مجموع الأصوات: 34
نشر قبل سنتان
القراءات: 1547

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

العالم الإسلامي ومهمة المراجعة التاريخية

تنبعث في العالم الإسلامي اليوم قوى متنافرة، بعضها تحاول أن تدفع بالعالم الإسلامي نحو المواجهة والصدام مع العالم، من خلال تبني مقولات تقسم العالم إلى معسكرين أو فسطاطين لا يلتقيان أو يجتمعان، بل يتعارضان ويتصادمان بحكم قاعدة الصيرورة التاريخية الأزلية، التي لا يمكن أن تتبدل أو تتغير حسب منطق من ينتمون لهذه القوى. وهذا النمط من الأفكار ينتمي إلى المقولة المتوارثة من القديم، والتي تقسم العالم إلى دار حرب ودار إسلام. والمشكلة أن هذه القوى هي الأشد والأكثر انبعاثاً اليوم في العالم الإسلامي، وهذا هو مكمن الخطر.
وهناك قوى تدفع بالعالم الإسلامي نحو القطيعة والانغلاق عن العالم، وتنظر إلى العالم من خلال مقولة الجاهلية، والتظاهر دائماً بثقافة الخوف والقلق من العالم، الخوف على الهوية والتراث والقيم والأخلاق. وهذه القوى بهذا النمط من التفكير يجعلها غير قادرة في التأثير على العالم.
إلى جانب تلك القوتين، هناك قوى أخرى تتطلع إلى نهضة العالم الإسلامي، وتحاول أن تدفع به نحو التقدم والمدنية، من خلال تبني مقولات تخدم هذا المسار الحضاري، مثل مقولة نفي التعارض بين الدين والمدنية، وأن بالامكان ابتكار حداثة مستقلة لأنفسنا، وأن الأمل مباح لنا كما هو مباح لغيرنا، وطريق المستقبل مفتوح للجميع، وبإمكان الأمم تجديد حضارتها، وأن التقدم ليس شأناً أوروبياً وليس حكراً على الغرب.
إلى جانب قوى أخرى. ومن طبيعة هذه القوى أن تدفع بالعالم الإسلامي نحو مسارات ومسلكيات متعددة ومختلفة، وبالتالي فليست هناك طبيعة ثابتة ومحددة ونهائية للعالم الإسلامي. كما أن بين هذه القوى حركة صعود وهبوط، فقد تتقدم إحدى هذه القوى في زمن، وتتراجع في زمن آخر، وهكذا هو حال القوى الأخرى. ومع العولمة أصبح العالم الإسلامي معرضاً للتأثير عليه من مختلف الأبعاد والجهات، ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر تركز اهتمام العالم نحو العالم الإسلامي.
وبالإجمال يمكن القول أن العالم الإسلامي اليوم مشتت القوى في الداخل، ويعيش الخوف والقلق بسبب العولمة، ويمر باضطراب واهتزاز بعد أحداث سبتمبر.

والسؤال ما هي الأسباب التي جعلت العالم الإسلامي يصل إلى هذا الوضع؟

البحث في الأسباب التي جعلت العالم الإسلامي يصل إلى هذا الوضع المتأزم، ينبغي أن تقودنا إلى أعظم مراجعة تاريخية ونقدية ننهض بها حول واقع ومصير ومستقبل العالم الإسلامي، وعلى أساس المدة الطويلة للتاريخ حسب عبارة فرناند بروديل، بحثاً في الجذور، وتوغلاً في الأسباب، وبقصد توخي الشمولية في النظر والتحليل. كما أن البحث في طبيعة هذه الأسباب، لابد أن يقودنا إلى ثلاثة خصائص في تحليل هذه الأسباب:
أولاً: الطبيعة التاريخية لهذه الأسباب، بمعنى أن هذه الأسباب لها امتدادات في التاريخ ينبغي الوصول إليها، والكشف عنها، بغض النظر عن تعدد وجهات النظر بإرجاع هذه الأسباب إلى التاريخ الحديث، أو التاريخ الوسيط، أو التاريخ القديم.
ثانياً: الطبيعة المركبة لهذه الأسباب، بمعنى أن هناك عناصر متعددة، وأبعادا مختلف، شاركت وساهمت في تكوين الوضع الذي وصل إليه العالم الإسلامي. وبالتالي لا بد من إعمال النظر في جميع تلك العناصر والأبعاد، والتخلي عن النظرة الأحادية أو التجزيئية، فلا يكفي تحليل تلك الأسباب من زاوية البعد السياسي فحسب، أو البعد الثقافي، أو البعد الاقتصادي، أو البعد الاجتماعي، إلى غير ذلك من أبعاد، وإنما لا بد من النظر في جميع هذه الأبعاد بطريقة مركبة.
ثالثاً: الطبيعة المتشابكة لهذه الأسباب، بمعنى أن هذه الأسباب تتشابك فيها العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية، وتتشابك فيها العوامل الذاتية بالعوامل الموضوعية، فلا ينبغي النظر إليها من زاوية العوامل الداخلية، وإهمال العوامل الخارجية أو العكس.
ولعل من أعمق الأسباب التي ينبغي التوقف عندها باهتمام أمام الوضع الذي وصل إليه العالم الإسلامي، هو تعثر أو فشل مشاريع النهضة والإصلاح في العالم الإسلامي منذ عصر الإصلاح الإسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وإلى اليوم، المشاريع التي كان ينتظر منها أن تساهم في ارتقاء العالم الإسلامي نحو التقدم والمدنية، وعدم الارتقاء إلى مثل هذا المستوى هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 14235.