الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تحقيق عن مسالة الغناء (الموسيقى) في نظرة الشيخ الاعظم المحقق الانصاري

الحمد لله و سلام على عباده الذين اصطفى محمد و اله الطاهرين .
يرى المحقق الشيخ مرتضى الأنصاري ( قدس سره ) في الغناء ، عدم حرمته ذاتا ، أي بعنوانه الذاتي من دون تعنونه بعناوين أخر محرمة كاللهو الباطل و قول الزور و أمثال ذلك فلو فرض انفكاكه عن تلكم العناوين ، فلا حرمة فيه ، و إنما يحرم إذا تصادق مع عنوان محرم غير عنوان الغناء .
هذا من ناحية حكمه الذاتي ، حسب دلالة الكتاب و السنة أما من جهة الصدق الخارجي ، فيرى انه متحد مع عنوان اللهو و عدم انفكاكه عنه خارجا فهذا تشخيصه الخاص لموضوع الغناء خارجا و تلك نظرته الخاصة لحكم الغناء ذاتا ، المستفاد من ظواهر النصوص الواردة في الباب .
قال ـ بعد نقل جملة من الأحاديث : ( و ظاهر هذه الأخبار بأسرها ، حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل ، فالغناء ـ و هي من مقولة الكيفية للأصوات إن كان مساويا للصوت اللهوي و الباطل ـ كما هو الأقوى فهو ، و ان كان اعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان ، كما انه لو كان اخص وجب التعدي عنه إلى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو و بالجملة ، فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي ، التي ورد النهي عن قراءة القران بها ، سواء أكان مساويا للغناء أو اعم أو اخص مع إن الظاهر أن ليس الغناء إلا هو ) 1 .
هذه عبارته بشان الغناء ، فقد أبدى نظرته بشان الغناء ، حكما و موضوعا ، أما حكما فلا حرمة فيه ذاتا و بعنوانه الذاتي الأولي ، إلا إذا صدق عليه سائر العناوين المحرمة و أما موضوعا فيرى انه غير منفك عن عنوان محرم ، فلا يتحقق غنا في الخارج إلا و يلزمه احد العناوين المحرمة .
غير أن هنا سؤالا : هل تعم حجية نظرة الفقيه لكلا جانبي الحكم و الموضوع ، حتى و لو كان الموضوع عرفيا محضا الأمر الذي يجب التنبه له أولا و قبل كل شي .
و اليك بعض الكلام عن تفاصيل المسالة ، جريا مع مباحث الشيخ في جوانب الموضوع لغويا و عرفيا و تكليفيا و ما الى ذلك :

التعريف بالغناء

جاء في المعجم الوسيط : الغناء ـ بالكسر و المد : التطريب و الترنم بالكلام الموزون و غيره ، سواء أكان مصحوبا بالات الموسيقى أم غير مصحوب .
قال الفيروز آبادي : الغناء من الصوت ما طرب به .
و التغني : تحسين الصوت و ترقيقه ، كما في حديث الأزهري بإسناده الى محمد بن إدريس الشافعي ، قال ـ بشان التغني بالقران الوارد في الحديث :
معناه : تحسين القراءة و ترقيقها قال : و مما يحقق ذلك ، الحديث الاخر : زينوا القران بأصواتكم أي زينوا أصواتكم في قراءة القران .
قال ابن الأثير : و كل من رفع صوته و والاه ، فصوته عند العرب غناء .
و الموالاة في الصوت : ترجيعه ، و هو تقارب ضروب حركات الصوت و تقاطعه في الترنم به ، و بذلك يحصل تطريب في الصوت و يوجب تحسينه .
و من ثم دأب الفقهاء على تعريف الغناء بأنه : الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، حسبما ورد في مجمع البحرين للطر يحي .
قال ابن الأثير : الترجيع ، تقارب ضروب الحركات في الصوت قال : و في صفة قرأته ( ص ) يوم الفتح : ( انه كان يرجع ) و هو ترديد في القراءة و منه ترجيع الأذان و قد حكى ابن مغفل ترجيعه بمد الصوت في القراءة نحو : ا ا ا قال : و هذا إنما حصل منه ـ والله اعلم يوم الفتح ، لأنه كان راكبا ، فجعلت الناقة تحركه و تنزيه ، فحدث الترجيع في صوته قلت : و هذا تعليل عليل .
و في المعجم الوسيط : رجع صوته و في صوته : ردده في حلقه .
قال ابن منظور: رجع الرجل و ترجع : ردد صوته في قراءة أو أذان أو غناء أو زمر أو غير ذلك .
و التطريب : تحسين الصوت و تجويده بحيث يبعث على الطرب ، و هي خفة أو هزة تعتري النفس لشدة سرور أو تفاقم غم ، و الأكثر استعماله في الأفراح و هذه الحالة النفسية تسمى عندهم بالوجد أو الشوق البالغ كما عن ابن سيدة .
قال الجوهري : الطرب خفة تصيب الإنسان لشدة حزن أو سرور و التطريب في الصوت : مده و تحسينه و هكذا قال ابن فارس : و طرب في صوته : إذا مده .
و قال ابن منظور: و التطريب في الصوت ، مده و تحسينه و طرب في قرأته : مد و رجع .
و قد عد الجوهري الغناء من السماع و استجوده الشيخ ، قال ـ تعقيبا على كلامه : و لقد أجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع ، و هو المعروف عند أهل العرف .
و السماع اصطلاح خاص لكل ما تلتذ به الإذن من صوت حسن و من ثم فسروه بالغناء أيضا تفسيرا متقابلا قال ابن منظور : المسمعة المغنية .
و ورد بشان محمد بن أبي عباد انه كان مستهترا بالسماع ، و قد سال الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن ذلك 2 .
غير ان السماع ملحوظ من ناحية المستمع إلى الغناء ، و الغناء من ناحية المسمع فالمسمع هو المغني ، و السامع هو المستمع الى الغناء فقد تصادق السماع و الغناء صدقا خارجيا ، لا مفهوميا حسب الوضع اللغوي .
و تلخص الكلام في ان الغناء ، هو : تحسين الصوت و تجويده ، بما يوجب طربا في نوعه ، و ذلك بترقيق الصوت و مده و الترجيع فيه حسب المتعارف .
و من ذلك يظهر ان تحسين الصوت و تجويده لا يكون إلا بترقيقه و الترجيع فيه و من ثم كان الأمر بتحسين الصوت في القراءة ، متساوقا مع مطلوبية الترجيع فيه ، لا شي سواه و بذلك يمكننا فهم الحديث الوارد عن الإمام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : ( و رجع بالقران صوتك ، فان الله عز و جل يحب الصوت الحسن ، يرجع فيه ترجيعا ) و ستوافيك أحاديث من هذا الباب 3 .
و للسيد ماجد البحراني 4 هنا بيان لطيف ، بشان تلازم الترجيع في الصوت مع تحسينه و تجويده ، و ان لا تحسين بلا ترجيع ، و هو من أهل الفن و الاختبار و صاحب رأي و اختيار ، نورد طرفا منه :
قال ـ بصدد تبيين موضوع علم الموسيقى : انه الصوت المعروض للمناسبات العددية فيبحث فيه عن كيفية مناسبات اللحون و اتفاقها و كيفية تأليفها و اختلافها و بالجملة يبحث فيه عن كيفية الاتفاق و الاختلاف و بينوا ان تحقق الاعداد المذكورة إنما يتحقق بالتراجيع ، فان كان الصوت على استقامة من غير ترجيع ، يكون واحدا ، فإذا رجع فيه بترجيع واحد صار اثنين ، و إذا رجع بترجيعين صار ثلاثة و هكذا ، كالحركة فإنها ما دامت على استقامتها تكون واحدة ، و إذا انعطفت أو رجعت فيه تصير متعددة وبينوا فيه :
ان النغمات إذا كانت متناسبة تكون حسنة ، و ان كانت متنافرة كانت قبيحة و أما إذا لم تكن مشتملة على المناسبة أو المنافرة لم تتصف بالحسن و القبح ، بل تتصف بوصف اخر كالحدة و مقابلها قال : و المقصود التنبيه على ان حسن الصوت إنما يتحقق بمناسبات عددية فيه ، و هي موقوفة على تحقق التراجيع فان الصوت المستقيم من غير ترجيع لا يتصف بشي من الحسن و القبح ، لان مدارهما على المناسبة و المنافرة العدديتين 5 .
و مما يجدر التنبه له ان الموسيقى ـ في مصطلح أهل الفن هي نفس الغناء ، سوى ان الأولى لفظة يونانية ، و الأخيرة عربية ، و كلتاهما تعبيران عن معنى واحد .
جاء في رسائل إخوان الصفا : ( ان الموسيقى هي الغناء ، و الموسيقار هو : المغني ، و الموسيقات هي : آلات الغناء و الغناء هي : الحان مؤلفة ، و اللحن هي : نغمات متواترة ، و النغمات هي : أصوات متزنة ) 6 .
لكن في المعجم الوسيط : ( الموسيقى ، لفظ يوناني يطلق على فنون العزف على الات الطرب و علم الموسيقى : علم يبحث فيه عن أصول النغم من حيث تأتلف أو تتنافر ، و أحوال الأزمنة المتخللة بينها ، ليعلم كيف يؤلف اللحن و الموسيقار : من حرفته الموسيقى ) .
و في ( لغت نامه ) للعلامة دهخدا : ( الموسيقى ، علم يعرف به أحوال النغم و أزمانه فهو يشتمل على فنين : الأول معرفة ما تتلائم و ما تتنافر من النغمات ، و يسمى : فن الألحان و الثاني معرفة أوزان الأزمنة المتخللة بينها ، و يقال له : فن الإيقاع ) 7 .
و الفارق بين مصطلح القدماء و المحدثين في ذلك ، ان القدامى كانوا يرون التساوي بين الغناء و الموسيقى في المفهوم و المصداق و أما في العصر الحاضر فيستعملون لفظة الموسيقى في العزف على الات الطرب ، لتكون اخص من لفظة الغناء كما عرفت عن المعجم الوسيط .

نظرة في الاحاديث

الأحاديث الواردة بشان الغناء ، سواء المانعة منها أو المرخصة ، تلويحا أو تصريحا ، كثيرة و متنوعة في تعبيرها و في بيان سبب التحليل أو التحريم ، ذاتا أو منضما إليه احد العناوين المحرمة و غير ذلك ، مما أوجب إبهاما في وجه حكمه الشرعي لدى الكثير .
و قد ذكرها الشيخ حسب نوعية تعبيراتها ، و اردفها بمناقشات علمية دقيقة ، كانت تقتضيها طبيعة الفن في مجال الاستدلال الفقهي المبتني على النقد و التمحيص .
ـ منها : ما ورد مستفيضا في تفسير ( قول الزور ) في قوله تعالى :﴿ ... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 8.
ففي صحيحة زيد الشحام ، قال : سالت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قوله تعالى : ﴿ ... وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 8 قال : قول الزور ، الغناء 9 .
و هكذا ورد في مرسلة ابن أبي عمير، و موثقة ابي بصير 10 و رواية عبد الأعلى 11 ، و حسنة هشام 12 .
ـ منها : ما ورد مستفيضا أيضا في تفسير ( لهو الحديث ) في قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ 13.
و قوله تعالى :﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ 14.
ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : الغناء مما وعد الله عليه النار ، ثم تلا هذه الآية :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... 1315 .
و هكذا صحيحة مهران بن محمد ، و صحيحة الوشاء ، و صحيحة الحسن ابن هارون ، و رواية عبد الأعلى المشار إليها 16 .
ـ منها : ما ورد في تفسير ( الزور ) في قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ... 17.
كما في صحيحة محمد بن مسلم عن ابي الصباح عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) في الآية ، قال : ( الغناء ) 18 .
ـ منها : ما ورد في تفسير ( اللغو ) من قوله تعالى :﴿ ... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 17.
ففي حديث محمد بن ابي عباد ـ و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ قال : سالت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن السماع فقال : لأهل الحجاز فيه رأي ، و هو في حيز الباطل و اللهو أما سمعت الله عز و جل يقول :﴿ ... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 17 19 .
وكذا في تفسير ( الباطل ) من قوله تعالى : ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ... 20.
ففي حديث عبد الأعلى ، قال : سالت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الغناء ، و قلت : إنهم يزعمون ان رسول الله ( صلى الله عليه واله ) رخص في ان يقال : ( جئناكم جئناكم ، حيونا حيونا ، نحيكم ) فقال : كذبوا ان الله عز و جل يقول :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ 21 ثم قال : ويل لفلان مما يصف : ( رجل لم يحضر المجلس ) 22 .
وجه الدلالة و الاستظهار :
تلك جل أحاديث الباب ، مما استند إليها القائلون بحرمة الغناء حرمة ذاتية ، أي لمجرد كونه غناء ، لا لملابسات اخر ترافقه أو تستلزمه .
أما وجه الدلالة والاستظهار ، فلان الإمام ( عليه السلام ) في صحيحة الشحام ، فسر قول الزور ، المنهي عنه نهيا باتا ـ بدليل اقترانه مع النهي عن عبادة الأوثان بالغناء ، تفسيرا تطبيقيا ، متصادقا عليه في الخارج ، و ليس مفهوميا البتة .
و كذا في صحيحة محمد بن مسلم ، كان الغناء بذاته مما وعد الله عليه النار ، لانطباق لهو الحديث المضل عن سبيل الله ، عليه فالغناء بإطلاقه حديث لهوي و مضل و ما كان كذلك فهو حرام البتة .
و هكذا كونه بنفسه لغوا و باطلا و زورا و الزور هو العدول عن الحق ، و ماذا بعد الحق الا الضلال .

مناقشة الاستظهار

و قد ناقش الشيخ هذا الاستظهار المؤدي الى استفادة حرمة الغناء الذاتية .
و ذلك لان استشهاد الإمام ( عليه السلام ) بآيتي : ( قول الزور ) و ( لهو الحديث ) يكشف عن ان نظره ( عليه السلام ) الى ما كان من قبيل الكلام اللهوي الباطل الموجب للانحراف ، و ليس كل غناء كلاما ، و لا كل غناء كلامي مضلا .
إذ الغناء من قبيل الصوت ، بل كيفية فيه ، اعم من ان يكون ضمن كلام ام كان صوتا مجردا حيث يؤدى بكيفية خاصة ذات ترجيع مطرب .
فالحرمة الواردة في هاتين الطائفتين من الروايات ، ناظرة الى قسم خاص من الغناء ، و هو ما كان مشتملا على كلام باطل يضل عن سبيل الله و ليس على اطلاقه .
و الذي يؤيد ذلك ما ورد في صحيحة حماد عن الصادق ( عليه السلام ) ، سأله عن ( قول الزور ) قال : ( منه قول الرجل للذي يغني : أحسنت ) 23 إذ يدل ذلك على ان المحرم هو الكلام المغري المضل ، سواء تطابق مع الغناء ام تحقق بغيره فالحرام هو ذلك الكلام المضل ، و هو الملاك في الحرمة ، ليس غيره .
كما يشهد لذلك ما ورد ـ عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في الجارية لها صوت ( أي تعرف التغني الموجب لازدياد ثمنها ) قال ( عليه السلام ) : ( ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة ) 24 .
دل الحديث على ان التغني بما يزيد في العرفان ، جائز لا باس فيه .
قال الشيخ : ( فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل ، فلا تدل الروايات المذكورة على حرمة نفس الكيفية ، و لو لم يكن في كلام باطل ) .
و هكذا ناقش الشيخ في الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق ( عليه السلام ) بتفسير الزور بالغناء ، من قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ... 17 حيث الحرمة فيها منوطة بمشاهدة الزور ، أي الحضور في مشاهد الزور ، و هي المجالس التي يوجب الحضور فيها مشاهدة الزور ، أي الاستماع و النظر الى المغريات المضلة فالمحرم هو ذلك ، لا لمجرد الاستماع الى الغناء .
قال : ( حيث ان مشاهد الزور التي مدح الله تعالى من لا يشهدها ، هي مجالس التغني بالأباطيل من الكلام فالإنصاف إنها لا تدل على حرمة نفس الكيفية الا من حيث إشعار لهو الحديث بكون اللهو على اطلاقه مبغوضا للّه تعالى ، و كذا الزور بمعنى الباطل ، و ان تحققا في كيفية الكلام ، لا في نفسه كما إذا تغنى في كلام حق من قران أو دعاء أو مرثية ) .

نظرة الشيخ الخاصة

أسلفنا ان نظرة الشيخ بشان الغناء تختلف حكمية و موضوعية ، فيرى ان الغناء بعنوانه الذاتي لا حرمة فيه ما لم يتصادق مع احد العناوين المحرمة من مثل اللهو و الباطل أما موضوعيا فيرى عدم انفكاكه عن احدهما خارجا، و هو تصادق اتفاقي دائمي في نظره ، أما لو فرض الانفكاك فلا حرمة ذاتا هذه نظرته الخاصة بشان الغناء في كلا جانبي الحكم و الموضوع و اليك التفصيل :
أما نظرته بشان حكم الغناء ، المستفاد من نصوص الباب ، فهي الحرمة ، لكن لا على اطلاقه ، بل إذا كان لهوا و باطلا و لغوا فلا حرمة لعنوانه الذاتي ، إنما الحرمة لتلكم العناوين الطارئة ، الموجبة لانقسام الغناء الى لهوي و غير لهوي ، ليختص التحريم باللهوي دون غيره فلا حرمة له باطلاقه .
الأمر الذي يدل على ان الغناء ـ و هي كيفية صوتية يمكن تحققه خارجا على نحوين ، لهوي و غير لهوي و اللهوي أما باعتبار نفس الكيفية الخاصة ، كما إذا كان من الحان أهل الفسوق و الكبائر ، و أما باعتبار اشتماله على الأباطيل أو سائر الملابسات الملهية المضلة .
أما إذا لم يكن بنفسه لهويا و لا مشتملا على لهو باطل ، فلا دليل على حرمته ، و هو باق على أصل الجواز لعدم طرؤ موجب التحريم .
قال : ( و بالجملة فكل صوت يعد في نفسه ، مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به ، لهوا و باطلا ، فهو حرام ) .
قال : ( و مما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا ، رواية عبد الأعلى ـ فيما نسب الى الرسول ( صلى الله عليه و اله ) انه رخص في ان يقال : جئناكم جئناكم الخ فقال الصادق ( عليه السلام ) : كذبوا ، ان الله تعالى يقول : ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ 25 ثم قال : ويل لفلان مما يصف الخ .
قال : ( فان الكلام المذكور ، المرخص فيه بزعمهم ليس بالباطل و اللهو ، الذي يكذب الإمام ( عليه السلام ) رخصة النبي ( صلى الله عليه و اله ) فيه ، فليس الإنكار الشديد المذكور ، و جعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو و الباطل ، الا من جهة التغني به .
يعني : ان المستفاد من هذه الرواية ، ان الغناء ، بنفسه ، قد يكون لهويا و باطلا و لغو أو ان لم يكن مشتملا على الأباطيل .
و سند هذه الاستفادة ، ان الإمام ( عليه السلام ) استشهد بالآية ، و ليس فيها سوى عنوان اللعب و اللهو و الباطل فالغناء إذا كان من هذا النمط ، فهو حرام ، و ليس لذات عنوانه الخاص .
ثم أضاف رواية يونس ، و فيها قول ابي جعفر الباقر ( عليه السلام ) : ( إذا ميز الله بين الحق و الباطل ، فأين يكون الغناء ؟ فقال الراوي : ( مع الباطل ) قال الإمام : ( قد حكمت ) .
و رواية ابن ابي عباد ، و فيها : ( و هو ـ أي الغناء في حيز الباطل و اللهو، اما سمعت الله عز و جل يقول :﴿ ... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 17.
و رواية الأعمش الواردة في تعداد الكبائر ، و فيها قوله : ( و الملاهي التي تصد عن ذكر الله ، كالغناء و ضرب الأوتار ) .
و قوله ( عليه السلام ) و قد سئل عن الجارية المغنية ، قد تكون للرجل الجارية تلهيه : ( و ما ثمنها الا كثمن الكلب ) .
ففي جميع هذه الروايات ، كان العنوان المترتب عليه التحريم و الاستنكار ، هو عنوان اللهو و الباطل ، الصادق على الغناء ، صدقا خارجيا لا مفهوميا ، فلا بد ان يكون مفهومه أوسع صدقا و اعم من وجه من هذه العناوين الطارئة فلا تدل على حرمة الغناء بعنوانه الخاص و في مفهومه الخاص .
و من ثم قال الشيخ ـ معقبا على هذه الروايات :
و ظاهر هذه الأخبار بأسرها ، حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل .
قال : ( فالغناء ـ و هي من مقولة الكيفية للأصوات ان كان مساويا للصوت اللهوي و الباطل ـ كما هو الأقوى 26 فهو ، و ان كان اعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان كما انه لو كان اخص وجب التعدي عنه الى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو و بالجملة ، فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي التي ورد النهي عن قراءة القران بها ، سواء أكان مساويا للغناء أو اعم أو اخص ) 27 .
فملاك الحرمة ـ عند الشيخ هو صدق عنوان اللهو المضل ، فان كان مساويا مع الغناء ـ فرضا فهو أي يكون الغناء حينذاك محرما في جميع مصاديقه إذ لا يخرج فرد منه عن صدق عنوان اللهو فرضا .
و ان كان اعم منه ، وجب تقييد المحرم منه بما كان من هذا العنوان الطاري .
و ان كان اخص منه ، وجب التعدي من الصوت الغنائي الى كل صوت لهوي و ان لم يكن غنا لان المناط هو صدق عنوان اللهو لا الغناء لمجرده .
تلك كانت نظرة الشيخ بالنسبة الى حكم الغناء ، و ان لا حرمة ذاتا ما لم يرد منه عنوان محرم .
اما نظرته بالنسبة الى موضوع الغناء ، فانه ( قده ) يرى عدم انفكاك الغناء عن عنوان اللهو و الباطل ، و قد أبدى بنظرته هذه في ثنايا الكلام عن حكم الغناء الذاتي .
قال : ( فالغناء ـ و هي من مقولة الكيفية للأصوات ان كان مساويا للصوت اللهوي و الباطل ، كما هو الأقوى فهو 27 أي الأرجح في نظره ان الغناء متساو مع الصوت اللهوي ، فكلما صدق الغناء خارجا صدق معه الصوت اللهوي لا محالة من غير انفكاك .
ثم قال : ( و بالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي التي ورد النهي عن قراءة القران بها ، سوا أكان مساويا للغناء أو اعم أو اخص ، مع ان الظاهر ان ليس الغناء الا هو 28 .
و قال بعد ذلك : ( فكل صوت يعد لهوا بكيفيته و معدودا من الحان أهل الفسوق و المعاصي فهو حرام ، و ان فرض انه ليس بغناء ، و كل ما لا يعد لهوا فليس بحرام ، و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق 29 .
فقد أحال فرض صدق الغناء خارجا مع عدم صدق اللهو هناك يعني ان هذين العنوانين ( الغناء و اللهو ) مثلا زمان صدقا و ان اختلفا مفهوما .
قلت : هذا حدس حدسه هذا الفقيه البارع في فقاهته في جانب استنباطاته الفقهية من نصوص الكتاب و السنة ، لكن في إطار الأحكام التكليفية و الوضعية ، حيث دقة النظر و قوة الاستنباط .
لكن هذه البراعة هل رافقته في فهم القضايا العرفية ، البعيدة عن أجواء كانت تحيط بمثله من شيخ عظيم في وسط عظماء من أصحابه و تلامذته الجم الغفير ؟ و قد قيل قديما : ( الفقيه متهم في حدسه ) و لا سيما في مثل القضايا العرفية الهابطة المبتذلة في عرف ذلك الحين ، و كان يتحاشاها وجوه الأمة في بلاد المؤمنين مثل دزفول و كاشان و النجف الاشرف .
و كيف كان فالذي يهدم أساس هذا الحدس أمور :
أولا : لا سند له و لا شاهد يشهد له من دور الاختصاص بهذا الفن ، بل الشهادة بالعكس وافرة نوهنا عن بعضها و ستأتي أيضا .
و ثانيا : شهادة النصوص بالفارق بين الغناء اللهوي و غيره ، فيحرم إذا كان لهويا مضلا عن سبيل الله ، و يجوز إذا لم يكن كذلك .
ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه ، قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى و الفرح ؟ قال ( عليه السلام ) : ( لا باس به ما لم يعص به ) 30 .
فقد صح جواز الغناء في هذه المراسم و المواسم إذا لم يكن من النمط الذي تكون فيه معصية لله عز و جل ففي هذا التفصيل دليل على تنويع الغناء باعتبار مرافقاته الى محرم و محلل ، و التفصيل قاطع للشركة .
لعلك تقول : هذا من موارد الاستثناء ، فلا دليل على العموم .
قلت : لو صح ان الغناء مساوق مع اللهو و الباطل المضل ، كانت قضية تحريمه من القضايا الابية عن التخصيص ، لان الاستثناء حافظ للموضوع مع رفع الحكم فقط ، و يستحيل ان يرخص في باطل مع الحفاظ على عنوانه ، اللهم الا ان يتبدل الموضوع ، فحينذاك كان تخصصا لا تخصيصا ، الأمر الذي نقول به و سيأتي توضيح أكثر .
و في موثقة ابي بصير عن الإمام ابي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : ( أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به باس ، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال ) 31 .
فالأجر على الغناء إنما يحل إذا كان العمل المأخوذ عليه الأجر محللا ، نعم اشترط الإمام ( عليه السلام ) ان لا يكون مما يرافقه حرام ، فلا يكون مجلس يختلط فيه الرجال و النساء الأجانب ، كالتي كانت معهودة لدى الأمراء و الحكام آنذاك .
و أيضا في موثقته الأخرى قال : ( سالت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن كسب المغنيات ؟ فقال : ( التي يدخل عليها الرجال حرام ، و التي تدعى الأعراس ليس به باس و هو قول الله عز و جل : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... 13 32 .
فاستشهاده ( عليه السلام ) بالآية الكريمة ، إشارة الى ان المحرم من الغناء ما كان يبعث على الضلال ، فالمغنية التي تغني في العرائس التي لا يدخل فيها الرجال الأجانب ، لا بأس باخذها الأجر على غنائها ، لان ذلك بمجرده لا يبعث على ضلال .
و روى الصدوق ، قال : سال رجل علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن شراء جارية لها صوت ؟ فقال : ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة .
و أضاف الصدوق : يعني بقراءة القران و الزهد و الفضائل 33 .
و لكلام الصدوق هنا ذيل سوف نتعرض له .
هذا الحديث مما يعتمد عليه ، لان مثل الصدوق أرسله إرسال المسلمات و ان كان فسره بما يوافق مذهبه في التحريم حسب المشهور .
و على أي تقدير فالحديث صريح في ان الغناء بذاته ليس بمحرم ، و لا سيما إذا كانت المواد التي تتغنى بها الجارية قرانا أو حكمة أو عظة و أمثال ذلك مما يبعث على الهداية و الاستقامة في السلوك ، لان الحكمة إذا صيغت في قالب شعر موزون ، و أفرغت في الحان و نغمات مطبوعة ، كان لها تأثيرها الأوفى في النفوس و لذلك جاء الترغيب في قراءة القران بالصوت الحسن ، و الترنم به في الحان متزنة مؤثرة في القلوب و هذا هو معنى التغني بالقران ، حسبما يأتي .
و في حديث عبد الله بن الحسن الدينوري قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : ( فاشتري المغنية أو الجارية تحسن ان تغني ، أريد بها الرزق لا سوى ذلك ؟ قال ( عليه السلام ) : اشتر و بع 34 .
فجواز شراء الجارية المغنية و بيعها مع العلم ان القسط الأوفر من الثمن إنما هو لجهة إجادتها في الغناء إنما يدل على حلية الغناء في ذات نفسه ، ما لم يكن القصد الى جهة محرمة .
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي بعد نقل هذه الاحايث :
( فالوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا تتكلم بالأباطيل ، و لا تلعب بالملاهي من العيدان و القصب بل تكون ممن تزف العروس و تتكلم عندها بإنشاد الشعر و القول البعيد عن الفحش و الأباطيل فأما من عدا هؤلاء ممن يتغنين بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال ، سواء أكان في العرائس أو في غيرها 35 .
هذه الأحاديث و ما شابهها ناصة على تنويع الغناء الى محلل و محرم ، تنويعا باعتبار مرادفاته ، لا لشي في ذات نفسه .
و الشيخ أبو جعفر الطوسي و هو شيخ الطائفة و زعيمها معترف بذلك ، غير ان الذي جعله من المحرم ليس على كليته ، لان المواد إذا كانت من الفحشاء و الأباطيل أو كانت الجلسات مما تعد للمعاصي كاختلاط الأجانب من الرجال و النساء يرافقها غناء و تصفيق و رقص و تزمير و نحو ذلك ، فهذا لا شك في حرمته .
أما مجرد ضربها بالدف أو المزمار و استعمال سائر الات الموسيقى ، فلا دليل على حرمته لمجرد ذلك حسبما نذكر .
و ثالثا دلالة الاستثناء على تنويع الغناء الى باطل و غير باطل ، إذ لا معنى للاستثناء في باطل شامل .
توضيحه : ان المشهور بين الفقهاء جواز الغناء في الأعراس و كذا التغني بمثل الحداء و أضاف بعضهم في مثل قراءة القران و المراثي و المدائح مثلا .
و قد وافق الشيخ ( المحقق الأنصاري ) استثناء الغناء في الأعراس إذا لم يكتنف به محرم اخر ، استنادا الى موثقتي ابي بصير ( و قد تقدمتا ) قال : ان سند الروايات ( لأنه أردفهما بثالثة ) و ان انتهت الى ابي بصير ، الا انه لا يخلو من وثوق ، و العمل بها تبعا للأكثر غير بعيد ، و ان كان الاحوط كما في الدروس الترك 36 .
قلت : استثناء فرد أو أفراد من أنواع الغناء ، يدل على ان الغناء بذاته ليس من الباطل ، إذ لا معنى لاستثناء باطل و جوازه من بين أباطيل فلو كان الغناء ذاتا من الباطل ، لكانت قضية حرمة الغناء من القضايا الابية للتخصيص ، إذ لا باطل جائزا في شريعة الإسلام ، كما لا ظلم جائزا في الدين .
فالاستثناء في الحقيقة يدل على ان البطلان ( المتلازم مع الحرمة ) إنما هو في بعض أنواع المستثنى منه دون هذا النوع المستثنى .
هذا ما تقتضيه دلالة الاقتضاء ، و هو صون كلام الحكيم عن التهافت الفاضح .
و رابعا صراحة المستفيض من أحاديث صادرة عن أهل بيت العصمة ( عليه السلام ) بجواز التغني في قراءة القران ، تارة بلفظ ( تحسين الصوت ) و أخرى ( بالترجيع فيه ) و ثالثة ( بالتغني به ) و أمثال ذلك ونحن نورد نماذج منها على الترتيب :
أ ـ ما ورد بلفظ تحسين الصوت :
و قد عرفت من كلام السيد ماجد البحراني الخبير بمصطلح الفن ، ان تحسين الصوت لا يكون الا بالترجيع فيه ترجيعا يوجب لذة في سماعه و وجدا و شوقا الى الاستماع له المعبر عنه في مصطلح أهل اللغة بالإطراب لأنه خفة تعتري النفس من شدة الوجد فرحا أو هما .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و اله ) : ( لكل شي حلية وحلية القران الصوت الحسن ) .
و قال : ( ان من أجمل الجمال الشعر الحسن و نغمة الصوت الحسن ) 37 .
و قال : ( ان حسن الصوت زينة للقران ) 38 .
و المراد تمجيد حسن الصوت ، ليس الحسن الطبيعي الخاص بعديد من الناس ، بل المراد هو تحسين الصوت بالإجادة فيه و أدائه على أوتار نغمية توجب حسن الصوت في كيفية أدائه ، الموجب لحسن الاستماع إليه و الرغبة فيه .
و من ثم جاء التصريح بذلك في روايات اخر : قال ( صلى الله عليه و اله ) : ( حسنوا القران بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القران حسنا ثم قراء :﴿ ... يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ... 39.
و قال : ( زينوا القران بأصواتكم ) .
و قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) ـ في تفسير قوله تعالى :﴿ ... وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا 40 .
( هو ان تتمكث فيه و تحسن به صوتك ) 41 .
ب ـ ما ورد بلفظ الترجيع صريحاً :
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( و رجع بالقران صوتك فان الله عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا ) 42 .
و الترجيع : إدارة الصوت في الحلق بحيث يوجب قلقلة لطيفة في الصوت توجب حسن أدائه و حسن الاستماع إليه .
قال ابن الأثير : الترجيع ، تقارب ضروب الحركات في الصوت قال : و في صفة قراءته ( صلى الله عليه و اله ) يوم الفتح : ( انه كان يرجع ) و هو ترديد في القراءة ، و منه ترجيع الأذان .
و قد أسلفنا كلام السيد ماجد في وصف الموسيقى : انه الصوت المعروض للمناسبات العددية في كيفية الوفاق و الاختلاف في مناسبات اللحون قال : ان تحقق هذه المناسبات إنما يمكن بالتراجيع ، فان كان الصوت على استقامة من غير ترجيع يكون واحدا ، فإذا رجع فيه يصير متعددا و بذلك تحصل النغمات الصوتية ، فإذا كانت متناسبة تكون حسنة ، و ان كانت متنافرة كانت قبيحة ، و أما إذا لم تكن مشتملة على المناسبات أو المنافرات لم يتصف الصوت لا بالحسن و لا بالقبح قال : و المقصود التنبيه على ان حسن الصوت إنما يتحقق بمناسبات عددية فيه و هي موقوفة على تحقق التراجيع فان الصوت المستقيم من غير ترجيع لا يتصف بشي من الحسن والقبح ، لان مدارهما على المناسبة و المنافرة العدديتين 43 .
إذن فحسن الصوت المندوب إليه قراءة القران موقوف على ترجيع الصوت على المعنى المصطلح لدى أرباب الفن فتنبه .
ج ـ ما ورد بلفظ التغني بالقرآن :
قال رسول الله ( صلى الله عليه و اله ) : ( ان القران نزل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا ، فان لم تبكوا فتباكوا و تغنوا به ، فمن لم يتغن بالقران فليس منا ) .
و في حديث اخر : ( ليس منا من لم يتغن بالقران ) .
لكن فسره الصدوق ـ و تبعه جماعة بالاستغناء و هذا المعنى أخذه عن بعض السلف ، هو سفيان بن عيينة ـ كما قال الأزهري قال : معناه : ( من لم يستغن ولم يذهب به الى معنى الصوت 44 .
لكنهم لم يستشهدوا لذلك من كلام العرب سوى قول الأعشى :
و كنت أمر زمنا بالعراق *** عفيف المناخ طويل التغن .
غير ان التغني في البيت جاء بمعنى الإقامة بالمكان ، كما استشهد به السيد المرتضى علم الهدى في الامالي ، استشهد بهذا البيت لمعنى الإقامة بالمكان ، قال : المعنى ، بطول المقام أشبه منه بالاستغناء ، لان المقام يوصف بالطول و لا يوصف الاستغناء بذلك ، فكان الأعشى أراد : أنني كنت ملازما لوطني ، مقيما بين أهلي ، لا أسافر للانتجاع و الطلب ، و يجري قوله مجرى قول حسان ابن ثابت الأنصاري :
أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل .
أراد : إنهم ملوك لا ينتجعون و لا يفارقون محالهم و أوطانهم 45 .
قلت : الاعتبار في تفسير العبائر هو الظهور المتعارف ، اما الحمل على المعاني الغريبة فهو بحاجة الى قرائن واضحة و إلاّ كان تأويلا غير مستند .
و هذه العبارة ـ الصادرة عن مهبط الوحي مسبوقة بدلائل تؤيد الحمل على المعنى المتعارف لان قوله : ( ان القران نزل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا ) يدلنا على ان معنى التغني قراءته على الألحان المشجية .
ذكر السيد المرتضى عن بعضهم احتجاجا يؤيد ذلك قال : أراد : من لم يحسن صوته بالقران ولم يرجع فيه واحتج بحديث عبد الرحمن بن السائب ، قال : أتيت سعدا و قد كف بصره فسلمت عليه فقال : من أنت ؟ فأخبرته فقال : مرحبا يا ابن أخي ، بلغني انك حسن الصوت بالقران ، و قد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و اله ) يقول : ( ان هذا القران نزل بالحزن ، فإذا قرأتموه فابكوا ، فان لم تبكوا فتباكوا ، فمن لم يتغن بالقران فليس منا ) .
فقوله : ( فابكوا و تباكوا ) دليل على ان التغني هنا التحنين و الترجيع 46 .
قال محمد بن ادريس الشافعي : معنى الحديث تحسين القراءة و ترقيقها ، و يشهد له الحديث الاخر : ( زينوا القران بأصواتكم ) و كل من رفع صوته و والاه فصوته عند العرب غناء 47 .
قلت : و يتأيد ذلك بملاحظة السبب الموجب لصدور مثل هذا الدستور من النبي الأكرم ( صلى الله عليه واله ) .
قال ابن الإعرابي 48 : كانت العرب تتغنى بالركباني 49 إذا ركبت و إذا جلست في الأفنية و على أكثر أحوالها فلما نزل القران أحب النبي ( صلى الله عليه و اله ) ان تكون هجيراهم 50 بالقران مكان التغني بالركباني 51 .
و قال الزمخشري : كانت هجيرى العرب التغني بالركباني ـ و هو نشيد بالمد و التمطيط إذا ركبوا الإبل ، و إذا تبطحوا على الأرض ، و إذا قعدوا في أفنيتهم ، و في عامة أحوالهم فأحب الرسول ( صلى الله عليه و اله ) ان تكون قراءة القران هجيراهم فقال ذلك يعني : ليس منا من لم يضع القران موضع الركباني في اللهج به و الطرب عليه 52 .
قال الفيروز ابادي ـ في القاموس : غناه الشعر و تغنى به تغنية : تغنى به .
قال الشاعر :
تغن بالشعر اما كنت قائله *** ان الغناء بهذا الشعر مضمار 53 .
قال الزبيدي ـ شارح القاموس : و عليه حمل قوله ( صلى الله عليه و اله ) : ( ما أذن الله لشي كإذنه لنبي يتغنى بالقران يجهر به ) .
قال ابن الأثير : في هذا الحديث جاء تفسير التغني بالجهر به 54 و الجهر هنا يراد به رفع الصوت و مده ، حسبما يأتي انه المراد بتحسين الصوت و ترقيقه .
و هكذا دأب الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) على ترتيل القران و رفع الصوت به و تجويده حيث أحسن الأصوات :
فقد روى محمد بن علي بن محبوب الأشعري في كتابه بالإسناد الى معاوية ابن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الرجل لا يرى انه صنع شيئا في الدعاء و في القران حتى يرفع صوته ؟
فقال : لا باس به ان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) كان أحسن الناس صوتا بالقران ، فكان يرفع صوته حتى يسمعه أهل الدار و ان أبا جعفر ( عليه السلام ) كان أحسن الناس صوتا بالقران ، و كان إذا قام من الليل و قراء ، رفع به صوته ، فيمر به مار الطريق من السقائين و غيرهم ، فيقومون 55 فيستمعون الى قراءته 56 .
و هكذا روي بشان سائر الأئمة ( عليه السلام ) 57 .
اذن فرفع الصوت و مده و تحسينه و الترجيع فيه ـ كما وردت هذه العناوين في الأحاديث ليس سوى التغني بقراءة القران .
بقي هنا اعتراض أورده أبو عبيد 58 قال : و لو كان معنى الحديث الترجيع لعظمت المحنة علينا بذلك ، إذ كان من لم يرجع بالقران فليس منه ( صلى الله عليه و اله ) 59 لكن هذا الاعتراض غير وارد بعد البيان الذي بينه ابن الإعرابي ـ و هو من مشايخ ابي عبيد بشان صدور هذا الحديث .
على ان المراد بالتغني بالقران ، هو مد الصوت و تحسينه و ربما الترجيع في مداته ليحصل نوع تزيين في الصوت .
لان لقراءة القران طورا غير قراءة سائر الكلام ، و قد اعتاده المسلمون من أول يومهم الى يومنا هذا ، يقرأون القران بأصوات رفيعة متزنة وم ع المد و الترقيق و نحو ذلك الأمر الذي يستطيعه كل إنسان الم بالقران و بقراته الخاصة .
و من ثم ورد : اقرءوا القران بالحان العرب و أصواتها ، و لا تقرءوه بالحان أهل الفسوق و الكبائر فالطور ـ و هو اللحن في القراءة مرغوب في قراءة القرآن و ممكن لكل احد يريده .

هل للمادة مدخل في تحقق الغناء ؟

شي ابداه الصدوق عليه الرحمة فقد فرض مدخلية المواد التي يتغنى بها في مفهوم الغناء و تحققه قال : ( و سال رجل علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن شراء جارية لها صوت ؟ فقال : ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة ) .
قال الصدوق : يعني بقراءة القران و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء ، فأما الغناء فمحظور 60 .
قال المولى محمد تقي المجلسي ـ في الشرح : و يظهر من المصنف ان أمثال هذه لا تسمى غناء و إنما الغناء ما كان في باطل .
قال : و يؤيده العرف ثم أورد روايات الأمر بالترجيع في قراءة القران و تحسين الصوت بها ـ على ما أسلفنا و زعم ان الجواز في ذلك إنما هو لكون المادة غير باطلة ، فلم يكن غنا 61 .
لكن ماذا يقول هؤلاء في روايات الأمر بالتغني بالقران على ما سلف بيانه ؟
و قد مال الى ذلك سيدنا الأستاذ الخوئي ( قده ) قال : يعتبر في الغناء ( أي في تحققه صدقا ) أمران :
الأول : ان تكون المادة باطلة لهوية .
و الثاني : ان تكون الهيأة مشتملة على المد و الترجيع قال : و بانتفاء احدهما لا يصدق الغناء فتحسين الصوت في قراءة القران و ترقيقه ، و كذا ما تعارف عند أهل الخطابة و الوعظ من الإلقاء بنحو يشتمل على الترجيع ، خارج عن الغناء ( أي لا يتحقق الغناء ) و قال ـ بصدد استثناء الغناء في المراثي : انه بالتخصص لا بالتخصيص ، لعدم كون المادة لهوية 62 .
لكنه خلاف ما توافقت عليه أراء الفقهاء و اللغويين جميعا ، على ان الغناء كيفية صوتية قائمة بذاتها اما مجردة أو بالعزف على الات الموسيقى المعهودة ولم يعهد اعتبار المادة في صدق هذا المفهوم .
قال سيدنا الأستاذ الإمام الخميني ( قده ) : ( و ليست مادة الكلام دخيلة في صدق الغناء ، و لا فرق في حصوله بين ان يكون الكلام باطلا أو حقا أو قرانا أو رثا لمظلوم ، و لا اصطلاحا خاصا بالشرع كي تفرض دخالة المادة في مفهومه قال : و لذلك فمن العجيب ما قيل من دخول الغناء تعبدا في قول الزور و ان خالفه مفهوما ) 63 .
قلت : هذا هو فصل الخطاب و الحمد للّه أولا و أخرا و نسأله التوفيق المتواصل في خدمة الشرع الحنيف انه ولي التوفيق و هو خير مستعان .
و صلى الله على محمد و اله الطاهرين .

  • 1. المكاسب المحرمة ، طبعة شهيدي : 36 .
  • 2. الوسائل ، ( طبعة ال البيت ) 17: 308 ، 19 .
  • 3. راجع بحار الأنوار 89 : 195 ـ 190 ، كتاب القران ، رقم 21 .
  • 4. هو السيد محمد بن إبراهيم الحسيني البحراني المشتهر بماجد ، كان فقيها بارعا و جامعا ، و كان ذا معرفة تامة بأصول فن الموسيقى في وقته ، و من ثم فان نظرته بشان الغناء هي نظرة خبير بالفن و مساسه بالحكم الشرعي معا هو من علما القرن الثاني عشر للهجرة ، و له اتصالات مع علماء وقته في سائر البلاد في رحلاته العلمية آنذاك و قد طبعت رسالته ( إيقاظ النائمين و ايعاظ الجاهلين ) ضمن المجلد الخامس من موسوعتنا ( التمهيد ) في علوم القران فليراجع للوقوف على التفصيل الذي اورده هذا المحقق الخبير .
  • 5. التمهيد 5: 200 .
  • 6. رسائل اخوان الصفا 1: 188 ، ( الرسالة الخامسة ، القسم الرياضي ) .
  • 7. راجع : لغت نامه و فرهنگ عميد ( حرف الميم ) .
  • 8. a. b. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 30، الصفحة: 335.
  • 9. الوسائل 17: 303 ، باب 98 ، رقم 2 .
  • 10. راجع الكافي الشريف 6 : 435 / 2 .
  • 11. معاني الأخبار ص 439 / 1 .
  • 12. تفسير القمي 2 : 84 .
  • 13. a. b. c. القران الكريم: سورة لقمان (31)، الآية: 6، الصفحة: 411.
  • 14. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 17، الصفحة: 323.
  • 15. الوسائل 17 : 305304 ، رقم 6 .
  • 16. الوسائل 17 : 305 ، رقم 7 ، والصفحة 306 ، رقم 11 ، والصفحة 307 ، رقم 16 ورقم 15 .
  • 17. a. b. c. d. e. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 72، الصفحة: 366.
  • 18. الوسائل 17 : 305 ، رقم 3 و 5 .
  • 19. الوسائل 17 : 308 ، رقم 19 .
  • 20. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 18، الصفحة: 323.
  • 21. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآيات: 16 - 18، الصفحة: 323.
  • 22. الوسائل 17 : 307 ، رقم 15 ، وراجع الحديث رقم 13 و 19 . فإذا تصادق قول الزور و الغناء تلازما في الصدق ، أي كلما تحقق الغناء صدق عليه قول الزور ، صدقا كليا في المتعارف والعادة ، فانه يحرم لا محالة ، لأنه محقق لعنوان قول الزور و مصداقه البين ، فيحرم من هذه الجهة .
  • 23. الوسائل 17 : 309 ، رقم 21 .
  • 24. الوسائل 12 : 122 ، باب 16 ، رقم 2.
  • 25. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 16، الصفحة: 323.
  • 26. هذه نظرة الشيخ الموضوعية و سنتعرض لها .
  • 27. a. b. المكاسب المحرمة : 36 ، السطر 32 .
  • 28. المصدر : 33 .
  • 29. المصدر : 37 ، السطر 23 .
  • 30. الوسائل 17 : 122، رقم 5، باب 15، ما يكتسب به .
  • 31. الوسائل 17 : 121 ، رقم 3 .
  • 32. الوسائل 17 : 120 ، رقم 1، باب 15 .
  • 33. الوسائل 17 : 123 ، باب 16، رقم 2 .
  • 34. الوسائل 17: 122 ، باب 16، رقم 1 .
  • 35. الاستبصار 3: 62 ، رقم 207 / 7.
  • 36. المكاسب المحرمة : 40 ، السطر 15 .
  • 37. الكافي الشريف 2 : 614 ـ 616 .
  • 38. بحار الانوار 89 : 190 ، باب 21، رقم 2 .
  • 39. القران الكريم: سورة فاطر (35)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 434.
  • 40. القران الكريم: سورة المزمل (73)، الآية: 4، الصفحة: 574.
  • 41. بحار الانوار 89 : 190 ، باب 21، رقم 6 و2 و4 .
  • 42. الكافي الشريف 2 : 616 ، رقم 13.
  • 43. انتهى بتلخيص واختزال ، راجع التمهيد 5: 200 .
  • 44. تاج العروس 10 : 271 .
  • 45. الامالي 1 : 34 ـ 35 و للسيد هنا بحث ممتع حول الحديث لا يستغني الباحث عن مراجعته .
  • 46. الامالي 1 : 32 .
  • 47. هذه الرواية رواها الازهري عن البغوي عن الربيع عن الشافعي (اللسان 15: 136 ) .
  • 48. هو ابو عبد الله محمد بن زياد الكوفي ، مولى بني هاشم ، احد العالمين باللغة و المشهورين بمعرفتها كان يحضر مجلسه خلق كثير ، و كان راسا في الكلام الغريب ، و ربما كان متقدما على ابي عبيدة و الاصمعي في ذلك ولد في رجب سنة 150 و توفي في شعبان سنة 231 ( الكنى و الالقاب للقمي 1 : 215 ) .
  • 49. هو نشيد بالمد و التمطيط .
  • 50. الهجيرا : زمزمة الغناء و رنته .
  • 51. راجع : نهاية ابن الاثير 3 : 391 .
  • 52. راجع : الفائق للزمخشري 2: 36 في مادة ( رثث ) .
  • 53. قال ابن منظور ـ في اللسان : اراد ان التغني فوضع الاسم موضع المصدر .
  • 54. النهاية 3: 391 .
  • 55. اي فيقفون وقوفا كما في قوله تعالى : اي وقفوا حيارى .
  • 56. مستطرفات السرائر: 484 .
  • 57. راجع التمهيد 5: 180 .
  • 58. هو القاسم بن سلام من المشاهير في اللغة و الحديث و الادب و الغريب و سعة العلم كان امام عصره و هو اول من صنف في غريب الحديث و كان منقطعا الى عبد الله بن طاهر ذي اليمينين توفي بمكة بعد فراغه من الحج سنة 223 ( الكنى و الالقاب 1: 118 ) .
  • 59. امالي المرتضى 1 : 32 و راجع بحار الانوار 89: 192 .
  • 60. من لا يحضره الفقيه 4 : 34، رقم 139 / 11 .
  • 61. راجع روضة المتقين 10 : 169 ـ 173 .
  • 62. محاضرات في الفقه بقلم المرحوم السيد علي الشاهرودي : 238 .
  • 63. لمكاسب المحرمة بقلمه الشريف 1 : 203 .