إن العيش في مجتمعات ذات قيم غريبة تفرض على المهاجرين اليها من أبناء المجتمعات الإسلامية مقاومة الإنصهار في بوتقة القيم الطارئة وحماية أنفسهم وأبنائهم من الذوبان التدريجي فيها ، مما يتحتم عليهم بذل جهود إضافية لتحصين أنفسهم وعوائلهم وأبنائهم من اَثارها المدمرة.
من السنن الالهية المودعة في فطرة الإنسان هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه ، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوىٰ فيها أبناء البشر ، فالحب المودع في القلب هو العلقة الروحية المهيمنة علىٰ علاقات الإنسان بأقاربه ، وهو قد يتفاوت تبعا للقرب والبعد النسبي إلّا أنّه لا يتخلّف بالكلية .
لصلة الارحام آثار ايجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوماتها الروحية والخلقية والمادية ، قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام : « صلة الارحام تزكي الأعمال ، وتنمي الأموال ، وتدفع البلوىٰ ، وتيسّر الحساب ، وتنس ء في الأجل ».
الإسلام دين التآزر والتعاون والوئام ، لذا حرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلىٰ التقاطع والتدابر ، لأنها تؤدي إلىٰ تفكيك أواصر المجتمع ، وخلخلة صفوفه ، فحرّم قطيعة الرحم ، وجعلها موجبة لدخول النار والحرمان من الجنّة .
لقد دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل البيت عليهمالسلام إلىٰ صلة الأرحام في جميع الأحوال ، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً علىٰ الأواصر والعلاقات ، وترسيخاً لمبادىء الحب والتعاون والوئام .
ربما عندما نقرأ عن الصوم وعن شهر رمضان في آيات الذكر الحكيم وفي الأحاديث الشريفة، لا نركِّز إلَّا على الجوانب الفردية في هذا الشهر المبارك وفي هذه العبادة العظيمة، بينما الرسول الأعظم (ص) وأئمة الهدى يذهبون الى أبعد مدى من هذا، حيث يؤكدون - الى جانب تزكية النفس بالصوم، والتوبة الى الله، وغفران الذنوب - يؤكدون أيضاً على المسؤولية الإجتماعية والتكافل والإهتمام بشؤون الآخرين ممن حولنا.
ذهب البعض الآخر الى أن: «الرّحم التي تعتبر صلتها واجبة، تشمل كلّ ذي رَحِمْ له قرابة مع الشخص، سواءً كان مَحْرَماً أو غير مَحْرَمْ» وإن كان بعيداً. وقد اعتبر العلامة المجلسي (رحمه الله) هذا القول أقرب الى الصواب، شريطة أن يكون أولئك الأشخاص معدودين عُرْفاً من أقارب الشخص المعنيّ.
رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنَّهُ قال: "الْمَعْرُوفُ شَيْءٌ سِوَى الزَّكَاةِ، فَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْبِرِّ وَ صِلَةِ الرَّحِمِ"
يتخوف المؤمنون بالله عَزَّ و جَلَّ من سوء الحساب في يوم القيامة و يرجون رحمة ربهم و يتضرعون اليه لكي يحاسبهم حساباً يسيراً، و لقد ذكرت الاحاديث و الروايات المأثورة عن المعصومين عليهم السلام بأن هناك أموراً تجعل حساب من أتى بها يسيراً و هيناً في يوم القيامة فيعطى كتابه بيمينه فيطير فرحاً لذلك، و هذه الأمور هي:
ومن عظمة بر الوالدين التي أمر بها الاسلام العزيز، أنها لا تنتهي في مرحلة أو سنة... بل حتى بعد موتهما. وهذا دال على الرأفة والرحمة والحنان، هذه الصفات التي ينبغي أن تكون في كل مسلم تجاه أخيه.. فكيف إذا كانا أباً وأماً؟
يُعد شهر رمضان المبارك أفضل مناسبة للتغيير الاجتماعي كما التغيير الذاتي، ففي أجواء شهر الله الإيمانية يتغير كل شيء، وتكون النفوس قابلة للتغير والتغيير، والمجتمع قابلاً لحراك اجتماعي قوي.