تقيمك هو: 3. مجموع الأصوات: 22
نشر قبل سنتان
القراءات: 2399

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تساؤلات حول فكرة الإسلام الحضاري

على أثر المقال الأول الذي نشرته حول برنامج الإسلام الحضاري في ماليزيا، تساءل معي بعض القراء عبر البريد الإلكتروني: ألا يعني الحديث عن الإسلام الحضاري وكأننا أمام إسلامات متعددة وليس إسلاماً واحداً؟ وألا يوحي هذا الوصف بأن هناك إسلاماً متخلفاً يقابل الإسلام الحضاري؟
وأمام هذا التساؤل المزدوج وجدت فرصة لإلقاء المزيد من الأضواء على فكرة الإسلام الحضاري، وفي هذا النطاق يمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أولاً: إن اختيار الماليزيين لبرنامج الإسلام الحضاري جاء في سياق تمسكهم بالإسلام، وتظاهرهم بالاعتزاز والافتخار به بعد التقدم والتطور الذي أنجزوه وحققوه على الأرض، ولكي يبرهنوا من جهة على أن هذا التقدم والتطور لم يحصل بعيداً عن الإسلام، أو خارجاً عنه، أو بدون الاستلهام والاستنارة منه، ومن جهة أخرى ليبرهنوا على أن التقدم والتطور الذي حصل عندهم، لم يقودهم إلى التخلي عن الإسلام أو الابتعاد عنه، ولا حتى تقليص العلاقة به، وتخفيفها وعدم التظاهر والإشهار بها، خوفاً وحذراً من تفسيرات وتأويلات قد تألب عليهم دولاً أو جهات إعلامية أو اقتصادية أو سياسية نافذة ومؤثرة دولياً، تشوّه من صورتهم، أو تجلب عليهم ضغوطات، أو تضع في طريقهم عراقيل هم في غنى عنها.
فالماليزيون برهنوا على إمكانية أن يتمسك المجتمع بالهوية الإسلامية ويحقق تقدماً في هذا العصر. وبمعنى آخر أن الماليزيين برهنوا على إمكانية الهوية الإسلامية في أن تقود مجتمعاً نحو التقدم في هذا العصر، الذي يطبع الغرب صورته عليه، وفي ظل العولمة التي تحاول أن تجعل من الغرب قطباً ومركزاً للعالم، وتخلق تماهياً بين العالم والغرب.
وكم كنا بحاجة لهذا المثال الماليزي الذي تقترن فيه الهوية الإسلامية بالتقدم، خصوصاً في هذا العصر، ومن بعد انفصال تركيا عن المحيط الإسلامي بعد تلاشي الخلافة العثمانية، على خلفية الفصل والقطيعة بين الهوية الإسلامية والتقدم.
ثانياً: إن برنامج الإسلام والحضاري يراد منه الكشف والتعبير عن الملامح والأبعاد الحضارية في الإسلام قيماً وثقافة وتراثاً، واستظهارها لبعث إرادة التقدم ودينامية التطور في المجتمع الماليزي ليواصل ويحافظ على نهضته وتقدمه.
وهذا بدوره يكشف عن حقيقة هامة هي أن الأمة كلما تقدمت وخطت خطوات نحو التقدم كلما اقتربت من المعاني والأبعاد الحضارية في الإسلام، وأدركت الحاجة إلى هذه المعاني والأبعاد، وكلما تراجعت وخطت خطوات نحو التراجع كلما ابتعدت عن هذه المعاني والأبعاد الحضارية، وكانت أقرب إلى ما يناقضها ويعارضها من معاني وأبعاد.
ولعل هذا ما يفسر عناية الماليزيين بالإسلام الحضاري، فهم أقرب إليه نتيجة ما تحقق عندهم من تقدم وتطور.
ثالثاً: يبدو أن الماليزيين تقصدوا إطلاق وصف الإسلام الحضاري مراعاة لمجتمعهم المتعدد الأعراق والديانات والثقافات، وأرادوا من هذا البرنامج التأكيد على أن الإسلام يحترم الآخر ويتعايش معه، ويحفظ كرامته، ويضمن حقوقه، كما أرادوا من هذا البرنامج تبليغ رسالة تسامح واطمئنان لشركائهم في الوطن من أصحاب الديانات والثقافات الأخرى، وهم شركاء أيضاً في نهضة وتقدم وطنهم، فتقدم ماليزيا هو تقدم لكل الماليزيين مسلمين وغير مسلمين.
وبالتالي فإن هذه التسمية وغيرها من تسميات أخرى، لا يراد منها على الإطلاق تقسيم الإسلام الواحد إلى إسلامات متعددة، كما لا يراد منها كذلك الإيحاء بإعطاء الإسلام توصيفات أخرى، وإنما هي عبارة عن بناء مفاهيم الغرض منها صناعة رؤية تارة، وتارة أخرى لتفسير وتحليل ظواهر وقضايا اجتماعية وسياسية وحضارية1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 3 أبريل 2008م، العدد 15195.