الاُسرة هي اللبنة الاُولىٰ لتكوين المجتمع ، وهي الخلية التي تقوم بتنشئة العنصر الإنساني وتشكيل دعائم البناء الاجتماعي ، وهي نقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع ، وفي جميع مراحل حياته إيجاباً وسلباً ، ولهذا أبدىٰ الإسلام عناية خاصة بالاُسرة...
رَوى الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام عن أبيه الامام علي بن الحسين عليه السلام أنه قال للزُهري : " يَا زُهْرِيُّ وَ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَجْعَلَ الْمُسْلِمِينَ [مِنْكَ] بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ بَيْتِكَ...
وضع الإمام علي بن الحسين عليهالسلام في رسالة الحقوق منهجاً متكاملاً في خصوص الحقوق الاجتماعية المترتبة علىٰ الفرد باعتباره جزءاً من الاُسرة ومن المجتمع ، ومما ورد في قوله عليهالسلام : « وأمّا حق أهل ملتك عامة : فاضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة...
أكدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام علىٰ التآزر والتعاون والتواصل والتحابب ليكون الود والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد أنفسهم ، فلا يطغىٰ حق الفرد علىٰ حق المجتمع ، ولا حق المجتمع علىٰ حق الفرد ...
القرآن الكريم دستور البشرية الخالد ، يمتاز بالشمول والاحاطة الكاملة بجميع شؤون الحياة ، وقد وضع أُسساً عامة في علاقة الفرد بالمجتمع ، ووضع لكلِّ طرف حقوقه وواجباته للنهوض من أجل إتمام مكارم الأخلاق ، وإشاعة الود والحب والوئام في ربوع المجتمع الإنساني ، وفيما يلي نستعرض جملة من حقوق المجتمع علىٰ الفرد والاُسرة.
إذا تبدل هذا الجمع المترابط - الذي يشكل حجر الأساس للمجتمع الإسلامي والقاعدة الأصلية للأمة الإسلامية - إلى أمة قوية ومجتمع منصهر في بوتقة الإسلام، فعليه أن يلتزم بأصل "الولاية" أيضاً، من أجل حفظ الوحدة ومنع نفوذ الأعداء ومؤامراتهم.
من المعلوم أنّ شعبنا المسلم في لبنان وغالبية دول عالمنا الإسلامي تأثّرت كثيرا بالثقافة الغربية كبديلٍ عن ثقافتنا الإسلامية الأصلية، وتبع ذلك تبدّل كبير في العادات والتقاليد والأعراف كدليلٍ وبرهان من شعوبنا على اللحاق بالقوي المنتصر المتقدّم صناعياً وتقنياً وحضارياً كما كان البعض من المنظّرين للثقافة الغربية يروّج لذلك.
أنّ الله عزّ وجلّ يدعو المسلمين والمؤمنين إلى التعاون فيما بينهم على أمور البر والخير والإحسان لما فيه صالح المجتمع الإسلامي وتماسكه وترابطه وانشداد فئاته المختلفة على كلّ المستويات إلى بعضها البعض بحيث تصبح كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والرعاية.
ان الجيمع يعلم بالوضع المؤسف الذى تعانى منه البلاد الاسلامية، فالاُمةُ الاسلاميةُ الكبرى و الواحدة تمزّقت، و تحولّت الى بلادٍ و دويلاتٍ صغيرةٍ و ضعيفةٍ. و فى كل بلد من هذه البلاد طواغيت من الذين باعوا أنفسهم للاجانب، و هم لا يعتقدون بالاسلام، يحكمون الناس. لقد تركوا الأحكام و القوانين و المناهج الاسلامية الحيوية، و هم يحكمون الناس بالقوانين و المناهج الطاغوتية، المخالفة للاسلام و المستوردة من طواغيت الشرق او الغرب.
بالتدبر في آيات الذكر الحكيم يلاحظ الانسان الاهتمام الكبير الذي يوليه القرآن لمسألة (الانفاق والعطاء) کلبنة اساسية وهامة في كيان المجتمع الإسلامي. فالإيمان بالله يُقرن بالانفاق، والتقوى لا تكتمل الا بالانفاق، والصدقات تطهر حياة الانسان من سلبية الشُّح، والصلاة - في الغالب - لا تُذكر إلّا الى جانب الزكاة، وهكذا سائر المجالات.
إننا نستطيع أن نقول بكل جرأة : إن الإسلام لو لم يستعمل السيف ، لم يكن دين الحق والعدل ، ولا دين الفطرة والعقل ، ولكان خائناً للمجتمع ، بل وللإنسانية جمعاء على مدى التاريخ .
ربنا سبحانه وتعالى خلق الإنسان كائناً إجتماعياً، فلا يمكنه أن يعيش لوحده، بل كل واحد من أفراد هذا الكائن يحتاج الى الآخرين من بني نوعه، والآخرون – بدورهم – يحتاجون اليه. لذلك نشاهد أنَّ الإنسان – من بين سائر المخلوقات التي نعرفها – هو وحده تحوَّل من فرد الى وحدة متآلفة من عدد من الأفراد (الأسرة)، ثم الى (مجتمع) متكاتف، ثم الى (شعوب وقبائل)، واخيرا الى (أمم) مترابطة ومتعاونة، وهو وحده الذي طوَّر بيئة حياته، فبنى المدن وأقام الحضارات، ثم طوَّرها – ولا يزال – عن طريق التعاون، والعطاء المتبادل، وتكامل التجارب.
الناتج المباشر عن حركة الهجرة كان بلا شك إقامة المجتمع الإسلامي الأول، الذي رعى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولادته ونموه لحظة بلحظة، مستعيناً في ذلك بكل ما يعطي ذلك المجتمع النموذجي الثقة بالنفس في مواجهة المحيط الكبير الذي كانت الجاهلية بمفاهيمها مسيطرة عليه عقائدياً وعملياً.
من أولى الضروريّات لمجتمعنا الإسلاميّ في إطار فهم كتاب الله العزيز هو دراسة السنن التي تحكم التاريخ والتطوّر الاجتماعيّ؛ ليتسنّى لمجتمعنا الإسلاميّ أن يخطو خطواته نحو الأمام ببصيرة ووعي، وأن لا يكرّر أخطاء الماضين، وأن يسعى لبناء مستقبل زاهر سعيد، كما وعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى به المؤمنين والمتّقين، فقال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ... ﴾1.
لا بد من دراسة تجربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء المجتمع الإسلامي الأول دراسة دقيقة ومتأنية حتى نستفيد منها كيف نبني مجتمعاتنا على أساس هذا الدين العظيم المليء بالمعاني السامية التي تحقق إنسانية الإنسان بكل أبعادها المادية والمعنوية والروحية، لعل ذلك يكون الخطوة السليمة لإنقاذ البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور.
من خصائص المجتمع الذي يريده الإسلام أنه: مجتمع البناء والسعي والتقدم، فاذا شاهدت مجتمعاً تقهقر الى الوراء، وتخلَّف عن ركب الحضارة، فاعرف أنه ابتعد عن روح الإسلام وجوهره واكتفى بالاسم والعنوان فقط. فليس عبثاً أنك تجد عشرات الآيات في القرآن الكريم تُقرن (الإيمان) بـ(العمل)، وليس مطلق العمل، بل (العمل الصالح)..
القرآن لا ينهانا عن التعايش السلمي والعلاقات المتوازنة مع الذين كفروا ومع الذين أوتو الكتاب، بل التحذير هو عن (الطاعة). والطاعة تعني الخضوع للطرف الآخر ولخططه ولأهدافه التي لا تجد في حسابها موضعاً لمصالحنا ومصائرنا وسعادتنا.