة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، بل ساهم في ذلك غير المسلمين أيضاً في العالمين: العربيّ؛ والإسلاميّ.