مجموع الأصوات: 8
نشر قبل 9 أشهر
القراءات: 964

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الاصلاح ومكافحة الفساد .. تحت قيادة مَنْ؟

ما دامت قياداتنا وحكوماتنا ليست معصومة، فمن المتوقع أن تقع هناك أخطاء أو فساد اداري ومالي، وبالطبع لو انتخبنا قياداتنا وحكوماتنا على اساس التقوى والعدالة فإنَّ نسبة الفساد والأخطاء تتضاءل بشكل ملحوظ.
ولكن في الأحوال، لو واجهنا فساداً مستشرياً في الدولة، فماذا علينا أنْ نفعل؟
لا شك إننا - كمؤمنين ورساليين - لا يصح أنْ نقف موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث، بل إنَّ المسؤولية الشرعية تفرض علينا التصدي لمعالجة الوضع، ومكافحة الفساد، والسعي للتغيير الى الأفضل.
إنَّ السعي للاصلاح والتغيير الجذري في المجتمع هو أحد السمات الرئيسية للمؤمنين كما يقره القرآن الكريم:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... 1، فالى جانب الايمان بالله تعالى فإنَّ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) اللذَيْن يمثلان أبرز مصاديق الإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد، يُعدّان سمتين رئيسيتين لأمتنا لكي تكون خير الأمم.
وفي آيات عديدة من كتاب الله العزيز يأمرنا الباري عز وجل بالاصلاح (سواءً على مستوى المجتمع الصغير [الأسرة] أو على مستوى المجتمع الكبير [الأمة]):
﴿ ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... 2.
وإذا وقع نزاع في الأمة، يقول الله تعالى:
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... 3.
وإن اختلف المؤمنون فيما بينهم - لأيِّ سبب من الاسباب - فإنَّ واجبنا الاصلاح:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ... 4.
ولكي يرغّبنا ربنا في الاصلاح فإنه يعدنا - وهو صادق الوعد - بقوله:
﴿ ... إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ 5.

إذن، ففي مواجهة أيِّ فساد - سواء على المستوى الفردي، أو على مستوى المحيط الاجتماعي الصغير (الأسرة) أو على الصعيد الاجتماعي والسياسي العام - فإنَّ واجبنا التحرك للإصلاح والتغيير.
ولكن السؤال العريض: كيف؟
نقول في الجواب:
1- لا شك إنَّ التحرك الفردي للإصلاح – وإنْ كان مفيداً في بعض الحالات الجزئية، إلا أنه غير نافع لمكافحة فساد كبير مستشرٍ في كل مفاصل الحكومة أو المجتمع، فالتحرك للتغير ينبغي أن يأتي جمعياً وتكاتفياً وتعاضدياً.
ونسأل مرة أخرى، ولكن مع مَنْ؟ وتحت قيادة مَنْ؟
2- الحراك من أجل التغيير يجب أن يكون بالتعاون مع المؤمنين الآخرين في المجتمع الذين يشعرون بالمسؤولية هم أيضاً. فالتعاون الايجابي البنّاء هو سمة بارزة أخرى للمجتمع المؤمن:﴿ ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 6 فبالتعاون في إطار التقوى والبر (أي الخير والأهداف الايجابية) نؤسس لحراكنا ونشق مسيرتنا نحو بناء الأفضل.
3- والسؤال الأخطر والأهم: تحت قيادة مَنْ يكون الحراك الاصلاحي؟
فمما لا شك فيه لا يوجد حراك اجتماعي سياسي تغييري إلّا وهناك قيادة تخطط له وتوجهه نحو الأهداف المرسومة.
وقيادة أيّ حراك، لابد أن تكون:

ألف: امينة نزيهة، فهي لا تقود الحراك ضد الفساد نحو فساد آخر قد يكون أبشع من الأول.
فالنزيهون هم الذين يتحركون بصدق لتغيير الفساد، أما القوى الملطَّخة ايديهم بدماء الشعب طوال اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، والذين سرقوا الشعب قوته تحت ظل حكومة الطاغوت صدام حصين لا يحق لهم أن يختفوا اليوم وراء الحراك المطلبي الجماهيري ويشجعوا الناس على الهدم والتخريب والافساد اكثر مما هو كائن.
باء: قيادة موثوقة يطمئن المجتمع الى أنها لا ترتبط بدوائر مشبوهة تبعاً للمصالح، ولا تستورد الخطط التخريبية من الدوائر المعادية للامة طون أي نظر لمصالح الشعب واستقلاله.
جيم: قيادة معروفة ومعلَنة، أما الذين يقودون من وراء الكواليس ولا يعرفهم أحد، فلا يؤمَن أن يكونوا في عداد أعداء الأمة وليس أصدقائها.
دال: أن تكون مؤمنة بقيم المجتمع وذات كفاءة عالية في الادارة والتوجيه والعطاء المستمر والتضحية.
وبكلمة: إنَّ العقل السليم لا يرضى بالانضواء تحت قيادة مجهولة الهوية، مجهولة الأهداف، مجهولة القيم، مجهولة الانتماء، مجهولة التمويل، وأخيراً: مجهولة التخطيط.
الانسان المؤمن العاقل يبحث عن قيادة رسالية صادقة مخلصة ذات أهداف واضحة تصب في مصلحة المجتمع وتغيير اوضاعه الى الأفضل، خاصة في الظروف العصيبة وفي الحالات الاستثنائية التي تتراكم فيها الغيوم مما يعرض الرؤية للتشويش وعدم الوضوح، فلا بد في مثل هذه الحالات الرجوع الى مَن أمر الله تعالى بالرجوع اليهم:
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ 7.
فأي تطور سلبي يتعلق بالأمن أو بالخوف من الفساد والانحراف يجب على الأمة أنْ تعود فيه الى اولي الأمر الذين يستنبطون الموقف السليم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله وحاجة الواقع والحدث، لكي يتحركوا تحت قيادتهم.
واولوا الامر هم فقهاء الأمة العدول، والعلماء الصادقون.

فالعلماء الصادقون والفقهاء العدول هم خير القيادات المؤمنة المخلصة النزيهة العالمة الرشيدة للأمة. ولو درسنا تاريخ الأمة الطويل لوجدنا أنَّ الأمة كانت بخير عندما كان يقودها العلماء الصادقون، وكانت تتدهور اوضاعها الى الهاوية عندما كانت تتضوي تحت قيادات غير نزيهة، وغير كفوءة، ومشبوهة الانتماء والتخطيط والهدف.
ومن الواضح جداً أنه لا يمكن أنْ نشترك في حراكٍ يهدف مكافحة الفساد والتغيير نحو الأفضل تحت قيادات هي الأخرى غير نزيهة وصاحبة تاريخٍ مليء بالفساد والانحراف والديكتاتورية والارهاب طوال اكثر من ثلاثة عقود من الزمن الأسود.
علينا كمجتمع مؤمن يصبو لحياة الرفاه والتقدم والصلاح أنْ نكون يقظين جداً في اختيار الطريق الذي نسلكه من أجل تحقيق أهداف خيِّرة وايجابية. ومن دون الوعي واليقظة قد يقع المجتمع فريسة أطماع قوى وجهات مشبوهة تسعى لركوب الموجة الجماهيرية لتحقيق أهداف شيطانية تضاعف آلام الأمة ومشاكلها لو استطاعت الوصول الى السلطة.
الوعي السليم، والرؤية الثاقبة، واتباع العلماء الصادقين، والاهتداء بهدى المرجعية الرشيدة، كل ذلك ضمانة الاستقامة على الصراط المستقيم، ونيل الأهداف الخيِّرة في إصلاح الفساد، ومكافحة الفاسدين، وتغيير أوضاع المجتمع الى الأفضل.