رَوى البيهقي في سننه بسنده عن زر بن حبيش . قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذات يوم يصلي بالناس ، فأقبل الحسن و الحسين عليهما السلام و هما غلامان فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد ، فأقبل الناس عليهما ينحونهما عن ذلك . قال : " دعوهما بأبي و أمي ، من أحبني فليُحبَّ هذين " 1 .
هذا ، و لقد كان الناس يعرفون الكثير الكثير مما أخبر به النبي صلى الله عليه و آله عن مصير أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، و كانوا قد عرفوا أيضا الحسين عليه السلام ، و أخاه و أباه سلام الله عليهم أجمعين . . عرفوهم في ممارساتهم ، و في توجهاتهم ، و في كل حالاتهم .
التَّطْبير شعيرة من الشعائر الحسينية، و المقصود به هو ضرب أعلى الرأس بالسيوف أو القامات أو ما شابه ذلك من الآلات الحادة ضرباً خفيفاً حتى يخرج الدم على أثر ذلك مواساةً لأبي عبد الله الحسين (عليه السَّلام) الذي قُتل شهيداً و مظلوماً في يوم عاشوراء1 بأرض كربلاء المقدسة2 .
أحكام الحائر الحسيني : لقد أفتى الفقهاء بتخيير المسافر بين التقصير و الإتمام في الصلوات الرباعية في أربعة مواضع 1 منها الحائر الحسيني ، أي في المساحة التي تحيط بالمرقد الشريف من كل جانب بمقدار خمسة و عشرين ذراعاً ـ أي ما يقارب 5 / 11 متراً ـ ، و هذا المقدار هو الثابت و المتيقَّن . وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 2 ( عليه السلام ) قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " تَتِمُّ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ ، فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ ، وَ حَرَمِ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ " 3 .
ليس هذا القول إلا قولاً رخيصاً و إدعاءً باطلاً ، ذلك لأن الأحاديث الصحيحة و المتواترة المروية عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) تُبيِّنُ بكل وضوح و صراحة أن بنو أمية ـ كما أخبر بذلك الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ـ سيستولون على الحكومة الإسلامية ظلماً و عدواناً غاصبين بذلك حق أهل البيت ( عليهم السلام ) ورثة الخلافة الحقَّة عن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، و إليك نماذج من تلك الروايات : 1. رَوى عباد بن يعقوب عن شريك عن عاصم عن زر عن عبد الله ، قال رسول الله ( صلى الله عليه ( و آله ) و سلم ) : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه 1 . 2. و ذكر السيوطي في تفسيره المسمى بالدر المنثور في ذيل تفسير قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ... ﴾ 2 ، أن سعيد بن مسيب قال : رأى رسولُ الله ( صلى الله عليه ( و آله ) و سلم ) بني أمية يَنْزُون على منبره نزو القرد فساءه ذلك ، قال : و هذا قول ابن عباس في رواية عطا 3 . 3. و قال السيوطي في تفسيره المسمى بالدر المنثور في تفسير قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ... ﴾ 2 ، و أخرج ابن حاتم عن يعلي بن مرة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه ( و آله ) و سلم ) : أريت بني أمية على منابر الأرض و سيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء ، و اهتم رسول الله ( صلى الله عليه ( و آله ) و سلم ) لذلك فأنزل الله : ﴿ ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ... ﴾ 24 .
يعرض هذا الكتاب صوراً عن مواقف الحسين ( عليه السَّلام ) من الحاكمين قبل ثورته و أهداف الثورة بعد أن وجد لها المناخ المناسب ، كما يقدم صوراً عن بطولات العقيلة زينب بنت علي و العلويين و الطالبيين و عن حياة العقيلة منذ طفولتها حتى فارقت الدنيا و عن مرقدها و المآتم الحسينية و المراحل التي مرت بها و مواقف الحاكمين منها معتمداً أوثق المصادر و أقربها من المنطق و الواقع لإبراز هذه الجوانب من سيرة أهل البيت على واقعها .
قال الشعبي : كنت بواسط 1 ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به . فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره . فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله و على رسوله ، و إدخاله الشبهة في الإسلام . قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟ قال : لا بدّ منه . ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر .