حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الكلمة في اطار النقد
النقد أساس مهم في بناء المجتمعات وتطورها، فبغير النقد يسيطر الجمود ويبقى الحال على ما هو عليه، أما النقد فإنه يكشف مواطن القصور، ويدفع الى اضافة الجديد، والمجتمعات الساعية نحو التقدم تولي أهمية للنقد.. في هذا المقال يتناول الكاتب موضوع الكلمة في إطار النقد، والأساليب التي يجب أن يتبعها الناقد بالكلمة.
لا يمكن أن يخلو زمن الحراك من التعدد والاختلاف والتباين في وجهات النظر بين المدارس والأطياف المختلفة، فالحياة والحيوية والحراك في أي مجتمع تنتج وتولد وتبدع وتثري، مما يعني أن تتأتى الفرص للتفارق في الأساليب والرؤى وطرق التعاطي، نعم حين يكون المجتمع ساكنا راكدا تتقلص حالات الاختلاف والتباين لانعدام دواعيها وموجباتها.
تبعا لاختلاف وجهات النظر والأساليب تختلف الخطابات التي يعبر بها المختلفون عن مواقفهم وتصوراتهم المختلفة، وهذه العملية بما تحمله من النقد الموضوعي البناء جزء لا يتجزأ من الحراك والحيوية والصحة الاجتماعية، لأنها مشبعة بالتقييم والتوجيه والتصحيح للمسار العام، وهو ما يحتاجه المجتمع ليكون على بصيرة من أمره سواء في تطلعه لمستقبله أو في تعامله مع مستجدات الأمور من حوله.
هنا يمكن أن يكون الخطاب والكلمة في جهتين، خطاب وكلمة في إطار النقد وخطاب وكلمة ليس في هذا الإطار، فالكلمة في إطار النقد يفترض فيها أن تنطلق من روح ايجابية، تزرع الثقة في المجتمع وتشجع التنافس، وتحيي الأمل، لأنها تركز على الايجابيات وتعطيها حجمها ومكانتها وما تستحق من التمجيد والثناء، ثم تسلط الضوء على المعايير والمقاييس التي فقدت وتسعى لتجذرها في النفوس وتحولها واقعا يتهيأ الناس للعمل به، فتكون الكلمات والخطابات وسائل انقاذ وأمان إلى المجتمع بأكمله.
والكلمة في إطار النقد تعطي لنفسها الوقت الكافي لدراسة الحدث والواقع بتأمل وهدوء، تستكمل بوقتها المتسع وهدوئها التام كل الأوراق المفقودة أو الضائعة التي أخفاها الانشغال بالحدث والانصهار في جزئياته قبل أن تصير إلى إطلاق العنان للسان أن يعمم أحكامه ويجزم بها ويعتبرها مسلمات لا تقبل النقاش ولا الجدال.
والكلمة في إطار النقد عليها أن تبحث عن موقعها المناسب، فمن المفيد والمجدي أن يدعى لملتقيات خاصة أو عامة تبحث فيها الأمور والأحداث والتطورات، وما رافقها من تصرفات واختلافات ضمن أجواء التفكير بصوت عال، بغية الاسترشاد إلى الخير والوصول إلى الحقائق والحفاظ على مستقبل أفضل للمجتمع فيما يستجد من الأمور.
والكلمة في إطار النقد تمتد لتدرس الأمثال والنظائر، وما مر بها من أحداث ومستجدات، فتقرأ الساحات الأخرى، وتتأمل تعاملها مع الظروف المشابهة لتصل إلى تقييم صائب عن واقع مجتمعها ونقاط ضعفه وجهات قوته، خصوصا حين ندرس المجتمعات القريبة منا في أقطار الخليج العربي والتي نتفق ونشترك معها في الثقافة والعادات والتقاليد ونمط العيش.
فمن تلك المجتمعات من سبقنا ومنها من يجارينا في السعي نحو التكامل، ومن المنطقي ألا نهمل تجاربهم وأفكارهم ومقترحاتهم سواء من خلال تجاربهم العملية التي خاضوها وسبقونا فيها أم من خلال النتاج الذي حصدوه وراكموه جراء تجاربهم المتعددة.
أعتقد أن من الحكمة أن يسود النقد الواعي في المجتمع، وألا يسمح لأحد أن يكون أعلى من النقد شخصا كان أم جماعة أم جهة، لأنه حياة للمجتمع، خصوصا حين يأتي في المنعطفات والمستجدات المفاجئة، لان الصمت لا يصحح والسكوت لا يقوم الأمور، بل يدعو إلى الاسترسال ويغري بمزيد من الأخطاء، خصوصا حين ترتبط المواقف والتصرفات بالشأن العام وما يمس حياة الجميع.
ومن الظلم الفادح لأنفسنا ولمجتمعنا أن نكمم الأفواه ونسترسل بعفويتنا المعهودة، ونحرم أنفسنا الفوائد التي يمكننا استخلاصها من تجاربنا بالدراسة والنقد والتأمل.
إنني أقترح على الواعين أن يبادروا لهذا الجهد الطيب، وأن يتداعوا لتجميع الأطياف وتدارس الأمر في الهواء الطلق بكل علانية وشفافية، فالأخطاء واردة والأغلاط ممكنة، وتصادم المصالح حاصل في بعض الأحيان وحالات الانشداد لما ألف الإنسان وانس لا تنكر، لكن ذلك لا يمنع من الاعتصام بالمشتركات الكبرى، ومن أهمها وحدة المجتمع والخوف على مصالحه ومكاسبه، والشجاعة كل الشجاعة أن نهيئ الأجواء المناسبة التي تمكننا من الإشارة إلى أخطائنا بجرأة وحب وإخاء وإخلاص، متناسين كل شيء إلا الوطن والمجتمع من حولنا.
إن الحديث المكشوف يساعدنا في أن نخرج من الأقلام المستورة والتي لا يعلمها إلا الله سبحانه، ولا يعلم ما تسعى له غيره.
والحديث العلني يركز عادة على الفكرة والسلوك دون أن يكترث بالأشخاص والأسماء فينقذنا من الغيبة، ويحافظ على رباط الود قائما لا تهزه الأخطاء والهفوات، ولا تبدله الظروف والمستجدات.
إن التعاطي بوضوح آلية يجب أن نؤكد وأن نصر على ترسيخها كمنهج لا حياد عنه في تعاملنا مع بعضنا، لأنها الكاشف الحقيقي عن عمق الأخوة بيننا، والمسلكية المناسبة التي تمكننا من فهم بعضنا بعضا، ولا يوجد طريق يمكنه الحفاظ على سلامة قلوبنا وصفاء أرواحنا أسلك وأحسن من هذا الطريق الذي نتهادى فيه عيوبنا بمحبة، متأملين أن يساعدنا مجتمعنا في تجاوزها والتغلب عليها.
إن التقاطع والتدابر والعداء ليس من مصلحتنا في زمن يسعى فيه الآخرون بكل جد أن يوجدوا لهم مشتركات إنسانية أو مصلحية ليكونوا اشد بأسا في مقاومة التحديات ومواجهة المستجدات فيهندسون لمجتمعاتهم الأحلاف ويستحدثون الأسواق المشتركة ويتداولون العملات الموحدة، لا يقبل منا أن نتفرج ونحن نشاهد مجتمعنا يسير نحو الضعف والتفرق والتناحر.
إن الوحدة الاجتماعية قضية إستراتيجية ومبدأ ثابت وقيمة تتسامى عن الإخضاع للمساومة والمقايضة، فهي تكبر على الألم وتشفيه، وتعلو عن التجاذبات فتعدل ميولها، ومن أجلها تنحني الرؤوس فلا خير فينا منفردين دون مجتمعنا بألوانه وأطيافه المختلفة1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد الصفار حفظه الله.