ما عرفت من تجرد النفس إنما هو التجرد في الذات دون الفعل لافتقارها فعلا إلى الجسم والآلة، فحدها أنها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته، وهو حقيقة الإنسان وذاته، والأعضاء والقوى آلاته التي يتوقف فعله عليها، وله أسماء مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات...
القلب يمكن أن يكون نورانياً يشع بنور الإيمان والتقوى، ويمكن أن يكون سوداوياً مطبقاً بالظلمة بسبب الابتعاد عن نهج الدين وكثرة المعاصي والذنوب؛ فالقلب يشع نوراً بالطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ويكون مظلماً عندما يكون صاحبه غارقاً في المعاصي والذنوب الكبيرة.
لماذا نسب إدراك الحقائق في القرآن إلى القلب، بينما القلب ليس بمركز للإدراك بل مضخة لدفع الدم إلى البدن؟! الجواب على ذلك، أن القلب في القرآن له معان متعددة منها: 1- بمعنى العقل و الإدراك كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ... ﴾1. 2- بمعنى الروح و النفس كقوله سبحانه: ﴿ ... وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ... ﴾2.
قال الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام: "لِلْقُلُوبِ خَوَاطِرُ مِنَ الْهَوَى، وَ الْعُقُولُ تَزْجُرُ وَ تَزَادُ، وَ فِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَ الِاعْتِبَارُ يُفِيدُ الرَّشَادَ، وَ كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا تَكْرَهُ مِنْ غَيْرِكَ".
وقد رجّح ابن سينا أن يكون المُدِرك هو القلب وأنّ الدِماغ وسيلةٌ للإدراك، فكما أنّ الإبصار والسَمع يحصلان في مراكزهما من المخّ وتكون العين والأُذُن وسطاً لهذا الحصول، كذلك الدِماغ وسط للإدراك والتفكير 1.﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾
ان وسائل نيل المعارف تختلف وتتفاوت .. فهناك معارف تنال بالحس كالبرودة والحرارة في بعض الأشياء، أو الخشونة، وضدها، والليونة والصلابة .. وكذلك الحال بالنسبة للمعجزات والمسموعات، والمشمومات، وغيرها . . ويشترك في هذا الأمر البشر جميعاً، بل ويشاركهم طوائف من الحيوان، وهناك أمور يدركها الإنسان بعقله، إما بالإدراك المباشر، أو من خلال المقارنة والاستدلال .. وأمور يدركها بفطرته، وأمور يدركها بالتعليم، والنقل لها والإخبار عنها ..